عطّاف يستقبل مسؤولتين أمريكيتين    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    الشرطة تُحسّس    سنعمل على الانتفال بالدبلوماسية للسرعة القصوى    "وزراء الخبرة" لتكريس الطابع الاجتماعي للدولة    الاسبوع الاوروبي للهيدروجين ببروكسل: سوناطراك تبحث فرص الشراكة الجزائرية-الألمانية    ارتفاع حصيلة العدوان الصهيوني على لبنان إلى 3544 شهيدا و 15036 جريحا    يوم دراسي بالبرلمان الاسباني: قرارات محكمة العدل الأوروبية الأخيرة صفعة قانونية وسياسية للاحتلال المغربي وحلفائه    هل ينجح المبعوث الأمريكي في وقف العدوان الصهيوني على لبنان؟    "مجموعة العشرين" تدعم وقفا لإطلاق النار في غزة ولبنان    10 آلاف مشروع استثماري وربع مليون منصب شغل    الجزائر تدعو إلى إدانة علنية للتدخّلات الأجنبية في السودان    أبواب مفتوحة بمناسبة اليوم الإفريقي للإحصاء    هدفنا دوما رفع الراية الوطنية في المحافل الدولية    قمة مثيرة بين المولودية وبلوزداد بذكريات اللقب    إدارة سانت ترودن تسعى للإبقاء على براهيمي    الرابطة الثانية هواة /مجموعة وسط-غرب: رائد القبة و نصر حسين داي يكتفيان بالتعادل على ميدانهما    السيد عطاف يتلقى اتصالا هاتفيا من نظيره التونسي    تنظيم المهرجان الدولي الثامن للفن المعاصر من 26 نوفمبر الى 7 ديسمبر بالجزائر العاصمة    نمو قوي للاقتصاد الجزائري    عرّقاب يُكرّم المبتكر لخضر حميداتو    الدرك يوقف 17 منظما للهجرة السرية    امرأتان ضمن شبكة تحترف السرقة    الإطاحة بعصابة تروج المخدرات    وفاة شخص في حادث مرور بمازونة    تطبيق مبتكر يحمي المعطيات في الفضاء الأزرق    الدكتور فني يبرز الأدب العالمي والثورة    من وحي الورد ومن ملامح الوجه الحسن    مواصلة الجهود السابقة وسعى لتطوير القطاع    الوقاية للتعايش مع المرض والتجاهل خطر أكبر    صناعة تقليدية: استفادة نحو 20 اطارا من تكوين في مجال الحماية الفكرية    دميتري ميدفيديف : استخدام أسلحة الناتو لضرب روسيا سيؤدي لحرب عالمية ثالثة    من انتاج المسرح الجهوي "أمحمد بن قطاف" النعامة : "تحت الأنقاض" .. مسرحية تنقل معاناة الفلسطينيين بغزة    الحرث و البذر: إستهداف أكثر من 30 ألف هكتار بولايتي المنيعة و تيميمون    البليدة.. تنظيم سباق الأبطال ببلدية الشريعة السبت القادم    ينظم بأوبرا بوعلام بسايح الأحد المقبل..حفل فني لاستذكار أميرة الطرب العربي الراحلة وردة الجزائرية    معرض المسكوكات بوهران.. عن التاريخ النقدي للفترات التاريخية الإسلامية    إعادة الاعتبار للموقع التاريخي زمالة الأمير عبد القادر    المسافرين بالحافلات وسيارات الأجرة : تسليم 148 رخصة استثنائية بميلة منذ سنة 2022    سيفي غريب يستلم مهامه كوزير للصناعة    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 43 ألفا و 972 شهيدا    زهير بللو يتسلم مهامه كوزير للثقافة والفنون    واضح يتسلم مهامه كوزير لاقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة    سعيود يتسلم مهامه وزيرا للنقل    مسؤولة بالخارجية الأمريكية تبرز أهمية الشراكة الثنائية بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية    معرض السلامة والأمن والحرائق والطوارئ من 3 إلى 5 ديسمبر بالجزائر العاصمة    حوادث الطرقات: وفاة 36 شخصا وإصابة 1387 آخرين خلال أسبوع    افتتاح الطبعة الثامنة للصالون الدولي لاسترجاع وتثمين النفايات بمشاركة حوالي 80 عارضا    وزير الصحة يشارك بالدوحة في أشغال القمة ال7 للمؤتمر العالمي للابتكار في الرعاية الصحية    التبليغ عن المواد الصيدلانية التي تشهد ندرة في السوق    المناعة الطبيعية أحسن دواء لنزلات البرد    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التَّوْحِيدُ.. الحَلُّ الوَحِيدُ الجزء الأول
نشر في أخبار اليوم يوم 07 - 12 - 2021


إلى الباحثين عن السعادة..
