بقلم: الدكتورة سميرة بيطام* توقفنا في الجزء الأول من مقالنا على مفترض اقتراح الآليات لإصلاح قطاع الصحة في الجزائر ولا يخفى على أحد أن أصعب شيء في أي مشروع إصلاحي هو البدايات والطرق والسبل فأي استراتيجية يجب أن تعتمد على مقترحات يفترض أنها إيجابية بنسبة معينة لأن حل المشاكل من الميدان لقطاع الصحة الجزائري ليس بالأمر السهل ولسنا ممن يملك لغة اليأس ليقول أنها مستحيلة لأنه لغة الخشب والتي هي جزء من عملية تثبيط العزيمة فقد لا نستطيع التفكير بعقل يزن الأمور بميزان الواقعية لأن الواقعية هذه في حد ذاتها تكلفنا الكثير من التفكير والتجريب والتعديل وإضافة مقترحات التصحيح ما يجب أن نقبل عيله هو اعتماد مبادرة الإصلاح التي يرفضها البعض بلغة التيئيس التي يريد بثها في قلوب الناس الذين قرؤوا قراءة اللاثقة بين المواطن والسلطة بسبب سلوكات وممارسات الماضي التي فككت طموح النخبة والإطارات ونوابغ البلد فهاجر من هاجر واستقال من استقال وتوقف عن الإنجاز من توقف ولكن هناك سؤال مهم يطرح نفسه علينا: معظم دول العالم مرت بمراحل انتكاسات لكنها لم تستسلم للوضع فصممت وعقدت العزم وغيرت وفي ذلك نموذج ماليزيا والرجل المريض (تركيا) فان كان العذر والمنع من التغيير راجع الى مخلفات الاستعمار التي تركت آثارا بليغة في قلوبنا وأنفسنا كحفدة للشهداء البواسل فالبعكس من المفروض هذا يكون دافع للاصرار على التغيير وليس تغيير كلام فقط في المقاهي والشوارع وممستخلصات الأفلام الترويجية لفكرة الإصلاح بلا آليات مدروسة ما يجب أن نفهمه كجزائريين هو أن العدو أراد الجزائر على مقاسه وهواه وأجندته وبقي على هذا هذ الطموح الظالم لما بعد الاستقلال المزعوم ونحن الوطنيين من ننتمي لأسر ثورية جهادية ندرك جيدا هذا الخطر وقد عايشناه في مناسبات عديدة لذلك حري بنا الآن أن نفكر جيدا ونتقدم بمشروع إصلاحي جماعي وحتى فردي ان كان يمثل الجماعة بمنطوق الفرد الواحد الذي سيشرح الآليات والحلول المقدمة من اجتماع العقول المفكرة والناضجة نضج المسؤولية والأمانة وليس نضج المنصب والكماليات فما عاناه قطاع الصحة في الجزائر لم يكن بسبب تراخي وزراء للصحة ومسؤولين فقط بل بسبب مناهج تركتها فرنسا وكافحت لتبقى هذه المناهج تطبق بداخل وزاراتنا وليس وزارة الصحة فقط وعليه ففهم المعضلة كداء يوفر نصف الإجابة واقتراح الحلول الملائمة للميدان وللذهنية الجزائرية هو الجزء المتبقي فما يجب اعتماده هو استراتيجية تصب فيها أفكار النخبة وإطارات قطاع الصحة ولربما ستكون مبادرتنا مجرد اقتراح لمجموعة أفكار قد تلقى الترحيب وقد تلقى النقد والنقد جزء من علاج المعضلة فالنقد الإيجابي لأفكارنا لا نستأنس به دائما بل نريد مقترحات متوافقة مع أفكار حديثة لتعديل التوازن المعدلاتي للعملية التصحيحية لمسار قطاع الصحة في الجزائر . وهذه مجموعة مقترحات لآليات للإصلاح والتغيير الإيجابي في قطاع الصحة الجزائري : *إعادة صياغة القوانين الأساسية لمستخدمي القطاع من أبسط عامل لأعلى مستوى من التسيير فيما يخص الحقوق والواجبات والتكوين والاستفادة من الامتيازات. *إعادة دراسة العلاقة التي تربط نشاط وزارة الصحة مع وزارات أخرى مثل وزارة التضامن والعمل ووزارة الداخلية بعقد اتفاقيات جديدة تحدد المسار الإصلاحي من خلال فتح قنوات شراكة بين هذه الأخيرة لاحتواء مشاكل القطاع سواء برعاية المستفيدين من المساعدة الاجتماعية أو المعوقين والفئات الهشة التي تعاني من أمراض مزمنة وذلك من خلال مراجعة مدونات الآداءات العلاجية الطبية والشبه طبية وسد الخلل الموجود في بعضها واقتراح مدونة للآداء الإداري يكون موصول بتقنية التواصل عن بعد فيما بين المستشفيات والوزارة الوصية لتبادل الخبرة الإدارية الإصلاحية كآلية مستقبلية تكون تحت اشراف وزارة الصحة الجزائرية التي تعتمد مشروع نظام آلي يطور نظام التقنية وعدم الاكتفاء بالعد الروتيني الذي قد يخطئ أو يتجاهل بعض الاحصائيات الضرورية سهوا أو لا تسويفا .