بقلم: نبهان خريشة كشف تحقيق استقصائي نشرته صحيفة غارديان البريطانية مؤخرا عن استخدام فريق إسرائيلي المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي كسلاح للتدخل بالانتخابات والتلاعب بها في عدة دول حول العالم. ووفقا للتقرير فإن إحدى الخدمات التي يوفرها الفريق الإسرائيلي لزبائنه حزمة برامج متطورة تحمل اسم اختصارا (AIMS) تتحكم في آلاف الصفحات الشخصية المزيفة على مواقع كل من: تويتر لينكد إن فيسبوك تليغرام جي ميل إنستغرام ويوتيوب.. عربيا فإن الكثير من المعلومات المُضَلِلة المتعلقة في الصراعات والحروب في المنطقة العربية تنتشر عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي لأن الصراعات تعد مادة خصبة لمروجي الإشاعات بحيث أصبحت هذه المعلومات تشكل خطرا على توجهات الرأي العام وعلى صناعة الصحافة. وأفاد استطلاع للرأي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة في العام 2022 شمل 33 ألف شخص في 14 دولة عربية أن 90 في المئة منهم لديهم حسابات على منصات التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها فيسبوك ب 86 في المئة و81 في المئة لتطبيق واتساب. ويتعرض متصفحو وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام لسيل كبير من الأخبار والتقارير والمقاطع الفلمية يتضمن بعضها معلومات كاذبة أو مُضَلِلة في صورة مواد حقيقية بقصد التلاعب بالرأي العام أو لتوجيه حركة المرور إلى موقع إلكتروني معين. وعلى الرغم من أن مثل هذه الأخبار قد يحتوي بعضها على نزر يسير من الحقائق إلا أنها غير دقيقة في مجملها تلحق الضرر بالجمهور كتلك المتعلقه على سبيل المثال بالصحة العامة كما حدث خلال جائحة كورونا .. إن تراجع التعليم وضعف مستوى الثقافة والوعي بشكل عام يخلق بيئة ملائمة لانتشار المعلومات المضللة فضلا عن تشظي مصادر المعلومات وطرق روايتها مع انتشارالإعلام الجديد. وكشف باحثون في مشروع First Draft أن الشائعة بمفهومها التقليدي لم تعد المحتوى المُضَلِل الوحيد على الشبكة وإنما تنوعت أساليب التزييف والتضليل في بيئة المعلومات مثل المحتوى الملفق وهو محتوى غير صحيح في معظمه يهدف للخداع والأذى والمحتوى المزور الذي ينتحل هوية المصادر الحقيقية والمحتوى المُضَلِل الذي يستخدم المعلومات لتوجيه الاتهامات زورا فضلاً عن التلاعب بالمحتوى والسياق المزيف بوضع عناوين أو صور ليست لها صلة بالمحتوى بالإضافة الى التهكم أو السخرية التي قد تتسبب أيضا في التضليل. * العناوين الكاذبة والأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة متنوعة حسب دوافع مؤلفيها فمنها ما يسمى ب العناوين المسُتدْرِجَة للنقر التي غالبا ما تتسم بالجاذبية والغموض في تناول قصص مفبركة وصور مشوهة الهدف منها زيادة النقرات والمشاركة في الشبكة العنكبوتية وهي مصممة لزيادة عدد زوار الموقع وبالتالي زيادة عائدات الإعلانات. ومن أنواعها أيضا الدعاية الرنانة التي تعمل على تضليل الجمهور وتعزيز أجندة سياسية أو منظور متحيز ناهيك عن الصحافة الركيكة التي لا يأخذ الصحافي الوقت الكافي للتحقق من جميع الحقائق قبل النشر ما يؤدي إلى تحول الأخطاء المرتَكبة بحسن نية إلى أخبار زائفة مضللة. وفي بعض الأحيان قد يكون الخبر صحيحا في مجمله ولكن يتم استخدام عنوان مثير مضلل لحث القراء على النقر عليه ما قد يؤدي إلى ترويج أخبار كاذبة من خلال إعادةً عرض العنوان الرئيسي (المانشيت) ومقتطفات صغيرة فقط من المقالة أو التقرير على وسائل التواصل الاجتماعي وانتشاره بسرعة. وغالبا ما يتمكن السياسيون من التملص من أي أخبار لا تتفق ومصالحهم وعلى الرغم من صحتها وإمكانية التحقق من صدقيتها إلا أنهم يعتبرونها أخبارا كاذبة لأن مصطلح أخبار كاذبة فضفاض وقابل للتأويل ما يمكنهم من الطعن به. والأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة عادة ما يتم نشرها من خلال مواقع إخبارية وهمية تحاكي مصادر الأخبار الأصيلة في محاولة لاكتساب المصداقية. ووفقا لأبحاث إعلامية فإن وسائل التواصل الاجتماعي قادرة على نشر الادعاءات الكاذبة بسرعه تفوق عشرات المرات ترويج الأخبار الدقيقة والخاضعة لمعايير صحافية مهنية لأنها مصممة لجذب الانتباه والتلاعب بالمشاعر ولإحتوائها إدعاءات أو قصص غريبة لإثارة الغضب أو الخوف. إن مقاييس مضمون أي موضوع في وسائل التواصل الاجتماعي تعتمد على التفاعل بمعنى عدد مرات مشاركته وإبداء الإعجاب به وليس على مدى دقته أو تحري الصدق فيه ما يسمح لهذا النهج بانتشار العناوين الجاذبة للنقر