تكشف وصية شيخنا الرّاحل عبد الرحمن شيبان، طيّب اللّه ثراه، التي أملاها على الدكتور عبد القادر سماري وطلب منه أن يمليها بدوره على الأستاذ محمد مصطفى بن عبد الرحمن الذي كان حاضرا، على أن تُنشر بعد وفاته مباشرة، مدى حرصه على أمّة الإسلام وعلى الدعوة إلى سبيل ربّه حتى مماته، كما تبيّن مدى تعلّقه بجمعية العلماء وخوفه عليها· وبقدر ما انشغل الجزائريون في اليومين الماضيين بفاجعة رحيل شيخ علماء الجزائر، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، بقدر ما انشغلوا بتدبّر وصيته التي كتبها على فراش الموت، وهي وصية مختصرة فيها ما قلّ من الكلام وما دلّ على حكمة الرجل الذي لم يفقد شيئا منها حتى وهو يستعدّ لتوديع عالمنا الذي نعيشه، حيث لم يحل وهن جسده وضعف أنفاسه دون تفكيره في مستقبل أمّته التي يريد له سعادة الدارين، وفي مستقبل جمعيته التي يريد أن تواصل رسالته من بعده للتمكين للإسلام والمسلمين· ** الدعوة·· حتى آخر رمق تحدّث شيخنا الفقيد في وصيته عن رسالة جمعية العلماء المسلمين ولخّصها في العمل على نشر (أصول المجد في الدنيا والسعادة في الآخرة)، داعيا إلى الحفاظ على مقوّمات العقيدة الإسلامية التي رأى أنها تتمثّل أساسا في الدين والعلم والعدل والشرف والوحدة· وأوصى الشيخ شيبان في آخر وصيته المؤثّرة بالحفاظ على جمعية العلماء المسلمين وقال إنه بالحفاظ عليها تُحفظ الغايات التي أشار إليها سابقا· ومن الواضح أن الشيخ شيبان لم يغفل عن هموم الأمّة ومستقبل الجمعية حتى وهو على فراش الموت، يشعر بأن الملك عزرائيل يوشك أن يقبض روحه، لذلك سارع إلى الإفصاح عن هذه الوصية وإلى المطالبة بالإسراع في نشرها مباشرة بعد رحيله، إدراكا منه بأنها ستكون أقوى أثرا في الأيّام الأولى التي تعقب انتقاله إلى العالم الآخر· وتعكس الوصية كذلك حرص شيخ جمعية العلماء المسلمين على إنارة دروب المسلمين من خلال نقل خلاصة تجربته في الحياة إليهم جميعا، وقد جاءت الخلاصة مركّزة بحيث قدّم لنا (أصول المجد في الدنيا والسعادة في الآخرة)، وهو غاية ما يمكن للمرء أن يتمنّاه الفلاح في الدارين · كما تعكس الوصية تعلّق الشيخ بجمعيته وحرصه عليها حتى وهو يودّع الحياة الدنيا، حين دعا إلى المحافظة عليها وهو واجب على السلطات العليا في البلاد وعلى أبناء الجمعية أيضا، هذه الجمعية التي صارت يتيمة اليوم برحيل شيخها الجليل· ** تعزية رئاسية مؤثّرة·· دأب رئيس الجمهورية السيّد عبد العزيز بوتفليقة على توجيه تعزية لعائلة أيّ رمز من رموز الجزائر يتوفّاه اللّه، ومن تابعوا ما كتبه الرئيس في تعزيته الموجّهة لعائلة الشيخ شيبان يجدها بلا شكّ مؤثّرة للغاية، ويبدو أنه قد حرص فيها على اختيار الألفاظ القوية التي تترك أثرا كبيرا في نفس متلقّيها، وهو إذ خاطب أفراد عائلة الشيخ الرّاحل بصيغة (آل شيبان) فإنما أراد بذلك أن يُبرز المكانة الرّفيعة للرجل وعائلته· ولم يفت الرئيس الوقوف عند الموعد الذي اختاره اللّه الرحمن لقبض روح عبده عبد الرحمن، فأشار إلى أن المولى العزيز القدير قد تخيّر