في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ - الجزء الثامن والسبعون- بقلم: الطيب بن ابراهيم *الأب جياكوبيتي ينتقد شارل دي فوكو التنصيري الأب أنطوان جياكوبيتي 1869 - 1956 Antoine Giacobetti ليس رجل دين عادي بل هو مستشرق وكاتب وباحث في عدة مسائل تاريخية وثقافية ودينية وهو رحالة متنقل بين عدة دول عربية منها تونس والسودان بالإضافة لإقامته الطويلة في الجزائر التي تجاوزت نصف القرن وتنقله بين عشرات المدن الجزائرية. فعندما تُنتَقد مدرسة شارل دي فوكو التنصيرية ويُنتقَد رجالها بل زعيمها شارل دي فوكو شخصيا من طرف رجل دين وعالم بالإسلاميات بحجم الأب أنطوان جياكوبتي فهذا أمر ليس عاديا ويضفي على الناقد والمنتَقِد نوعا من المصداقية التي لا يحظى بها غيره. إن الأب أنطوان جياكوبتي لا ينتقد المدرسة الديفوكية التي تأسست بعد مقتل صاحبها شارل دي فوكو بتامراست سنة 1916 ممثلة في تلامذته الذين ساروا على نهجه بعد مقتله بل ينتقد الأب شارل دي فوكو شخصيا (1858 - 1916) ويرى أن عمله التنصيري كان فاشلا ( طبعا دون أن يشير إلى عمله التجسسي الذي كان أخطر من عمله التنصيري وأكيد أن الأب أنطوان يعرف ذلك جيدا). ونقده لدي فوكو نابع من عدم رضاه على نتائج عمله التنصيري المحققة!!. والحقيقة أن نقد الأب جياكوبيتي للمدرسة الديفوكية هو ليس بمعزل عن نقد ومعارضة مدرسته التي ينتمي إليها (مدرسة شارل لافيجري: الآباء البيض) لمنافستها مدرسة الأب شارل دي فوكو حيث أن هذا النقد ظهر من الطرفين خاصة مدرسة الأب أنطوان التي ينتمي إليها الآباء البيض والتي يعتبرها اتباعها أنها الرائدة تنصيريا في نشاطها في الجزائر وينتقدون مناهج منافستها الديفوكية المتهورة غير المحسوبة العواقب وهذا النقد لم يعجب رئيس إرسالية الأبيض الأب ميلاد عيسى الذي رد عليهم قائلا : أنا لم أطلب من جميع الآباء البيض أن ينشطوا مثلنا ولكن أطلب منهم تركنا نسير في طريقنا . ويبدو أن الأب أنطوان في نقده لشارل دي فوكو لا يتوقف عند نقد شخص دي فوكو فقط بل يتجاوزه إلى مدرسته الديفوكية فهو يقارن بين الزعيمين التنصيريين شارل لا فيجري وشارل دي فوكو وبين مدرستيهما مدرسة الآباء البيض وهم تلامذة شارل لافيجري ومدرسة إخوة يسوع الصغار وهم تلامذة شارل دي فوكو ولا يخفي الأب أنطوان جياكوبتي إعجابه بمدرسته التي ينتمي إليها الآباء البيض وبزعيمها شارل لافيجري ولا يخفي رفضه ومعارضته لمدرسة دي فوكو ولزعيمها نفسه. فالأب أنطوان معجب بالكاردينال شارل لافيجري 1825 - 1892 وبمدرسته فالكاردينال في نظر مريده كان بطلا شجاعا جريئا صريحا لا يخاف ولا يتردد في الدعوة نهارا جهارا لتنصير الجزائريين لقد قال وفعل كلما بوسعه وفعلا استغل لافيجري ظروف الاحتلال والمجاعة فقال يجب على فرنسا : أن تهتم بتنصير المسلمين أعلنها صراحة مدوية من منبر كاتدرائية الجزائر في خطابه الشهير ( مهمة فرنسا في الجزائر) وفي مقارنة له مع الزعيمين المنصرين يعلن الأب أنطوان إعجابه بشارل لافيجري وليس هذا رأيه وحده بل يؤيده في ذلك غيره حسب قوله ونراه يستشهد برأي مدير مكتب السكان الأصليين( الانديجينا ) الذي درس أحوال السكان الأصليين مدة ثلاثين سنة وتوصل إلى أن تأثير الكاردينال شارل لافيجري على السكان كان هو الأفضل. كانت مجاعة سنة 1868 فرصة للتنصير فانشأ الكاردينال لافيجري تنظيم الآباء البيض بمناسبة المجاعة للاستثمار في الجياع والمرضى والأيتام الجزائريين وهي الفئات الهشة والضعيفة التي كانت في أمسِّ الحاجة للرعاية والتكفُّل بها فأقيمت المدارس للأطفال والملاجئ للأيتام يشرف عليها جنود الجيش الأبيض كما قال المؤرخ الجزائري سعد الله رحمه الله وفي السنة الموالية 1869 أسَّس لافيجري تنظيم الأخوات البيض لتعميم مشروعه على النساء والرجال. فلافيجري كان متطرفا فهو القائل: كيف تظل فرنسا في الجزائر أربعين سنة دون أن تنجح في تنصير المسلمين! ولم يطل به الأمر ليرى فشل فرنسا بعد مائة وثلاثين سنة؟!.وتطرف لافيجري التنصيري دفع بالحاكم العام الماريشال ماكماهون الذي جلبه إلى الجزائر إلى العجز عن كبح جماحه فكتب رسالة إلى مجلس الدولة أعلمه فيها : أن لافيجري أصبح يهدد مصالح فرنسا لأن الجزائريين ستثيرهم دعايته الدينية . أما المنصر الأب شارل دي فوكو فهو في نظر الأب والمستشرق جياكوبيتي ليس بالشخصية الكبيرة في عالم التنصير كما حاول أتباعه تصويره ومنحوه لقبا هو نفسه لم يحلم به في حياته وجعلوا منه شخصية نموذجية للتنصير في العالم الإسلامي وأنه هو صاحب فكرة القيام بالدور الرسولي في عالم الإسلام فالأب شارل دي فوكو في نظر الأب أنطوان جياكوبيتي لم يقلها قط ولم يسبق له أن عمل رسولا لقد أعطى مثالا للتوبة والتنسك بين المسلمين فقط وهو مجرد تائب وناسك في الصحراء لا أكثر وليس بمنصر؟!. وأن كل جهوده التنصيرية أثناء إقامته بصحراء الجزائر أسفرت عن تعميد تنصير طفل واحد فقط وبقي هذا الطفل وحيدا معزولا في الهغار دون رفيق له وهي نتيجة ضعيفة جدا وطبعا لا تقارن بنتائج عمل البطل شارل لافيجري حسب مريده الأب أنطوان وهي النتيجة التي جعلت هذا الأخير لا يقبل بالهالة التي أحيطت بالأب شارل دي فوكو كمنصر في الصحراء.