التَّوْحِيدُ.. الحَلُّ الوَحِيدُ
الجزء الأول
إعداد: أبو عبد العزيز منير الجزائري
الحمد لله الذي شهدت له بالربوبية جميع مخلوقاته وأقرن له بالإلهية جميع مصنوعاته وشهدت بأنه الله الذي لا إله إلا هو بما أودعها من عجائب صنعته وبدائع آياته وسبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضى نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته ولا إله إلا الله وحده لا شريك له في إلهيته كما لا شريك له في ربوبيته ولا شبيه له في ذاته ولا في أفعاله ولا في صفاته والله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وسبحان من سبحت له السماوات وأملاكها والنجوم وأفلاكها والأرض وسكانها.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كلمة قامت بها الأرض والسماوات وخلقت لأجلها جميع المخلوقات وبها أرسل الله تعالى رسله وأنزل كتبه وشرع شرائعه ولأجلها نصبت الموازين ووضعت الدواوين وقام سوق الجنة والنار وبها انقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكفار وأبرار وفجار فهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب وهي الحق الذي خلقت له الخليقة وعنها وعن حقوقها السؤال والحساب وعليها يقع الثواب والعقاب وعليها نصبت القبلة وعليها أسست الملة ولأجلها جردت سيوف الجهاد وهي حق الله على جميع العباد فهي كلمة الإسلام ومفتاح دار السلام وعنها يسأل الأولون والآخرون فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يسأل عن مسألتين: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟
فجواب الأولى: بتحقيق لا إله إلا الله معرفة وإقرارا وعملا.
وجواب الثانية: بتحقيق أن محمدا رسول الله معرفة وإقرارا وانقياد وطاعة.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه وسفيره بينه وبين عباده المبعوث بالدين القويم والمنهج المستقيم أرسله الله رحمة للعالمين وإماما للمتقين وحجة على الخلائق أجمعين أرسله على حين فترة من الرسل فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل وافترض على العباد طاعتَه وتعزيره وتوقيره ومحبته والقيام بحقوقه وسدَّ دون جنَته الطرق فلن تفتح لأحد إلا من طريقه فشرح له صدرَه ورفع له ذِكْره ووضع عنه وِزره وجعل الذِّلَةَ والصَّغار على من خالف أمره [مقدمة زاد المعاد في هدي خير العباد]
أما بعد:
السعادة وما أدراك ما السعادة!
إنها درة منشودة..وغاية مفقودة..
كل إنسان يسعى لتحصيلها.. وكل واحد يسارع لتحقيقها..
لا فرق في ذلك بين صغير وكبير..عزيز وحقير..أمير ووزير..غني وفقير..
بل كلهم أجمعون لأجلها يتنافسون وعلى طريقها يتسابقون بل وفي حلبتها يتقاتلون ولكن في تحديدها يختلفون..
فبعضهم جعلها في المال والثروات فأخذ يُمضي يومه في التجارات وليله في الحسابات والآخر يقضي السنين في المدارس والجامعات ليُوظّف بأرفع المرتبات..
وآخر جعلها في النساء فجعل يبحث عن الحسناء وآخر جعلها في بناء أفخر القصور والعقارات واقتناء آخر وأجمل السيارات وغيرها من الشهوات:﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ [آل عمران:14]
وإن منا لا ننكر أن هذه الأمور من أسباب السعادة ولكنها تحتاج إلى ما يكملها ويتمها لأن الواقع أفضل دليل فمن الناس من حصَّل هذه المذكورات ولكنه في المقابل عاش حزينا ومات كئيبا.
