بقلم الدكتورة سميرة بيطام* تابعنا ولشهور عدة عبر العالم برمته اجتياح فايروس كورونا كوفيد 19 والدول في حرب ضد هذا الوباء لحفظ الأرواح من الموت والاقتصاد من الانهيار ..مساعي بُذلت ولا تزال تُبذل من أجل تحقيق نسبة من الاستقرار التي تجعل الدول تستمر في كينونتها مهما كانت المشاكل والأزمات الداخلية تنخر ببطيء كيانها والهياكل القاعدية جهود تُبذل من طرف الوزارة الوصية والجيش الأبيض وتنقلات وزير الصحة عبر بعض الولايات للتقرب من قلب المستشفيات وجس النبض فيها والوقوف على حقيقة الواقع المُعاش في ظل هذه الجائحة . تابعنا مساعي الدول العربية والأجنبية وكذا عمل اللجنة العلمية بالجزائر وكيف كان العمل متمحورا على متابعة أهم المستجدات في الخارج ليتم العمل بها في الجزائر على نحو يضمن السلامة وعدم التسرع في اتخاذ القرارات فيما يخص البروتوكول العلاجي المتخذ للتصدي للجائحة مع العلم أن عمل اللجنة العلمية كان معتبرا يرتكز بالأساس على جرد الاحصائيات وكشف المناطق الموبوءة لمعرفة السبب للوصول إلى الاحتياطات الواجب اتخاذها من جهة أخرى قامت الدولة ممثلة في حكومتها بتعليق الرحلات وغلق الحدود وكذا تعليق بعض الأنشطة التجارية وغيرها تفاديا للاكتظاظ المواطنين خاصة في المناسبات وهو ما كان مُلاحظا في ارتفاع منحنى الاصابات المتزامن مع تواجد المواطنين بكثرة في بعض الأماكن وبسبب بعض النشاطات التي فرضت عليه أن يكون موجودا ولو بغير احترام شامل لتعليمات الوزارة الوصية ممثلة في اللجنة العلمية التي عكفت منذ ظهور الوباء على وضع توصيات وقواعد السلامة وهو نفس العمل أو الاجراءات الملاحظة على مستوى الدول العربية التي يغلب عليها عملية العمل بالمثل في أخذ التجربة من الخارج ..و هو ما يطرح سؤالا عما اذا كانت فيه حقيقة ما يسمى بالاستقلالية العلمية والخبراتية والقانونية لمجاراة أي ظاهرة أو أي حدث عالمي عابر؟ لا أعرف ان ما كانت الدول العربية بهذا النقل الحرفي للإجراءات أنها ترفض أن تكون مستقلة بذاتها وتخوض تجربة الحرب ضد أي خطر بحسب معرفتها وامكانياتها وتجربتها في الميدان على ما يبدو أن العقل العربي لا يريد أن يتحرر ويرضى أن يبقى منكمشا على ذاته ربما خوفا من الفشل أو الاخفاق وربما لعدم الثقة في ذاته وفي كوادره خاصة أنه لم يحدث أن خاض بلد عربي تجربة مجابهة لأي عارض عالمي لوحده ودون الاطلاع على تجربة الجيران ومنه كان السؤال المنطقي الذي يطرح نفسه بنفسه: لماذا لم تتخذ الجزائر من كورونا ظرفا للتحرر تدرجيا من التبعية وظرف للتطور وللانطلاقة الجديدة خاصة وأن ظهور الجائحة تزامن مع انطلاق مسار بناء الجزائر الجديدة؟.كلنا يعلم ان التبعية لا تزال باقية ولا يمكن التخلي عنها ببساطة لكن أين هي الارادة الحقيقية للنية الحسنة في سبيل التخلي عنها؟.هي موجودة وتحتاج لمن يشجعها ويضمن استمراريتها من العرقلة في منتصف الطريق. صحيح أن العالم الغربي يملك من التقنية ما لا نملكها نحن ولا غيرنا من الدول العربية ولكن هذه الدول الأجنبية حتما كانت لها اخفاقات في مساعيها وفي تجاربها ولم ترض في يوم من الأيام أن تعود لنا نحن العرب في قضايا أخرى غير القضايا العلمية مثلا لتنهل من تجربتنا لأننا في الواقع لا نملك التجربة ونرفض أن نملكها بسبب الخوف بالدرجة الأولى وبسبب فكرة التعود على الغير حالة مواجهة الخطر وهذا خطأ ويعتبر في حد ذاته مشكلا بالنسبة لتقدمنا ولتطورنا.. من جهة يتكلم الفاعلون والمهتمون بالشأن التقدمي للبلد أن الجزائر الجديدة ماضية في نهجها للتحرر من السلوكات الماضية التي لا تمت بصلة لنهج التحضر ومن جهة نرى تقوقعا حيال الخطر..