بقلم: محمد عايش* أجمل ما في الطفل المغربي ريان هو أنه أعاد تذكيرنا بأن هذه الأمة واحدة لا تتجزأ ولا تتفتت ولا تتفكك وأنَّ حدود سايكس بيكو التي تُفتت بلادنا سياسياً لا تستطيع أن تُفتت قلوبنا وأننا أمة عربية ذات جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له باقي الجسد لا بل لو تألمت عائلة في أقصى المغرب شعر بها المشرقيون وتضامنوا مع مصابها. هذا الملاك الرائع والشهيد الحي في قلوبنا استطاع في ساعات قليلة أن يوحَّد المشاعر ويحبس الأنفاس في كل بلاد العرب من دون أي اكتراث بتقسيمات الحدود وبعيداً عن الصراعات السياسية والقبلية والعرقية التي تشهدها أقطارنا العربية وسرعان ما تصدرت قضية الطفل ريان اهتمام الشارع العربي وليس المغربي وحده وتحولت أفئدة الناس في كل بلادنا ال22 إلى الحفرة ذات ال32 متراً التي التهمت أغلى الأطفال. *صفحة لا تنسى هذه ليست الحادثة الأولى من نوعها ولا المرة الوحيدة التي نجد فيها بأنَّ العرب أمة واحدة ضميرها واحد شعورها واحد اهتمامها واحد تشعر ببعضها ولا تلتفت إلى الحدود السياسية المصطنعة التي جعلت منها 22 دولة وهذا ما يؤكد في كل مرة أن مساعي التفتيت لا يمكن أن تنجح أو على الأقل لم تنجح حتى الآن ومحاولات نشر فكرة أن المواطن يهتم ببلده ولا يكترث بغيره وأن بلدك أولاً لا تجدي نفعاً ولا يمكن أن تؤدي إلى جعل أمتنا العربية مفتتة ولو اختلفت الأنظمة السياسية في ما بينها فإن الشعوب تظلُ على قلبِ رجل واحد وهذا يظهر دوماً في الأزمات وفي الحالات الإنسانية وفي بعض المواقف الفاصلة. وخلال السنوات القليلة الماضية كانت بعض وسائل الإعلام العربية وشبكات التواصل الاجتماعي تشن حملات ممنهجة لتشويه الفلسطينيين وشيطنتهم وتجميل صورة الاحتلال والتسويق للإسرائيليين وكانت بعض محطات التلفزيون تقضي الساعات في ذلك بينما كانت تنفق بعض الأنظمة العربية ملايين الدولارات لهذا الغرض وإذا بكل ذلك يذهبُ هباءً منثوراً عند أول شهيد فلسطيني يسقط برصاص الاحتلال أو مع أول قذيفة إسرائيلية تسقط على رؤوس أطفال غزة.. وهذه انتفاضة القدس التي شهدناها في رمضان الماضي (2021) تشهد على ذلك عندما استفزت الضمير الحقيقي للأمة وكشفت عن حالة التضامن الواسع التي لم تفرقها السياسة ولا الحدود. الأنظمة العربية المفككة فشلت في تفتيت شعبنا العربي الواحد بكل تأكيد ليس هذا فحسب بل الاحتلال الإسرائيلي فشل أيضاً وهو الاحتلال الذي أراد عزل أهلنا داخل أراضي ال48 عن محيطهم العربي وإقناعهم بأنهم لم يعودوا فلسطينيين وأنهم مجرد أقلية عربية في دولة إسرائيل وإذا بالمفاجأة أن حملة تضامن واحدة مع اللاجئين السوريين لإنقاذهم من برد الشتاء وثلوجه استطاعت أن تستقطب تبرعات غير مسبوقة وسجلت صوراً غير متوقعة من قبيل تبرع النساء بذهبهن وحليهن وتبرع الأطفال بمصاريفهم اليومية. الصحيح أنه كلما ظهرت أزمة إنسانية ولو على مستوى فردي أو تخص شخصاً واحداً فاننا نرى تعاطفاً عربياً شاملاً لا يُميز بين الحدود ولا الدول ولا الشعوب وهو التعاطف الذي يحمل رسالة مهمة مفادها أن العرب أمة واحدة لا يمكن تفتيتها وأن الأنظمة السياسية تختلف وتقتتل في ما بينها لكن الشعوب لا يُمكن أن تهوي إلى هذا المستوى. والخلاصة هي أنَّ هذا الملاك الرائع الطفل المغربي ريان هو نموذج جديد يُضاف إلى أمثلة أخرى عديدة على أن العرب ما زالوا أمة واحدة يجمعهم الطفل المحشور في البئر والأطفال العالقون في الثلج والأطفال الواقعون تحت نيران الاحتلال وقصف طائراته ويجمعهم المسجد الأقصى وفلسطين وغير ذلك من القضايا ولا يمكن أبداً أن تفرقهم الأنظمة السياسية ولا حدود سايكس بيكو ولا مباريات كرة القدم.. هي أمة واحدة وتفرقتها وزرع النزاعات فيها ليست سوى استثناء.