في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ -الجزء الأول بعد المائة- بقلم: الطيب بن ابراهيم *المستشرق العالمي ماسينيون عرّاب إرسالية الأبيض **التعريف لويس ماسينيون 1883 - 1962 لويس ماسينيون هو عملاق الاستشراق الفرنسي وأحد عمالقة الاستشراق في العالم في القرن العشرين ولد في نوجان سور مارن بضواحي باريس سنة 1883م وكان والده فرديناند نحاتا. أول زيارة للشاب ماسينيون خارج فرنسا كانت إلى ألمانيا والنمسا وأول زيارة له للجزائر كانت سنة 1901م وهذا قبل حصوله على شهادة ليسانس في الآداب سنة 1902م ليتحصّل لاحقا على شهادة الدراسات العليا سنة 1904 وفي نفس السنة تخرج ماسينيون من المدرسة الوطنية للغات الشرقية بدبلوم اللغة العربية فصحى وعامية وكان أحب أساتذته إليه في الاستشراق لوشاتولييه كما اهتم ماسينيون بالآثار الإسلامية والتحق بالمعهد الفرنسي للآثار الشرقية في القاهرة وقد تعلَّم عدة لغات منها: العربية والتركية والفارسية والألمانية والإنكليزية. شارك لويس ماسينيون في مؤتمر المستشرقين الرابع عشر المنعقد بالجزائر سنة 1905م وعقد أواصر الصداقة مع المستشرق المجري اليهودي الشهير اجنار إسحاق جولدزيهر الذي اعتبره ماسينيون واحداً من أساتذته كما تعرف أيضاً في نفس الملتقى على القس الكاثوليكي الإسباني ميجيل أسين بلاسيوس وعلى الأب المسيحي اللبناني لويس شيخو وبمدينة فاس بالمغرب اقترب أكثر من التعرف على العالم الإسلامي سنة 1904م. سافر لويس ماسينيون لمصر سنة 1907 ليكتشف في القاهرة يوم 24 ماي من نفس السنة شخصية صاحبه الحسين بن منصور الحلاج الذي انشغل به طوال حياته وفي نفس السنة كُلِّف بمهمة تنقيبية عن الآثار في العراق وكان ضمن بعثة آثارية اكتشفت قصر الأُخَيضِر جنوب كربلاء وبالعراق اعتقل في شهر ماي سنة 1908 من طرف الجنود العثمانيين واتهم بالتجسُّس والتآمر على السلطة وهُدِّد بالقتل قبل أن يطلق سراحه حيث عاد للقاهرة سنة 1909م واستمع لدروس الأزهر باللباس الأزهري قبل أن تندبه الجامعة المصرية أستاذا بها سنتي 1912- 1913م وألقى بنفس الجامعة حوالي أربعين محاضرة حول التكوين التاريخي للاصطلاحات الفلسفية وكان ضمن تلامذته الأديب طه حسين والعالم رشيد رضا والمفكر مصطفى عبد الرازق. بعد تردد ماسينيون بين حياة الرهبنة والزواج حسم الخيار لهذا الأخير وعقد قران زواجه يوم 28 جانفي سنة 1914م في كنيسة سان جون بإشراف الأسقف دانيال فونتان وقضى شهر زواجه بصحراء الجزائر في عدة مدن منها بسكرة وتوقرت رزق ماسينيون بولدين وبنت الابن دانيال هو الذي أكمل بعض أعمال أبيه الفكرية بعد وفاته. التحق ماسينيون أثناء الحرب العالمية الأولى بالجيش الفرنسي بجبهة الدردنيل يوم 16 مارس سنة 1915 كمترجم للقوات الجوية إلى غاية يوم 4 أوت ليلتحق بعد ذلك بالقيادة العامة كخبير في شؤون الشرق الإسلامي قبل أن يُوَجّه إلى فرقة الاستعلامات كضابط برتبة ملازم أول . بعد نهاية الحرب العالمية الأولى أكمل ماسينيون دراسته وتحصل على الدكتوراه في دراسته عن الحلاج وكان بحثه يتكون من جزأين ويحتوي على أكثر من