*هل يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر؟ وما هو الوقت المناسب لإخراجها؟ * يقول العلامة عبد الكريم زيدان مجيباً عن هذا السؤال: لبيان بعض أحكام زكاة الفطر نورد شروط وجوب زكاة الفطر ووقت أدائها والاختلاف الحاصل حول إخراجها قيمة بدلاً من الأصناف التي حددها الشارع الحكيم: مشروعيتها وحكمتها زكاة الفطر هي الزكاة الواجبة بالفطر من رمضان، فالفطر هو سبب وجوبها، ولذلك أضيفت إليه. وهي فرض، فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام البخاري عن ابن عمر، قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، من المسلمين، وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة". وعلى هذا أجمع أهل العلم، قال ابن المنذر "أجمع ك من نحفظ عنه من أهل العلم على أن زكاة الفطر فرض، وحكمتها إغناء الفقير يوم العيد عن المسألة كما قال الفقهاء". زكاة الفطر تجب على الذكور والإناث وزكاة الفطر تجب على الذكور والإناث سواء كانوا صغاراً أو كباراً من المسلمين، في قول أهل العلم عامة لحديث ابن عمر. شروط وجوب زكاة الفطر يشترط لوجوبها أن يكون من تجب عليه وعنه مسلمين، فلا تجب على كافر ولا عن كافر، ولهذا اتفق العلماء على عدم وجوب زكاة الفطر على لمسلم عن زوجته الكافرة. وكذلك يشترط على من تجب عليه زكاة الفطر أن يكون عنده ما يفضل عن قُوته وقوت عياله ليلة عيد الفطر ويومه، وأن يكون هذا الفاضل فاضلاً عن حاجاته وحاجات من يمونه (أي يقوم بنفقته) فلا يجب عليه بيع شيء مما يملك لإخراج زكاة الفطر من ثمنه، إذا كان الشيء مستغرقاً في حوائجه وحوائج من تلزمه نفقته أو مؤونته. أما العقل والبلوغ فليسا من شرائط وجوب زكاة الفطر فتجب على الصغير والمجنون في مالهما، ويخرجها عنهما وليهما. وقال محمد بن الحسن الشيباني والإمام زفر من أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله جميعاً "لا تجب عليهما لأن زكاة الفطر عبادة، والعبادة لا تجب على الصبيان والمجانين كالصوم والصلاة" ولكن أُجيب على ذلك بأنها ليست عبادة محضة، بل فيها معنى المؤونة فأشبهت زكاة الزروع، وهي تجب عليهما فكذا زكاة الفطر. وكذلك وجود الصوم ليس بشرط لوجوبها حتى أن من أفطر لكبر أو مرض أو سفر يلزمه زكاة الفطر، لأن الأمر الشرعي بأدائها ورد مطلقاً من هذا الشرط، فلا يجوز تقييده به، ولأنها تجب على من لا يُطالب بالصوم وهو الصغير، فئن تجب على المكلف المفطر لعذر شرعي أولى. متى تجب زكاة الفطر؟ عند الحنابلة والشافعية والمالكية على أحد القولين في مذهبهم: تجب زكاة الفطر بغروب الشمس من آخر يوم في رمضان، وعند الحنفية وأبي ثور وداود: بطلوع الفجر من يوم الفطر وهو اليوم الأول من شوال. وقت أداء زكاة الفطر المستحب إخراجها وإعطائها إلى مستحقها يوم الفطر (اليوم الأول من شوال) وأن يكون الأداء قبل صلاة العيد، لأن النبي (ص) أمر بإخراجها وإيصالها إلى مستحقيها قبل خروج الناس إلى الصلاة، وإن أخرجها قبل يوم الفطر بيوم أو يومين جاز. وعند الشافعية: يجوز إخراجها من أول رمضان، ولو أخرها من وجبت عليه فلم يخرجها في يوم العقيد قبل الصلاة لم تسقط عنه وعليه إخراجها، لأن وقت أدائها هو وقت