والمبالغ فيها والمعلومات الخاطئة على نطاق واسع آخذين بعين الإعتبار أن شركات وسائل التواصل الاجتماعي هي منصات وليست دورا للنشر أو مطبوعات صحافية مما يعني أنها لا تتحمل المسؤوليات القانونية نفسه التي تتحملها وسائل الإعلام التقليدية. وعادة ما يلجأ مروجو الأخبار الكاذبة لاستخدام تقنية التزييف العميق وهي عبارة عن مقاطع فيديو مزيفة يتم إنشاؤها باستخدام البرامج الرقمية والتعلم الآلي ومبادلة الوجوه من خلال دمج الصور لإنشاء لقطات جديدة تعرض أحداثا لم تحدث على أرض الواقع وغاليا ما تكون نتائجها مقنعة للغاية ويصعب اكتشاف زيفها.. *مواقع التواصل الاجتماعي مع انتشار استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كمنصات للأخبار بدأت معركة الأخبار الزائفة في الظهور في فضاء الإنترنت العربي خاصة مع اندلاع ثورات الربيع العربي في العام 2011 التي أدت بدورها إلى صراعات سياسية محتدمة لا تزال مستمرة إلى اليوم ومثلما كان لمنصات الأخبار المستقلة السبق في التوجه للصحافة الإلكترونية في المنطقة العربية فقد كان للمبادرات المستقلة السبق أيضًا في التوجه لمكافحة انتشارالأخبار الزائفة من خلال منصات تحقق تعمل على تصحيح المعلومات المضللة عن طريق شرح السياقات التي قيلت فيها تصريحات مسؤولين حكوميين أو ناشطين اجتماعيين وحتى فنانين تم تداولها بشكل خاطئ. والأخبار الزائفة من أخطر الأسلحة فتكا في المجتمعات لما تشكله من خطر على عقل ونفسية الإنسان لتزييف وعيه واستقرار وأمن المجتمع لا سيما مع انتشارها غير المتحكم فيه في ظل هيمنة مواقع التواصل الاجتماعي على الحيز الأكبر من الفضاء الرقمي ما يتطلب لمواجهتها توعية الرأي العام بكيفية التعاطي معها وحث الصحافيين على الالتزام بمعايير الأخلاق المهنية بعدم نشر معلومات غير مؤكدة والالتزام بالتحقق من مصادر المعلومات والصور وغيرها من المواد قبل النشر. وخلصت دراسة أجراها فريق بحثي من جامعتي إلينوي و بنسلفانيا الأمريكيتين لثلاث توصيات: الأولى عدم منح الفرصة لإثارة الجدل والنقاشات الداعمة للمعلومات المضللة والثانية أن تتضمن رسائل التصحيح معلومات مفصلة وجديدة دون الاكتفاء بمجرد تكذيب المعلومة المضللة والثالثة إشراك الجمهور في مكافحة المعلومات المضللة ونشر الوعي. إن مواجهة التضليل يجب أن تتضمن تقديم معلومات وأدلة جديدة دون الاكتفاء بوصم المعلومات الأولى ب عدم الصحة إذ تقل احتمالات قبول الجمهور لرسائل التصحيح إذا جرى التعليق عليها ب غير صحيح فقط دون مواجهتها بدليل. *محو الأمية المعلوماتية الثورة التكنولوجية الرقمية خلقت جيلا مدمنا على استخدام الهواتف الذكية وما يترتب عن ذلك الاستخدام السلبي لها دون رقابة على المحتوى ولا سيما ما ينشر منه عبر شبكات التواصل الاجتماعي ما أدى إلى انتشار خطاب الكراهية والأخبار المُضَلِلة ناهيك عن التعقب الإلكتروني من قبل الحكومات والشركات المزودة لخدمات الإنترنت لتحقيق هدف ربحي أو لخدمة أجندات معينة. هناك عدة معيقات تواجه الجهود لمحو الأمية المعلوماتية أو التربية الإعلامية في المنطقة العربية منها شح الموارد المالية لتحقيق ذلك بالإضافة لعدم توفر الأجهزة والمعدات الإلكترونية الحديثة التي تساعد في تعميمها هذا بالإضافة لضعف مهارات أساتذة المدارس في استخدام تكنولوجيا وسائل الإعلام الجديد ناهيك عن ندرة الكفاءات المؤهلة في مجال التربية الإعلامية والمعلوماتية في المؤسسات التعليمية ومنظمات المجتمع المدني. رغم ذلك فإن تفعيل دور الجامعات في تعزيز التربية الإعلامية من خلال طرح مساقات كمتطلبات جامعية يساعد على توعية الطلبة بالمسلكيات الأخلاقية والمسؤولية الاجتماعية والتصدي للاستخدام السيئ لوسائل الإعلام لا سيما أن مواقع التواصل الاجتماعي تعد بيئة مناسبه لتفشي خطاب الكراهية ونشر الأخبار الكاذبة والمعلومات المُضَلِلة. إن اعتماد برامج ومنهج تعليمي لمحو الأمية الإعلامية في المدارس تمكن الطلبة على التفكير النقدي و النقر بحكمة كما أنها تعزز قدرات لمعلمين وتربويين بشكل عام على صياغة سياسات واستراتيجيات محو الأمية المعلوماتية وتمكنهم من التعامل بشكل نقدي وفعال مع المعلومات وأشكال المحتوى الرقمي الأخرى باستخدام التقنيات الرقمية لمواجهة المعلومات المُضَلِلة والأخبار الكاذبة. إن محو الأمية المعلوماتية يتطلب من الحكومات خلق بيئة قانونية مناسبة ومشجعة للمعلوماتية بكافة أشكالها وفي مقدمتها إقرار قانون الحق في الحصول على المعلومات وإعادة النظر في القوانين الطاردة للمعلوماتية ولحرية الصحافة.