ألف صفحة ناقش رسالته بتاريخ 24 ماي سنة 1922م وهذا التاريخ كان يوافق الذكرى الألف لمقتل الحلاج بعد ذلك تدرج في المناصب ليصبح أستاذ كرسي ومديرا للدراسات في المدرسة العليا من سنة 1926م إلى غاية سنة 1954م وهو تاريخ تقاعده كما كان مديرا لمجلة العالم الإسلامي الاستشراقية الشهيرة منذ سنة 1927م وبعد تقاعد ماسينيون تفرغ لنشاطه العلمي والثقافي والتنصيري وكثَّف من تحركاته وزيارته لعدة دول افريقية وعربية وإسلامية وفي عام 1956 منحه الملك محمد الخامس الوسام العَلوي. *لويس ماسينيون خبير الإسلاميات المستشرق لويس ماسينيون عالم الإمبراطورية الفرنسية المدلل لدى الحكومات والوزارات الفرنسية المتعاقبة وذو العلاقات القوية بالأوساط الاستعمارية والاستخباراتية ومستشار وزارة الحربية ومستشار وزارة الخارجية الفرنسية في اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916 قبل أن يصبح مستشارا لها بصفة رسمية منذ 27 مارس سنة 1919م وهو المتهم بالتجسس لصالح النظام الاستعماري وهو القس المتنكر المقرب من الأوساط الكنسية وهو من كان قاب قوسين من أن يصبح خليفة للمنصر والجاسوس شارل دي فوكو بصحراء الجزائر. لم يكن لويس ماسينيون مستشرقا عاديا كعشرات المستشرقين بل كمئات المستشرقين انه الشخصية العالمية الذي لا نكاد نجد من لا يسمع به بين الأوساط المثقفة قال عنه عبد الرحمن بدوي: كان مستشرقا عظيما ! يمتاز عن غيره من المستشرقين العالميين الكبار أمثال نولدكه وجولدتسيهر بنفوذ نظرته وعمق استبطانه وقدرته على استنباط المذاهب المستورة والحركات السرية التي كانت تستهويه ! ويعود ذلك حسب بدوي لمزاج شخصي خاص لدى ماسينيون . وقال عنه نجيب العقيقي أن له ستمائة وخمسين أثرا بين مصنف ومحقق ومترجم ومقال وتقرير ونقد. ومن المعجبين بماسينيون نجيب العقيقي الذي قال عن الرجل ما لم يقله عن نفسه لو كان حيا بيننا إذ يقول عنه في كتابه المستشرقون ج.الأول ص 264 : ..واستعاد (ماسينيون) جامع كتشاوة في الجزائر لأصحابه المسلمين بعد 132 سنة... ( إعجاب مبالغ فيه !! كيف يعيد ماسينيون الجامع لأصحابه ؟. هل كان الجامع وحده محتلا فأعاده ماسينيون ؟. أم أن أصحابه حرروا أرضهم وتركوا الجامع ليعيده لهم ماسينيون.. !!؟. وقال عنه ادوارد سعيد أنه لم يبلغ أي مستشرق مستوى ما بلغه ماسينيون إذ حتى كبير مستشرقي بريطانيا المعاصر له جيب هاملتون كان يتراجع أمامه فهو الكاتب والباحث والمفكر المتنقل باستمرار حول دول العالم وحواضره وجامعاته وملتقياته وندواته العلمية والفكرية وهو عضو المجامع العلمية واللغوية العربية في القاهرة ودمشق وبغداد ومشارك فعال في كتابة دائرة المعارف الإسلامية وصُوِّر بطريقة مبالغ فيها بأنه صديق للعرب والمسلمين وهو ما كان يرغب ماسينيون نفسه أن يظهر به وبعد مرور أكثر من نصف قرن على وفاته ومع ذلك لم يُعرف عنه كل شيء ولا زالت بعض مواقفه طي الكتمان خاصة في عالمنا العربي والإسلامي وبصفة أخص دوره الفعّال مع إرسالية إخوة يسوع الصغار بالأبيض التي كان يمثل عرابا لها في عالمها العربي الإسلامي الجديد عليها!!.