لشيخنا الجليل أعظم يوم في أعظم شهر (ليكون من عباده المكرمين)· وأثنى الرئيس بوتفليقة في تعزيته المؤثّرة على مناقب الشيخ الفقيد الذي كرّس حياته لخدمة الإسلام والجزائر والعلم· وقال بوتفليقة: (انتقل على سبيل الحقّ والمغفرة بإذنه تعالى رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ عبد الرحمن شيبان وفاضت روحه إلى بارئها في يوم من أيّام اللّه المباركة، يوم الجمعة من رمضان الهدى والفرقان· وفي ذلك فضل من اللّه ومنة إذ تخيّر لعبده هذا من الأيّام أفضلها ومن الشهور أرفعها ليكون من عباده المكرمين)· وشهد الرئيس أن الشيخ الرّاحل قد (جُبل على التقى ونشأ على تحصيل العلم والمعرفة وجاهد في سبيل عقيدته ووطنه حقّ جهاده وتأدّب فدانت له العربية بيانا فتعمّق فيما درس ودراس، وبرز أكثر ما برز حين تولّى وزارة الشؤون الدينية التي أعطاها من وقته وروحه ومن إصلاحاته وتوجيهاته الكثير الكثير ممّا جعله محلّ إكبار وتقدير من كلّ الذين عملوا معه وزاملوه أو احتكّوا به)، وأنه قد (قدّم لوطنه وشعبه من جلائل الأعمال)· ** خسارة كبيرة للجزائر قال عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمّة إن الجزائر فقدت عالما كبيرا بوفاة رئيس جمعية العلماء المسلمين عبد الرحمن شيبان· وكتب السيّد بن صالح في برقية تعزية بعث بها إلى أسرة الفقيد: (إن مناقب المرحوم فضيلة الشيخ عبد الرحمن شيبان عديدة ومشرّفة، لقد فقدنا فيه فقيها موثقا وعالما وإماما من أعلام وأئمة عصرنا هذا في الجزائر والعالم العربي والإسلامي)· وأضاف رئيس مجلس الأمّة في برقيته: (فالمرحوم من رجالات الجزائر الذين وهبوا حياتهم لخدمتها في مراحل ومواقع عديدة، في مرحلة الجهاد والذود عن حياض الأمّة في رحاب المدرسة الباديسية من المسخ الرّوحي والثقافي المدبّر في ليل الاستعمار، وبعد ذلك في موقع المسؤولية وزيرا للشؤون الدينية ومن مكانته رئيسا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وريثة فكر الأسلاف من العلماء الجزائريين)· وأبرز السيّد بن صالح أن المرحوم (دافع بحزم وثبات دون تعصّب عن هوية الأمّة دينا ولغة وثقافة من خلال نشاطات الجمعية مع رفقائه من جيله ومن جيل الشباب، فظلّ دائما داعيا إلى التمسّك بمقوّمات هويتنا الوطنية مع التفتّح على العالم وثقافته وحضاراته)· من جهته، ذكر عبد العزيز زيّاري رئيس المجلس الشعبي الوطني أن الجزائر فقدت في الرّاحل عبد الرحمن شيبان (رجل فكر مستنير وعلامة بارزة من علامات النضال من أجل جزائر حرّة ومستقلّة)· وكتب السيّد زيّاري في برقية تعزية لعائلة شيخنا الرّاحل: (إنني أشاطركم الحزن والأسى في هذا المصاب الجلل برحيل الفقيد الذي كرّس كلّ حياته من أجل الدفاع عن القيم العربية الإسلامية للجزائر منذ أن بدأ نشاطه في جمعية العلماء المسلمين وما قدّمه لتحصين الهوية الوطنية ثمّ التحاقه بصفوف ثورة التحرير وعمله في لجنة الإعلام لجبهة التحرير الوطني أثناء الثورة وإسهامه أثناء عضويته في المجلس الوطني التأسيسي في فجر الاستقلال وخلال شغله لعدّة مناصب)·