جميع العمر عند الحنفية، لأن وجه القربة فيها معقول، فلا يتعذر وقت الأداء فيها. وعند الشافعية والحنابلة: إذا أخر إخراجها عن وقتها المستحب حتى فرغ الناس من الصلاة ثم أداها في يوم العيد فقد ترك الأفضل، أما إذا أخرها عن يوم العيد أي أخرها حتى خرج اليوم الأول من العيد فقد أثم وعليه القضاء ولم تسقط عنه الزكاة لأنها حق مالي وجب عليه وتمكن من أدائه، فلا يسقط عنه بفوات الوقت. هل يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر؟ ظاهر مذهب أحمد أنه لا يجوز إخراج القيمة في شيء من الزكوات، لا زكاة الأموال، ولا زكاة الأبدان (زكاة الفطر، وبهذا قال الإمام مالك والشافعي، وقال الثوري وأبو حنيفة: يجوز، وهو مذهب الجعفرية. واحتج المانعون بإخراج القيمة بأن إخراج القيمة بدلاً عن الأصناف الواردة في الحديث الشريف والتي تخرج من زكاة الفطر يعني ترك المفروض المنصوص عليه وهذا لا يجوز، فلا تجزئة القيمة كما لو أخرج الرديء مكان الجيد. واحتج المجيزون إخراج القيمة أن وجوب المنصوص عليه من تمر وشعير وغيرهما، إنما جاء النص على هذه الأصناف لكونها أموالاً متقوِّمة على الإطلاق لا من حيث أنها أعيان معنية بهذه الأصناف، فيجوز أن يعطى عن جميع ذلك القيمة: دراهم أو دنانير أو عروضاً أو ما شاء. وأيضاً فإن الواجب في الحقيقة هو إغناء الفقير في يوم العيد عن المسألة لقوله عليه الصلاة والسلام "أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم" والإغناء يحصل بالقيمة بل ربما يكون الإغناء بها أتم وأوفر وأيسر، لأنها أقرب إلى دفع الحاجة من إعطائهم أحد الأصناف المنصوص عليها، وبهذا يتبين أن النص معلول بالإغناء فليس إذن في تجويز أداء زكاة الفطر بالقيمة مخالفة للنص. القول الراجح والراجح في المسألة أن إخراج القيمة في زكاة الفطر للحاجة والمصلحة أمر جائز لاسيما إذا كانت القيمة بالنقود: دراهم ودنانير، والمدفوعة إليهم يسكنون المدن، فإن إعطاءهم نقوداً عوضاً عن حنطة أو شعير هو الأنفع لهم، ويمكِّنهم من سِّد حاجتهم بهذه النقود بسهولة ويسر، إذ يستطيعون أن يشتروا بها ما يحتاجونه من قوت وغيره. أما بغير حاجة ولا مصلحة راجحة، بل المصلحة في إعطائهم من الأصناف الواردة في الحديث الشريف، فلا يجوز الدفع بالقيمة كما لو كان أداء زكاة الفطر في البوادي والقرى النائية حيث الانتفاع وسد الحاجة بالأقوات أيسر من الانتفاع بالنقود. وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية دفع القيمة في الزكاة للحاجة والمصلحة وترجيحه هذا ينسحب على زكاة الأموال وزكاة الأبدان (زكاة الفطر). فأساس جواز الأداء بالقيمة هو الحاجة والمصلحة، وهذا الأساس يختلف باختلاف الظروف والأماكن وأحوال الناس، فعلى المزكي ملاحظة ذلك لأن رعاية المصلحة المشروعة لها اعتبار في شرع الإسلام. * الراجح في المسألة أن إخراج القيمة في زكاة الفطر للحاجة والمصلحة أمر جائز لاسيما إذا كانت القيمة بالنقود: دراهم ودنانير، والمدفوعة إليهم يسكنون المدن، فإن إعطاءهم نقوداً عوضاً عن حنطة أو شعير هو الأنفع لهم، ويمكِّنهم من سِّد حاجتهم بهذه النقود بسهولة ويسر، إذ يستطيعون أن يشتروا بها ما يحتاجونه من قوت وغيره.