مراصد إعداد: جمال بوزيان لعبة الأمم واستضعاف الشعوب... الأطماع الاستدمارية تتزايد بعد كل انبطاح تَرصُدُ أخبار اليوم مَقالات فِي مختلف المَجالاتِ وتَنشُرها تَكريمًا لِأصحابِها وبِهدفِ مُتابَعةِ النُّقَّادِ لها وقراءتِها بِأدواتِهم ولاطِّلاعِ القرَّاءِ الكِرامِ علَى ما تَجودُ به العقولُ مِن فِكر ذِي مُتعة ومَنفعة ... وما يُنْشَرُ علَى مَسؤوليَّةِ الأساتذةِ والنُّقَّادِ والكُتَّابِ وضُيوفِ أيِّ حِوار واستكتاب وذَوِي المَقالاتِ والإبداعاتِ الأدبيَّةِ مِن حيثُ المِلكيَّةِ والرَّأيِ. الحديث عن الوحدة العربية...! أ. زهر سالم ذا العجوز يتذكر... كيف كنا نتناصر؟! ونشأنا أو نشّئا على حفظ مقومات القومية العربية. ونذكر فيما نذكر وحدة الآمال والآلام وحدة المشاعر والتطلعات.. ونظل ننشد حتى تمتلئ صدورنا بالهواء وتبح أصواتنا: بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان. ونغني مع شوقي: كلما أنّ في العراق جريح لمس الشرق جنبه في عُمانه. ومع حافظ ابراهيم: لمصر أم لربوع الشام تنتسب هنا العلى وهناك المجد والحسب ركنان للشام لا زالت ربوعهما قلب الهلال عليهما خافق يجب في سنة 1965 كان هذا العجوز السبعيني في الثامنة من عمره. وفي 29 تشرين الأول أكتوبر شن البريطانيون والفرنسيون الهجوم على قناة السويس بعد إعلان تأميمها من جمال عبد الناصر واحتلت إسرائيل يومها وللمرة الأولى شبه جزيرة سيناء.. مع الأسف بسهولة ويسر!. واشتعلت المنطقة نارا.. يومها لم تكن هذا الشعوب تملك قنوات تلفزيونية فضائية تهيج وتجيش ولم يكن الناس يملكون هذه الشاشات التي يفتحون أفواههم أمامها.. وكان الغانم من الناس من يملك المذياع ذا الصندوق الخشبي الذي كنا ندحه على جنبه كلما أنّ أو طنّ وما أكثر ما نفعل.. كانت الملحمة يومها في عملية احتلال بور سعيد التي تم عليها إنزال جوي من قبل الحليفين الانكليزي والفرنسي.. فسُجلت بطولاتها بفيلم سينمائي ظل يعرض لسنوات طويلة.. حين أرانا اليوم نجلس وراء الشاشات متسمرين وبعضنا يؤثر أن يضع إلى جانبه منديلا ليجفف دمعه كلما غلبه الدمع.. ولا يجد العرب المثقفون المتعلمون المرفهون المالكون للفضائيات ول(الفيس والإكس والتك توك والواتس) ما يفعلونه غير اضطراب الجناح العالق.. أتساءل: أين كنا؟؟ أين أصبحنا؟؟ وكيف؟؟ تلك كانت أغنية لمحمد عبد الوهاب في ذلك الزمان!. أعود إلى ذاكرة الطفل في الصف الثاني الابتدائي ليتذكر: ماذا فعل الشعب غير المدجن في مقابلة ذلك العدوان.. وقبل أن أحدثكم أذكركم أنني أتحدث حديث متذكر يتذكر وأنا وإن كنت أدعوكم بكل الحرقة والألم إلى تطوير أساليب الاحتجاج والتناصر بما يليق بالشعارات الإنسانية والدينية والقومية فإنني لا أدعو أبدا إلى أي تصرف يخرج عن هذا السياق.. يتذكر رجل سبعيني اليوم من ذاكرته الطفولية أنه كان في سورية ذلك الزمان ما يسمى اتحاد العمال وأنه قام فور سماع نبأ العدوان بإعلان مقاطعة التعامل مع دول العدوان. فرفض الحمالون السوريون وأكثرهم كان أميا من تفريغ سفن دول العدوان في ميناء اللاذقية وكانت أزمة حقيقية وظللنا نستمتع بأخبارها لأيام.. يتذكر ذلك الطفل الصغير أنه كانت تمر من سورية بعض أنابيب النفط العراقي متجهة عبر البحر الأبيض المتوسط إلى الغرب وأن الفورة الشعبية قامت بنسف تلك الخطوط التي كان اسمها خطوط التابلاين هكذا أتذكر وتوقف ضخ النفط إلى المعتدين الأشد حاجة إليه..