راحة القلب
قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
إن راحة القلب وسروره وزوال همومه وغمومه هو المطلب لكل أحد وبه تحصل الحياة الطيبة ويتم السرور والابتهاج ولذلك أسباب دينية وأسباب طبيعية وأسباب عملية ولا يمكن اجتماعها كلها إلا للمؤمنين وأما من سواهم فإنها وإن حصلت لهم من وجه وسبب يجاهد عقلاؤهم عليه فاتتهم من وجوه أنفع وأثبت وأحسن حالا ومآلا الوسائل المفيدة للحياة السعيدة ص 7
وقد ذكر العديد من العلماء والدعاة الفضلاء قديما وحديثا أسباب السعادة ولكن أردت من خلال هذه الوريقات أن أقتصر على سبب واحد وهو توحيد رب العالمين وأثره في انشراح الصدر وتحقيق سعادة الموحدين لأنه أصل الأصول ولب دعوة الرسل قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّة رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [النحل: 36]
فاعلموا رحمكم الله أنه لا صلاح للعباد ولا فلاح ولا نجاح ولا حياة طيبة ولا سعادة في الدارين ولا نجاة من خزي الدنيا وعذاب الآخرة إلا بمعرفة أول مفروض عليهم والعمل به وهو الأمر الذي خلقهم الله عز وجل له وأخذ عليهم الميثاق به وأرسل به رسله إليهم وأنزل به كتبه عليهم ولأجله خلقت الدنيا والآخرة والجنة والنار وبه حقت الحاقة ووقعت الواقعة وفي شأنه تنصب الموازين وتتطاير الصحف وفيه تكون الشقاوة والسعادة وعلى حسب ذلك تقسم الأنوار ﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّور ﴾ [النور:40] معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد
قال العلامة حافظ حكمي في بيان أهمية التوحيد:
وهو الذي به الإله أرسلا رسله يدعون إليه أولا
وأنزل الكتاب والتبيانا من أجله وفرق الفرقانا
وكلف الله الرسول المجتبى قتال من عنه تولى وأبى
حتى يكون الدين خالصا له سرا وجهرا دقة وجله
وهكذا أمته قد كلفوا بذا وفي نص الكتاب وصفوا
وقد حوته لفظة الشهادة فهي سبيل الفوز والسعادة
من فضائل التوحيد
فضائل التوحيد لا تعد ولاتحصى ولا تحد ولا تستقصى لما له من الآثار الطيبة الكثيرة والفوائد العديدة قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
الفرض الأعظم على جميع العبيد..وليس شيء من الأشياء له من الآثار الحسنة والفضائل المتنوعة مثل التوحيد فإن خير الدنيا والآخرة من ثمرات هذا التوحيد وفضائله...
ومن فضائله أنه السبب الأعظم لتفريج كربات الدنيا والآخرة ودفع عقوباتهما.
ومن أجل فوائده أنه يمنع الخلود في النار إذا كان في القلب منه أدنى مثقال حبة خردل وأنه إذا كمل في القلب يمنع دخول النار بالكلية ومنها أنه يحصل لصاحبه الهدى الكامل والأمن التام في الدنيا والآخرة ومنها أنه السبب الوحيد لنيل رضا الله وثوابه وأن أسعد الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه.
ومن أعظم فضائله أن جميع الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة متوقفة في قبولها وفي كمالها وفي ترتب الثواب عليها على التوحيد فكلما قوي التوحيد والإخلاص لله كملت هذه الأمور وتمت.
ومن فضائله أنه يسهل على العبد فعل الخير وترك المنكرات ويسليه عن المصيبات فالمخلص لله في إيمانه وتوحيده تخف عليه الطاعات لما يرجو من ثواب ربه ورضوانه ويهون عليه ترك ما تهواه النفس من المعاصي لما يخشى من سخطه وعقابه.
ومنها أن التوحيد إذا كمل في القلب حبب الله لصاحبه الإيمان وزينه في قلبه وكرَّه إليه الكفر والفسوق والعصيان وجعله من الراشدين ومنها أنه يخفف على العبد المكاره ويهون عليه الآلام فبحسب تكميل العبد للتوحيد والإيمان يتلقى المكاره والآلام بقلب منشرح ونفس مطمئنة وتسليم ورضى بأقدار الله المؤلمة.