فكل رقم مهم حتى لو كان صفر. *اقتراح حل نقابات الصحة كلية وهيكلة مستخدمي الصحة تحت اشراف نقابة واحدة تنضوي تحتها كل أسلاك القطاع بحيث كل سلك يمثله ممثل كل في مجاله واعتماد مكتب مراقب معتمد من وزارة العدل من أجل اعتماد برنامج الشفافية في العمل والمكاشفة وتحقيق ما يسمى العدالة المهنية ولا أقول العدالة الاجتماعية فالمهنية مجالها مخصص ومجدد في بيئة العمل دون النظر الى التعاملات الاجتماعية وإيلاء الأمر لوزارة العدل على اعتبارها الراعي الأساسي للعدل في البلاد وبين المواطنين . *إعادة مراجعة مدونة اخلاقيات مهنة الطب وسد الفراغ الموجود في الأسلاك الأخرى مثل السلك الشبه طبي الذي لم يعتمد مدون أخلاقيات المهنة وكذا السلك الإداري بحيث تكون هذه المدونات عبارة عن نصوص أخلاقية تستمد فحواها من قانون الصحة وقانون العمل . *مراجعة توقيت عمل المرأة هذا الكيان الذي أرى أن انصافه جاء بلمسة شكلية غير عميقة لاحتياجاتها كشخص يحتاج للرعاية الشاملة في قطاع الصحة من خلال اختيار مناصب العمل الملائمة لها وإيلاء الساعات كاملة للرجل خاصة أثناء المناوبات الليلية لمنح المرأة الطبيبة أو الممرضة او القابلة وحتى الإدارية فرصة الاعتناء بالأسرة والأطفال فالمرأة نصف المجتمع ولا يصح النصف الآخر بغير قوامة صحية وبدنية ومعنوية للمرأة الجزائرية . *إيلاء مناصب التسيير للمستشفيات الجامعية للإطارات العليا الحاصلة على شهادة الماجستير والدكتوراه ومناصب التسيير للمؤسسات الجوارية والمؤسسات المتخصصة للحاصلين على شهادة الليسانس وما يعادلها من شهادات التخرج من مدرسة المناجمت . *عدم نقل التجربة الغربية في التسيير الإداري وعلى مستوى المصالح الاستشفائية دون الرجوع للمرجعية الوطنية التي تستمد محاور العمل من ثوابت الدولة الجزائرية وهويتها ومرجعيتها الدينية حتى لا تتكرر أخطاء الماضي التي عرقلت أكثر مما يسرت بسبب الجدل والمضاربات في الأيديولوجيات التي كانت تعتمد على املاءات غربية تغريبية أكثر منها وطنية أصيلة وهو ما تجلى واضحا وعلى مر سنوات في كثرة ظاهرة الإضرابات . *مراجعة قسم الطبيب ليكون ذا مرجعية وطنية يستمد تعهده من بيان أول نوفمبر وتكون كلمات الديباجة فيه بأن يكون القسم من أجل الجزائر كبلد وكتاريخ وكحضارة مستقبلية وبالتالي الغاء المرجعية الأجنبية في تحويل قسم ايبوقراط الى قسم وطني وفاء لدم الشهيد . *مراجعة قانون الصحة الجديد مادة بمادة وإضفاء السمة الوطنية فيما يخص حماية الحقوق من منطلق استمرارية الدولة الجزائرية والمراهنة على رقيها وفاء لعهد من ماتوا شهداء وقدموا الغالي والنفيس من أجل مشروع الجزائر الجديدة بلا استعمار غاشم وبلا مخلفاته ها القانون الجديد يجب أن يتضمن مواد تحاكي سيرورة جائحة كوفيد 19 وما قد يكون من مقبلات الفايروسات المستقبلية التي قد تتعب المنظمومة الصحية وتجعلها رهان مخاطرة فكرة بفكرة وليس ببحث علمي يسعى لتطويق النوازل الطبية والعلمية هذه النوازل لا يحتويها الا العلم والأخلاق والبحث المستمر عن الحقيقة .. يُتبع..