وكانت مشكلة أخرى تبعتها مشكلات.. الشعب لم يكن ينتظر الحكومات أن تفعل... يتذكر العجوز السبعيني من طبقة في الذاكرة عمرها سبعون سنة. أن المظاهرات في مدينته حلب تمادت وتجاوزت أمام القنصليتين الفرنسية والبريطانية مع المركز الثقافي البريطاني الذي تحول بعد ذلك التاريخ إلى المركز الثقافي بصورته الحالية. على أيدي مواطنين غاضبين تمت أعمال - لا أدعوكم إلى تقليدها بل أحكيها على سبيل سرد الذكريات.. أحكيه لأحكي كيف كان أبناء هذه الأمة يتضامنون ويتكافلون منذ سبعين سنة. وهل يجوز في السياق أن أنسى الضابط السوري جول جمال ابن مدينة اللاذقية الأرثوذكسي الذي كان يتدرب في مصر لمصلحة البحرية السورية والذي قدم نفسه في عملية فدائية ضد البارجة الفرنسية جان بارت.. فمهد لوحدة سورية مع مصر.. هذا كله قبل أن يحكم سورية حزب البعث القومي العربي المقاوم والممانع... لعلي نسيت أشياء يذكرني بها من كان أكثر وعيا وحضورا.. نحتاج إلى آليات حقيقية يجعل حديثنا عن الوحدة العربية أكبر من حديث الأماني... اللهم نصرَك للمستضعفين. *** اللاعب الثالث والسياسة الدولية...! أ. صائب خليل كيف تقف بوجه قوة أكبر منك؟ مبدأ الشطرنج الثلاثي كيف يحمي كلب الراعي قطيع الغنم من الذئب؟ يوما سألت أبي: *.بابا هل الكلب أقوى من الذئب؟ _. لا بابا.. الذئب أقوى بكثير. *. إذن كيف يحمي كلب واحد قطيعا من الخراف من الذئب؟ _ الذئب يستطيع أن يقتل الكلب بسهولة لكنه يخشى ان يعضه الكلب ويجرحه قبل أن يستطيع قتله. فالذئب يعلم أن جماعته سيقتلونه ويأكلونه إن رأوه مجروحا. لقد حفظت الدهشة هذه المحادثة في ذاكرتي لنصف قرن لكني أتساءل اليوم: كيف نصف الاستراتيجية التي يتبعها هذا الكلب في موقفه الشجاع والمحسوب في نفس الوقت؟ تعرفون جميعا لعبة الشطرنج لكن ربما لم تسمعوا ب لعبة الشطرنج الثلاثية حيث يتصارع ثلاثة لاعبين يحاول كل منهم أن يقضي على رسيليه. فما الذي يضيفه وجود اللاعب الثالث من تأثير على الصراع بين الطرفين الآخرين؟ ما الفرق الاستراتيجي للعب الذي يجب ان نبقيه في بالنا عند ما ننتقل من لعبة الشطرنج الاعتيادية إلى الثلاثية؟ في لعبة الشطرنج المعتادة نحافظ على قطعنا سالمة قدر الإمكان ونضرب قطع رسيلنا. ونحن نقبل بسرور أن نضحي بقطعة من قطعنا مقابل قطعة للرسيل إن كانت قطعة الرسيل أقوى. فأنا كلاعب الشطرنج يسعدني أن أضحي بفيل (قيمته 3 نقاط) إن كان ذلك سيتيح لي أن أكل رخ رسيلي (قيمته 5 نقاط) لأني سأخرج متفوقا بفارق نقطتين. لكن وجود لاعب ثالث سيخرب هذا المبدأ الأساسي لأن اللاعب الثالث المتفرج الذي لم يمس جيشه بأذى صار بفضل هذه المضاربة أقوى منا نحن الاثنين: صار أقوى مني بثلاث نقاط لأن جيشي نقص فيلاً وأقوى من رسيلنا الآخر الذي خسر رخاً بخمس نقاط!. ما الاستراتيجية السليمة إذن في الشطرنج الثلاثي؟