روى لي صديق ممّن قدّر لهم زيارة فرنسا، قصّة البحيرة التي أنشأها المجلس البلدي في إحدى المدن الحديثة البناء· في تلك البحيرة كان هناك بطّ وأوز وطيور مائية أخرى تحظى بعناية البلدية، وفي مرحلة من المراحل أخذ جرذ يستهدف طيور البحيرة، حيث كان في كلّ فترة يسطو على إحداها ويفترسه· يقول الصديق إن أجهزة البلدية بذلت جهودا كبيرة للقبض على الجرذ دون إطلاق النّار عليه، ومن ثمّ تمّ نقله بكلّ حرص إلى (بيئة مناسبة له) حيث أُطلق سراحه دون أن يتعرّض لأيّ أذى· روى الصديق هذه القصّة ليوحي بمدى حرص الفرنسيين على الحياة، حتى ولو كانت حياة جرذ· صديق آخر كان حاضرا قال: "عجيب هذا الحرص الفرنسي على الحياة، والأعجب أن هذا الحرص لم يظهر عندما قتل هؤلاء الفرنسيون أنفسهم أكثر من مليون جزائري بلا شفقة ولا رحمة، وكذلك ملايين البشر الآخرين في مستعمرات فرنسا المختلفة في أنحاء العالم، ما يثير الأسئلة عن المعيار الذي يحكم هذا الحرص الفرنسي على الحياة)· أجاب الصديق الأوّل: (يا صديقي الجرذ فرنسي لذلك حرصواعليه، أمّا الجزائريون وغيرهم فهم ليسوا فرنسيين ولا يحظون بشرف الاهتمام بحياتهم)· هنا تدخّلت في هذا الحوار قائلاً لصديقيّ: (مع كلّ حرص الفرنسيين على حياة الفرنسيين حتى ولو كانوا جرذانا، فإن هناك قضايا أسمى وأكثر أهمّية تجعل أبناء باريس يغضّون الطرف عن حياة فرنسية تُزهق أو تتعرّض للتهديد)· ورويت لصديقيّ قصّة القنصل الفرنسي في غزّة الذي أصيب بجروح هو وابنته، وكذلك أُجهضت زوجته بسبب وجوده في دائرة اعتداء صهيوني جوّي على أحد الأبنية في غزّة· لقد تعامت وسائل الإعلام الفرنسية عن هذا الموضوع تماما ولم تذكر القضية، بل إن وسائل الإعلام التي ذكرت الأمر برّرت للصهاينة فعلتهم وحمّلت الشخص الفرنسي المسؤولية لأنه كان موجودا في المكان الذي ضربه الصهاينة في غزّة بالرغم من أن هذا المكان هو بيته الذي يقيم فيه مع عائلته. قلت لصديقيّ: (الفرنسيون يرتّبون البشر على الشكل التالي من الأدنى إلى الأعلى: كلّ البشر الآخرين الفرنسي ولو كان جرذا الصهيوني الذي هو أعلى من كلّ البشر وقيمته تفوق قيمة كلّ إنسان· ومن يحتجّ على هذا التقسيم عليه أن يقنعنا بمبرّر سكوت الفرنسيين على الجريمة التي استهدفت مواطنهم الذي يحمل جواز سفر بلادهم، والتي أدّت إلى قتل شخص فرنسي مستقبلي جنين السيّدة عقيلة القنصل، في حين أنهم حرصوا كلّ الحرص على حياة جرذ كان يسرق طيورهم ويقتلها)· ليس هناك أيّ مبرّر سوى أن القاتل صهيوني وإلاّ تصوّروا معي لو أن قاتل ابن القنصل الفرنسي كان صاروخا أطلقته منظّمة فلسطينية، ماذا كان سيحصل؟ مئات المقالات، عشرات الاتّصالات الهاتفية والمقابلات التلفزيونية والتقارير الصوتية والمصوّرة وربما أفلام وثائقية تنتج بشكل فوري، كلّها كانت ستتحدّث عن مأساة رئيس البعثة القنصلية الذي تعرّض لمأساة إنسانية لا مثيل لها· أمّا لأن المجرم في هذا القضية هو (إسرائيل) فقد بات مستوى الفرنسي وابنه وزوجته أقلّ من مستوى جرذ فرنسي (مجرم)، فماذا في رأيكم سكيون مستوى العربي والمسلم الذي يقتله الصهيوني في هجماته واعتداءاته المستمرة؟ السؤال (جوابه منه وفيه) كما كان أجدادنا يقولون، لذلك فإن انتظار إنصاف من هؤلاء الغربيين في معركتنا الطويلة مع الصهاينة هو كانتظارالإنصاف من الصهاينة أنفسهم، فإمّا أن نحقّق قيمتنا بقوّتنا وبأيدينا أو أننا سنذهب ضحايا جرذان هذا العالم الذي يحظون بحماية قوى الغرب وحنانها الذي لا يمكن تبريره بأيّ شكل من الأشكال· * الكاتب محمود ريا