ومن أعظم فضائله أنه يحرر العبد من رق المخلوقين والتعلق بهم وخوفهم ورجائهم والعمل لأجلهم وهذا هو العز الحقيقي والشرف العالي ويكون مع ذلك متألها متعبدا لله لا يرجو سواه ولا يخشى إلا إياه ولا ينيب إلا إليه وبذلك يتم فلاحه ويتحقق نجاحه.
ومن فضائله التي لا يلحقه فيها شيء أن التوحيد إذا تم وكمل في القلب وتحقق تحققا كاملا بالإخلاص التام فإنه يصير القليل من عمله كثيرا وتضاعف أعماله وأقواله بغير حصر ولا حساب ورجحت كلمة الإخلاص في ميزان العبد بحيث لا تقابلها السماوات والأرض وعمارها من جميع خلق الله..ومنها أن الله يدافع عن الموحدين أهل الإيمان شرور الدنيا والآخرة ويمن عليهم بالحياة الطيبة والطمأنينة إليه والطمأنينة بذكره وشواهد هذه الجمل من الكتاب والسنة كثيرة معروفة والله أعلم. القول السديد في مقاصد التوحيد ص 16
فالتوحيد مفتاح الجنان وصمَّام الأمان وممزّق الأحزان...
شرح الصدر..
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى:
فأعظم أسباب شرح الصدر: التوحيدُ وعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكونُ انشراحُ صدر صاحبه قال الله تعالى: ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُور مِّنْ رَبِّه﴾ [الزمر: 22].
وقال تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَاءِ﴾ [الأنعام: 125].
فالهُدى والتوحيدُ مِن أعظم أسبابِ شرح الصدر والشِّركُ والضَّلال مِن أعظم
أسبابِ ضيقِ الصَّدرِ وانحراجِه ومنها: النورُ الذى يقذِفُه الله فى قلب العبد وهو نورُ الإيمان فإنه يشرَحُ الصدر ويُوسِّعه ويُفْرِحُ القلبَ فإذا فُقِدَ هذا النور من قلب العبد ضاقَ وحَرِجَ وصار فى أضيق سجن وأصعبه زاد المعاد في هدي خير العباد (2/24)
وقال أيضا رحمه الله:
والإخلاص والتوحيد شجرة في القلب فروعها الأعمال وثمرها طيب الحياة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة وكما أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك والشرك والكذب والرياء شجرة في القلب ثمرها في الدنيا: الخوف والهم والغم وضيق الصدر وظلمة القلب وثمرها في الآخرة الزقوم والعذاب المقيم.. الفوائد ص 162
ولكن قد يتساءل أحدنا ويقول: أنا من الموحدين ولم أجد هذه السعادة التي تدندنون حولها فنقول: أن الخلل فيك وهذا الجواب يكفيك.
قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
من صدق في قول لا إله إلا الله لم يحب سواه ولم يرج سواه ولم يخش أحدا إلا الله ولم يتوكل إلا على الله ولم يبق له بقية من آثار نفسه وهواه ومع هذا فلا تظنوا أن المحب مطالب بالعصمة وإنما هو مطالب كلما زل أن يتلافى تلك الوصمة [كلمة الإخلاص وتحقيق معناها ص45]
فقد وردت العديد من النصوص الذاكرة لكلمة التوحيد مقيدة إما بالعلم وإما بعدم الشك وإما باليقين.. وهي ما تعرف بشروط كلمة التوحيد ولا بأس أن نذكرها باختصار:
قال الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد حفظهما الله:
وقد جمع بعضُ أهل العلم هذه الشروط السبعة في بيت واحد فقال:
علمٌ يقينٌ وإخلاصٌ وصدقُك معْ * محبّة وانقياد والقَبولُ لها
ولنقِف وقفةً مختصرةً مع هذه الشروط لبيان المراد بكلِّ واحد منها مع ذِكر بعض أدلّتها من الكتاب والسنة.
الشرط الأول:
وهو العلم بمعناها المراد منها نفياً وإثباتاً المنافي للجهل وذلك بأن يعلم من قالها أنَّها تنفي جميع أنواع العبادة عن كلِّ من سوى الله وتُثبت ذلك لله وحده كما في قوله سبحانه وتعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ أي نعبدُك ولا نعبد غيرَك ونستيعن بك ولا نستعين بسواك.