كيف للأوطان أن تبنى على ركيزة من التناقض والمخاوف والاضطراب في العمل؟ ألم يقل عز من قال إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح الآية 19 - سورة الأنفال فأين نحن من عقد العزم على الاستفتاح بمناهج وأفكار وأساليب جديدة تضمن لنا تحقيق أهدافنا على مدى بعيد؟. هذا من جهة ومن جهة أخرى ليس المطلوب في قطاع الصحة الجزائرية الاكتفاء بإنهاء المهام كحركة روتينية ألفناها من سنوات دون أن ننشد التغيير الذي أراده الشعب الجزائري لأن هذا الانهاء لم يعالج المشاكل الحقيقية للقطاع ومن الجذور هذا الانهاء ليس هو المطلوب كصورة نمطية لحركية هيكل الدولة في صناعة ذاك الفارق في التحرر من قيود التعثر كما أحب أن أسميه لا أحبذ استعمال مصطلح فشل لأن الفكر الانساني يدرك جيدا أن الفشل هو أحد خطوات النجاح الأولى في أي مشروع وفي أي برنامج للتغيير والفشل ليس من شيم كوادر الصحة الجزائرية صحيح لدينا لجنة علمية وطاقات فاعلة وتنقلات هنا وهناك ولكن أين هي الطفرة الايجابية التي كان من المفروض أن تحدث تزامنا مع جائحة كورونا فليس من المنطق أن تتوقف المساعي ومحاولات التغيير الحقيقية بحجة أن فايروس كورونا أخذ كل الاهتمام وكل النفقات وكل التركيز بالعكس التصور اللحظي لأي ظاهرة تجتاح العالم تتطلب من عقول النخبة أن تتجند وتشد الحزام وتلتف حول طاولة المنافسة الشريفة لصناعة نقلة نوعية بالقطاع نحو التميز ولما لا الريادة التي لطالما ناديت بها وحلمت بها مثلي مثل باقي كفاءات القطاع ومستخدميه ..يجب ان لا يبقى الكلام كلاما بل ان يدون في الواقع انجازا ومحاسبة وجرد وتقييم لمعرفة اتجاه قطار الجزائر الجديدة هل هو في سيرورة مرضية أم لا . ان جائحة كورونا جعلتنا نعمل بالفرضيات ولا نعمل بالاستقراء نعمل بما نقرأه من غيرنا ولا نحاول تطبيق ما فهمناه من محاولاتنا كل في مجال تخصصه ليقتصر قطاع الصحة على انهاء المهام وتحويل المدراء وكشف بعض تجاوزات المسيرين في المؤسسات الاستشفائية على أساس أن الوزارة عينها لا تنام ونحن نثمن هذه المجهودات ان كانت مطابقة للحقيقة التي تستلزم القيام بعمليات التفتيش ولتحقيق عبر كامل المؤسسات الاستشفائية ودون استثناء وبالتالي تصل بنا مساعيهم إلى ما يسمى بالمكاشفة الواسعة والشاملة في كشف التجاوزات وحتى المظالم الادارية التي لم يتم معالجتها على النحو القانوني والاداري المطلوب وهكذا تبقى المنظومة الصحية في الجزائر تعاني غياب أو تغييب مبادئ نص علينا الدستور الجزائري من شفافية ومصارحة ومكاشفة للواقع كما هو ليعرف أبناء القطاع كيف ينطلقون في ثقة وعزم لمواجهة التحديات المستقبلية فإذا كانت القاعدة لا تزال يشوبها الخلل والضعف ونقص المصارحة فكيف للقمة أن تقابل بصدرها مخاطر الجائحة وغيرها من المخاطر المستقبلية والرهانات التي لا تكف عن الظهور والمراهنة اما بالمواجهة وتجاوزها واما الاستسلام لواقع يجعلنا لا نراوح مكاننا.. يجب أن نفهم: كيف نريد أن يكون مظهر قطاع الصحة الجزائرية بين واقع متأرجح وآفاق منشودة للتغيير؟.. نكمل في الجزء الثاني ان شاء الله. ..يُتبع..