: أن تترك اللاعبين الآخرين يتقاتلان وأن تكون اللاعب المتفرج ! فمهما كانت نتيجة الصراع فستكون أنت الرابح الحقيقي! الجميل في هذه اللعبة أنها الأكثر شبها بالحياة حيث يشمل الصراع في الحياة أكثر من طرفين دائما. ولا شك أنكم ستكتشفون سريعا أمثلة تاريخية عديدة لتطبيق مثل هذه القاعدة في السياسة الدولية. فصعود الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى قمة السيادة في العالم قد تم ب دستين من الشطرنج الثلاثي كان الدست الأول هو الحرب العالمية الأولى والدست الثاني هو الحرب العالمية الثانية. وفي كلا الدستين تركت الولاياتالمتحدةالأمريكية الأطراف الأوروبية تطحن بعضها البعض بل قامت بدعم الطرفين أحيانا ولم تدخل أي من الحربين إلا بعد أن تم ذلك وصار ضروريا لها أن تدخل لتكون مشاركة مباشرة في المكاسب بأقل الخسائر الممكنة. لقد تصور الحلفاء أنهم ربحوا الحربين لأنهم انتصروا على ألمانيا. ولو كانوا يلعبون الشطرنج الاعتيادي لكان تصورهم صحيحا لكنهم لم ينتبهوا لوجود اللاعب الثالث المتفرج الذي كان يضحك في سره من ذلك الانتصار الفارغ. فقد خرج لوحده بجيش سليم واقتصاد سليم وكان يملك أكثر من نصف المنتج الصناعي العالمي واكثر من نصف رأس المال في العالم وفرض شروطه على الجميع بمن فيهم حلفاؤه فأجبر أكبرهم على التخلي له عن نصف حصصه النفطية الأجنبية والآخر عنها كلها تقريبا إضافة لشروط أخرى على المهزومين و المنتصرين جعلت منه سيد العالم بلا منازع. وقد نجحت الولاياتالمتحدةالأمريكية في ان تكون اللاعب الثالث -المتفرج المنتصر- في مرات أخرى عديدة حين استفادت من الخلاف الصيني السوفياتي فيما بعد. ولم يقتصر ذلك على منافسيها في السلطة على العالم بل استعملت ذات السياسة حين دعمت صدام حسين حينا وإيران حينا آخر لإدامة الحرب بينهما أطول فترة ممكنة وإنزال أشد الضرر بكليهما. اللاعب النبيه لا يكتفي إذن بحساب مكاسبه وخسائره أمام الطرف المقابل فقط بل يراقب تأثيرها على توازن قوته أمام اللاعبين الآخرين غير المشاركين في الصراع! وهذا يدفعه إلى التزام استراتيجية تجنب الصراع قدر الإمكان حتى مع من هو أضعف منه. كيف يمكن للاعب الأضعف أن يستفيد من هذه الحقائق؟ هذه هي النقطة المركزية لهذه المقالة: أن اللاعب الأضعف حين يدرك أن الاستراتيجية الصحيحة للأقوى هي تجنب الصراع فإنه يستطيع ان يستغل تلك الورقة لصالحه في دفاعه عن مصالحه!. تلك الورقة هي ما يستخدمه كلب الراعي حين يواجه الذئب ويمنعه من الهجوم على الخراف. الذئب يكشر عن أنيابه مهدداً لكن الكلب لا يرتعب بل يرد بالتكشير عن أنيابه أيضا ولسان حاله يقول: أعلم أن أنيابك أشد وأنك قادر على قتلي لكن أنظر أيضا إلى أنيابي فهي تكفي لإصابتك بجرح. أنت تعلم جيدا أن قتلي لا يعني انتصارك إن جرحت. لا مصلحة لك في هذا وخير لك أن تتجنب الصراع وتذهب جائعا من ان تذهب جريحا . إنها محادثة يفهمها الذئب تماما كما يفهمها الكلب ويفهم كل منهما أن الآخر يفهمها فالعلاقة بينهما تمتد لملايين السنين من التجارب والتفاهم. لذلك فغالبا ما تنتهي المواجهة بانسحاب الذئب مؤجلا حلمه بالطعام إلى فرصة أخرى مع قطيع راع ليس لديه كلب يفهم اللعبة. في المرة القادمة عند ما ترى حيوانا أكبر ينسحب أمام حيوان أصغر لا تتصور دائما أن الأكبر كان جبانا.. إنه يفكر بالمدى البعيد ويعمل باستراتيجية تجنب الصراع والأصغر يدرك ذلك ويستغله.. إن كل قط محاصر يكشر عن أنيابه ويقلص ظهره أمام الكلب الذي يحاصره إنما يفعل ذلك بالضبط. إنها أيضا ذات المحاورة بين أمريكا وكوريا الشمالية اليوم والتي قد نتعجب من جرأتها على التحدي كما نتعجب من تردد أمريكا بضربها. لكن كل من أمريكا وكوريا الشمالية تفهمان لغة الشطرنج الثلاثي حيث تقول الأخيرة لها كما قال الكلب للذئب: تستطيعون إفناءنا.. لكننا سنصيبكم قبل ذلك بجرح سيكلفكم كثيرا ويخفض فرصكم لسيادة العالم. ستقضون علينا لكنكم ستكونون أضعف أمام الصينوروسيا وربما أوروبا واليابان فماذا استفدتم؟ . إنه ببساطة الردع النووي الذي جاعت كوريا من أجل الحصول عليه وتحملت إيران زمن محمود أحمدي نجاد الحصار من أجله لأنه يقفز بخسائر المنتصر إلى رقم كبير يفوق أي مكاسب محتملة من تلك الحرب. ولهذا السبب بالذات تعمل أمريكا و إسرائيل المستحيل لكيلا يتاح لدولة عربية أو إسلامية أو أي دولة تنتهج نهجا مستقلا أن تحصل على السلاح النووي. ليس خشية أن تستعمله هذه الدولة في هجوم عليهما فهما يستطيعان القضاء عليها فورا إنما خشية أن يستخدم للردع بالتأثير على حسابات الربح والخسارة. فأمريكا و إسرائيل إنما يهدفان إلى حماية حريتهما في العدوان على أي دولة قد يرغبان في احتلالها أو إخضاعها مستقبلا. كيف نفسر دخول أمريكا بعض الحروب إذن؟ في الشطرنج لا تستطيع إضافة قطع الرسيل التي تضربها إلى قطعك أما في الحروب فهذا ممكن لذلك يمكن أن تكون الحروب مربحة للمنتصر بشرط أن يكون الفارق بين المتصارعين كبيرا جدا.. وتساؤل القوي الذي يفكر أن يبدأ حربا ليس: هل سأنتصر في الحرب أم لا وإنما هو: هل سأربح شيئا من هذه الحرب أم أخسر؟ . وفي الوقت الذي كانت استراتيجية الشطرنج الثلاثي دائما هي تجنب الصراع فإن استراتيجية الحياة هي تجنب الصراع ما لم يضف شيئا لقوتي . وهذا هو بالضبط ما يدل الجانب الأضعف على استراتيجيته المناسبة. فالأضعف حين يعي تساؤل الأقوى وما يخشاه فسوف يصحح السؤال الخطأ الشائع: هل أستطيع الانتصار عليه؟ وهو سؤال تعجيزي لا يؤدي إلا إلى الاستسلام ويتحول إلى السؤال الصحيح: هل أستطيع أن أجعل خسائره أكبر من أرباحه؟ . وهي مهمة أبسط كثيراً من الانتصار على القوي. فكل ما على الضعيف ليردع القوي هو ان يسعى لجعل محصوله من الحرب سالبا. يبدأ المدافع بدراسة ما ينتظره العدو من مكاسب من الاعتداء عليه ويبحث عن الطرق الممكنة لإلغائها أو لتقليلها. ثم دراسة ما يمكنه أن يسبب للمعتدي من خسائر وطرق زيادتها وهكذا حتى يجد الخطة التي تؤمن له زيادة خسائر المعتدي على مكاسبه. وبعد ذلك عليه ان يقنع هذا القوي بأنه (أي الضعيف) ينوي بالفعل الدفاع عن نفسه وعن مصالحه وأن خسائر القوي في هذا الصراع ستكون أكثر مما سيكسب وبالتالي فمن الأفضل له أن يترك الصراع ويذهب! هكذا بدأ غاندي صراعه ضد الاحتلال الانكليزي بالطلب من الهنود أن يمتنعوا عن شراء الأقمشة الانكليزية وأن ينسجوا ملابسهم بأنفسهم وقام بنفسه بنسج ملابسه ليكون لهم قدوة! فاقتدى الهنود بالملايين به وعانت صناعة النسيج خسائر كبيرة وقلل من دوافعهم لإبقاء الاحتلال. ثم بعد ذلك كانت التظاهرات وحدثت الاشتباكات وسقط الضحايا وأخيرا حسب الانكليز أن خسائرهم بدأت تزيد عن مكاسبهم فانسحبوا وتحررت الهند. طبيعي أن الجانب الأقوى لا يريد أن يرى الجانب الأضعف هذه الاستراتيجية الفعالة لذلك فهو يسعى لتوجيهه نحو السؤال الخطإ المؤدي الى الاستسلام وهو يستخدم إعلامه من أجل ذلك. فعند ما يئس أحد أبواق الاحتلال الأمريكي للعراق من محاولاته بإقناع العراقيين بأن أمريكا ستجعلهم ينافسون ألمانيا واليابان قام بتحويل خطابه إلى الخط التالي: صحيح أن أمريكا ليست موضع ثقة لكن هل نستطيع أن نهزم أمريكا؟ بما أن هذا مستحيل فلا بد لنا من صداقتها بدلا من أن نتعرض للدمار التام (يقصد الاستسلام لها فالصداقة لا علاقة لها بالتفوق). وهو هنا يضع العراقيين أمام السؤال الخطإ والخيارات الخطإ.. السؤال الخطأ: هل نستطيع أن نهزم أمريكا؟ والذي يجاب بالنفي بالتأكيد فليس هناك من يتخيل الجيش العراقي وهو يدخل واشنطن ويحتلها! لكنه سؤال خبيث طرح بدلا من السؤال الصحيح: هل نستطيع أن نجعل احتلالها يكلفها أكثر مما تربح منه؟ وهو أمر أسهل كثيرا وممكن بالتأكيد لأي شعب إن توفرت فيه الإرادة. فالقضية من الجانب الأمريكي ليست قضية حياة أو موت لتقرر أن تحاربنا وتسبب الدمار الشامل بل قضية حساب. ف إسرائيل كانت قادرة من الناحية النظرية أن تنتصر في حرب 2006 أمام حزب الله وتسبب له الدمار الشامل بقنبلة ذرية! لكن المقاومة كانت تعلم و إسرائيل تعلم وتعلم أن المقاومة تعلم أن ذلك الدمار الشامل يكلفها أكثر مما تربح ويعني هزيمة لها على المدى البعيد وبالتالي فهو سلاح غير وارد ولا حاجة للمقاومة أن تخشاه. وبالطريقة نفسها خسرت أمريكا حرب فيتنام دون أن تستخدم تلك القنبلة.أيضا وللسبب ذاته رغم أن بعض الأصوات الأمريكية المجنونة كانت تدعو إلى ذلك. ففي الحالتين كان المدافع الأضعف واعيا لحسابات الصراع وله الجرأة والاستعداد لتقديم التضحية اللازمة للثبات الذي تتطلبه الخطة الصحيحة. كتوضيح أخير قبل نهاية المقالة أقول إن توزيع الأدوار لنا ولخصومنا وللطرف الثالث هو كما يأتي: اللاعب الأول هو نحن أي شعب يتعرض لعدوان ويريد الدفاع عن بلده واللاعب الثاني هو أمريكا أو إسرائيل (وهما واحد) وهو اللاعب القوي المعتدي أما اللاعب الثالث هنا فهو ليس إيران أو تركيا أو المملكة العربية السعودية كما قد يختلط على البعض بل روسياوالصين وأوروبا واليابان! إنه اللاعب الثالث من وجهة نظر أمريكا وليس من وجهة نظرنا! نحن مجبرون على الصراع لأننا نتعرض للاعتداء ولا نستطيع أن نتركه ونصبح اللاعب الثالث المنتصر. ما أردت التنبيه إليه هو أن الصراع من وجهة نظر المعتدي ليس بيننا وبينه فقط بل يجب عليه ان يأخذ وجود اللاعب الثالث بنظر الاعتبار حين يعتدي علينا وأن يحسب تأثير صراعه معنا على توازن قوته مع هذا اللاعب الثالث وهو ما يحدد من خياراته كثيرا.. فوجود هذا اللاعب الثالث هو في صالحنا بالتأكيد. فلو كانت لعبة شطرنج ثنائية لاستحال علينا أن نحقق أي شيء أو أن نحلم بانتصار. لكن وجود روسياوالصين وأوروبا حتى لو لم تتدخل في الصراع يجعل اللعبة ثلاثية اللاعبين وتفرض على المعتدي القوي شروطا خاصة تحدده كثيرا. ونحن بوعينا لهذه الحقيقة حقيقة وجود لاعب ثالث للمعتدي نستطيع أن نتحداه رغم تفوقه وأن نأمل ب الانتصار عليه ليس بمعنى دحره واحتلال بلاده بل بمعنى إجباره.على التخلي عن عدوانه من خلال جعل هذا العدوان أكثر كلفة عليه من فائدته له. فعندما يتحدث اللبنانيون عن هزيمة إسرائيل أو يتحدث الفيتناميون أو الإيرانيون عن هزيمة أمريكا فهو ليس خطابا عنتريا كما يحلو للبعض أن يصفه بل استراتيجية محسوبة بدقة تقصد إجبار المعتدي على التخلي عن عدوانه لا أكثر. ولو راجعنا كل حروب التحرر والثورات على الاحتلال الأجنبي لوجدنا أنها كانت تطبيقا لهذه القاعدة.