فقه حكم صيام آخر يومين من شهر شعبان ** هل يجوز صيام اليومين الأخيرين من شهر شعبان؟ أم لا بد من إفطارهما للفصل بين شعبان ورمضان؟ * يجيب الشيخ حامد العطار عن هذا السؤال بالقول: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تقدم رمضان في الصيام بيوم أو يومين إلا من كان يصوم صوما فليصمه، وصح عنه أنه سأل عمران بن حصين: هل صمت من سرر شعبان شيئا؟ وسرر شعبان آخره· وبالجملة، فقد اختلف العلماء في حكم صيام آخر شعبان نظرا للاختلاف بين موجب هذين الحديثين، وأرجح الآراء أنه يجوز صوم آخر شعبان تطوعا لمن كان يصوم شعبان كله أو أكثره، أو إذا وافق آخر شعبان يومي الإثنين والخميس، ويشترط أن لا يكون صيام شعبان حينئذ بنية التحوط في صيام رمضان· جاء في كتاب لطائف المعارف - لابن رجب الحنبلي- (1 / 158): ثبت في الصحيحين (عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا؟ قال: لا قال: فإذا أفطرت فصم يومين) وفي رواية للبخاري أظنه يعني رمضان وفي رواية لمسلم وعلقها البخاري: (هل صمت من سرر شعبان شيئا؟) وفي رواية: (فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين مكانه) وفي رواية: (يوما أو يومين) شك شعبة وروي: (من سرار الشهر) وقد اختلف في تفسير السرر والمشهور إنه آخر الشهر يقال: سرار الشهر وسراره بكسر السين وفتحها ذكره ابن السكيت وغيره وقيل: إن الفتح أفصح قاله الفراء وسمي آخر الشهر سرارا: لاسترار القمر فيه وممن فسر السرار بآخر الشهر أبو عبيد وغيره من الأئمة وكذلك بوب عليه البخاري صيام آخر الشهر· وأشكل هذا على كثير من العلماء، ففي الصحيحين أيضا (عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا من كان يصوم صوما فليصمه) فقال كثير من العلماء كأبي عبيد ومن تابعه كالخطابي وأكثر شراح الحديث: إن هذا الرجل الذي سأله النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن له عادة بصيامه، أو كان قد نذره؛ فلذلك أمره بقضائه· وقالت طائفة: حديث عمران يدل على أنه يجوز صيام يوم الشك وآخر شعبان مطلقا سواء وافق عادة أو لم يوافق، وإنما ينهى عنه إذا صامه بنية الرمضانية احتياطا وهذا مذهب مالك، وذكر أنه القول الذي أدرك عليه أهل العلم حتى قال محمد بن مسلمة من أصحابه: يكره الأمر بفطره لئلا يعتقد وجوب الفطر قبل الشهر كما وجب بعده، وحكى ابن عبد البر هذا القول عن أكثر علماء الأمصار، وذكر محمد بن ناصر الحافظ: إن هذا هو مذهب أحمد أيضا وغلط في نقله هذا عن أحمد· ولكن يشكل على هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقوله: (إلا من كان يصوم صوما فليصمه) وقد ذكر الشافعي في كتاب مختلف الحديث احتمالا في معنى قوله: (إلا من كان يصوم صوما فليصمه) وفي رواية: (إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدُكم) أن المراد بموافقة العادة صيامه على عادة الناس في التطوع بالصيام دون صيامه بنية الرمضانية للاحتياط· وإنما يشكل على هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تقدم رمضان بيوم أو يومين إلا من له عادة أو من كان يصوم صوما· وأكثر العلماء على أنه نهى عن التقدم إلا من كانت له عادة بالتطوع فيه وهو ظاهر الحديث ولم يذكر أكثر العلماء في تفسيره بذلك اختلافا، وهو الذي اختاره الشافعي في تفسيره ولم يرجح ذلك الاحتمال المتقدم· وعلى هذا فيرجح حديث أبي هريرة على حديث عمران؛ فإن حديث أبي هريرة فيه نهيٌ عام للأمة عموما فهو تشريع عام للأمة فيعمل به، وأما حديث عمران فهي قضية عين في حق رجل معين فيتعين حمله على صورة صيام لا ينهى عن التقدم به جمعا بين الحدثين· وأحسن ما حمل عليه: أن هذا الرجل الذي سأله النبي صلى الله عليه وسلم كان قد علم منه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم شعبان أو أكثره موافقة لصيام النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد أفطر فيه بعضه فسأله عن صيام آخره فلما أخبره أنه لم يصم آخره أمره بأن يصوم بدله بعد يوم الفطر لأن صيام أول شوال كصيام آخر شعبان وكلاهما حريم لرمضان، وفيه دليل على استحباب قضاء ما فات من التطوع بالصيام وأن يكون في أيام مشابهة للأيام التي فات فيها الصيام في الفضل، وفيه دليل على أنه يجوز لمن صام شعبان أو أكثره أن يصله برمضان من غير فصل بينهما· فصيام آخر شعبان له ثلاثة أحوال: أحدها: أن يصوم بنية الرمضانية احتياطا لرمضان فهذا منهي عنه، وقد فعله بعض الصحابة وكأنهم لم يبلغهم النهي عنه، وفرق إبن عمر بين يوم الغيم والصحو في يوم الثلاثين من شعبان وتبعه الإمام أحمد· والثاني: أن يصام بنية الندب أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة ونحو ذلك فجوزه الجمهور، ونهى عنه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بفطر يوم مطلقا، وهم طائفة من السلف، وحكي كراهته أيضا عن أبي حنيفة والشافعي وفيه نظر· والثالث: أن يصام بنية التطوع المطلق، فكرهه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بالفطر -منهم الحسن- وإن وافق صوما كان يصومه، ورخص فيه مالك ومن وافقه، وفرق الشافعي والأوزاعى وأحمد وغيرهم بين أن يوافق عادة أولا· وكذلك يفرق بين صيامه بأكثر من يومين ووصله برمضان فلا يكره أيضا إلا عند من كره الابتداء بالتطوع بالصيام بعد نصف شعبان فإنه ينهى عنه إلا أن يبتدئ الصيام قبل النصف ثم يصله برمضان· وفي الجملة فحديث أبي هريرة هو المعمول به في هذا الباب عند كثير من العلماء وأنه يكره التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس له به عادة ولا سبق منه صيام قبل ذلك في شعبان متصلا بآخره· والله أعلم· * هذا الرجل الذي سأله النبي صلى الله عليه وسلم كان قد علم منه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم شعبان أو أكثره موافقة لصيام النبي صلى الله عليه وسلم،وكان قد أفطر فيه بعضه فسأله عن صيام آخره فلما أخبره أنه لم يصم آخره أمره بأن يصوم بدله بعد يوم الفطر لأن صيام أول شوال كصيام آخر شعبان وكلاهما حريم لرمضان·