قال الله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ﴾ [محمد:19] وقال تعالى: ﴿إِلاّ مَن شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [الزخرف:86] قال المفسِّرون: إلا من شهد ب لا إله إلا الله وَهُمْ يَعْلَمُونَ أي: معنى ما شهدوا به في قلوبهم وألسنتهم.
وثبت في صحيح مسلم من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات وهو يعلم أنَّه لا إله إلا الله دخل الجنة فاشترط عليه الصلاة والسلام العلمَ.
الشرط الثاني:
فهو اليقين المنافي للشك والريب أي أن يكون قائلها موقناً بها يقيناً جازماً لا شك فيه ولا ريب واليقين هو تمام العلم وكماله قال الله تعالى في وصف المؤمنين: إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ومعنى قوله: ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا أي أيقنوا ولم يشكّوا.
وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وأنِّي رسول الله لا يلقى اللهَ بهما عبدٌ غيرُ شاكّ فيهما إلا دخل الجنة .
وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلاَّ الله مستيقناً بها قلبه فبشِّره بالجنة فاشترط اليقين.
الشرط الثالث:
هو الإخلاص المنافي للشرك والرياء وذلك إنَّما يكون بتصفية العمل وتنقيته من جميع الشوائب الظاهرة والخفيّة وذلك بإخلاص النية في جميع العبادات لله وحده قال تعالى: أَلاَ للهِ الدِّينُ الخَالِصُ وقال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: أسعدُ الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه فاشترط الإخلاص.
الشرط الرابع:
هو الصدق المنافي للكذب وذلك بأن يقولَ العبدُ هذه الكلمة صادقاً من قلبه والصدق هو أن يواطئ القلبُ اللسانَ ولذا قال الله تعالى في ذمِّ المنافقين: إِذَا جَآءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ فوصفهم سبحانه بالكذب لأنَّ ما قالوه بألسنتهم لم يكن موجوداً في قلوبهم وقال سبحانه وتعالى: ألم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ وثبت في الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً عبده ورسوله صادقاً من قلبه إلا حرّمه الله على النار فاشترط الصدق.
الشرط الخامس:
المحبَّة المنافية للبغض والكره وذلك بأن يحب قائلُها اللهَ ورسولَه ودينَ الإسلام والمسلمين القائمين بأوامر الله الواقفين عند حدوده وأن يُبغض من خالف لا إله إلا الله وأتى بما يُناقضها من شرك وكفر وممّا يدل على اشتراط المحبة في الإيمان قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباًّ للهِ وفي الحديث: أوثق عُرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله .
والشرط السادس: القبول المنافي للردّ فلا بدّ من قبول هذه الكلمة قبولاً حقاً بالقلب واللسان وقد قصّ الله علينا في القرآن الكريم أنباء من سبق ممّن أنجاهم لقبولهم لا إله إلا الله وانتقامه وإهلاكه لمن ردّها ولم يقبلها قال تعالى: ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقاًّ عَلَيْنَا نُنجِ المُؤْمِنِينَ وقال سبحانه في شأن المشركين:
إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِر مَجْنُون .
الشرط السابع: الانقياد المنافي للترك إذ لا بد لقائل لا إله إلا الله أن ينقاد لشرع الله ويُذعنَ لحكمه ويسلمَ وجهه إلى الله إذ بذلك يكون متمسكاً ب لا إله إلا الله ولذا يقول تعالى: وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى أي فقد استمسك ب لا إله إلا الله فاشترط سبحانه الانقياد لشرع الله وذلك بإسلام الوجه له سبحانه.
فهذه هي شروط لا إله إلا الله وليس المرادُ منها عدَّ ألفاظها وحفظَها فقط فكم من عاميّ اجتمعت فيه والتزمها ولو قيل له: اعددها لم يُحسن ذلك وكم من حافظ لألفاظها يجري فيها كالسهم وتراه يقع كثيراً فيما يناقضها فالمطلوب إذاً العلم والعمل معاً ليكون المرء بذلك من أهل لا إله إلا الله صدقاً ومن أهل كلمة التوحيد حقاً والموفَّق لذلك والمعين هو الله وحده فنسأله سبحانه أن يوفِّقنا وإياكم لتحقيق ذلك والحمد لله وحده فقه الأدعية والأذكار (1/162165).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.