في خضّم الحديث عن اللاّعبين الذين لفتوا الأنظار هذا الموسم في البطولة القطرية بفنّياتهم وإبداعاتهم بما جعلهم مرشّحين بقوّة للحصول على جائزة أفضل لاعب في الموسم، يمكن أن نلاحظ أن أغلب هؤلاء هم من اللاّعبين الذين لا يتمتّعون بطول القامة رغم أن قاماتهم الكروية فارعة، وهذا يحيلنا إلى جدل قديم متجدّد حول قدرة اللاّعبين قصار القامة على الإبداع في ملاعب كرة القدم في الوقت الذي تحوّلت فيه اللّعبة شيئا فشيئا من ذلك الطابع المهاري والإبداعي إلى الطابع المبني على التفوّق البدني والتكتيكي· بن عبد القادر يبدو أن المفاهيم في طورها إلى التغيّر من جديد، فبعد أن ذهب كثيرون إلى التأكيد على أن كرة القدم أصبحت أقرب إلى المعركة التي لا مجال فيها إلاّ للاندفاع والانضباط وفرض الذات عبر التفوّق البدني، ولم تعد بذلك الفنّ الذي يتقنه المبدعون والمهاريون، جاء برشلونة الإسباني ليلقي بهذه النّظريات عرض الحائط. حيث أن النّادي الكتالوني الذي أبهر الجميع خلال السنوات الماضية بأدائه الرّاقي وسطوته التي صعّب على المنافسين الإفلات منها، أعاد للكرة مفاهيمها التقليدية باعتبارها فنّا جميلا يقوم على الإبداع والمهارات والفنّيات، وفي هذا السياق أمكن أيضا من خلال ما يقدّمه برشلونة أن نلاحظ أن التفوّق الكروي لا علاقة له بالبنية الجسمانية كما خلنا أنه تكرّس في كرة القدم الحديثة، ولنا في الثلاثي ميسي وتشافي وإينييستا خير دليل، الأوّل طوله 1.69م والثاني والثالث 1.70م· إذن، يمكن أن نقول إن البطولة القطرية بما تقدّمه من نجوم متألّقين من أصحاب القامة التي تعتبر قصيرة في عالم كرة القدم يلوح منسجما مع السياق العالمي الذي كرّسه برشلونة في المواسم الأخيرة· *** مارادونا·· الأبرز عالميا قبل أن نتكلّم عن الحاضر لابد من إلقاء نظرة على الماضي، وبالبحث في سجِّلات الكرة العالمية نجد أن عديد النّجوم من قصار القامة قد تألّقوا وفرضوا أنفسهم كقامات كروية كبيرة، وفي مقدّمتهم دون شكّ الأرجنتيني دييغو مارادونا، صاحب اللّمسات السّحرية والإبداعات التي لا مثيل لها، فهو لا يتجاوز طول 1.65م لكنه أفضل لاعب في كلّ الأوقات، وبعده يمكن أن نذكر عديد اللاّعبين، على غرار الألمانيين ليتبارسكي 1.68م وتوماس هاسلر 1.66، والفرنسي آلان جيريس 1.63م، والبرتغالي روي باروش 1.60م، والقائمة تطول· *** البرازيلي روبرتو كارلوس قد يقول قائل إن هذه النّوعية من اللاّعبين لا يمكن أن تنجح إلاّ في المراكز الهجومية، وبالتحديد في مركز صانع الألعاب، لكن هذا الكلام غير دقيق لأن هناك لاعبين لا يتمتّعون بقامة طويلة لكنهم نجحوا في التألّق في مراكز دفاعية، وأبرزهم ربما البرازيلي روبرتو كارلوس الذي يعتبره كثيرون أفضل ظهير أيسر في تاريخ كرة القدم ولا يتجاوز طوله 1.68م. وفي المركز ذاته يمكن أن نذكر الفرنسي ليزارازو الذي يفوق كارلوس بسنتيمتر واحد، وفي الفترة الحالية يبرز اسم الألماني فيليب لام كأحد أفضل من يشغل مركز الظهير الأيمن في العالم وطوله لا يتجاوز 1.70م· *** الحارس المكسيكي خورخي كامبوس في حراسة المرمى التي تتطلّب منطقيا طول القامة استطاع الحارس المكسيكي خورخي كامبوس أن يخطف الأضواء ويثبت جدارته بحراسة شباك منتخب بلاده لسنوات طويلة رغم أن طوله 1.73م، وهو ما يعتبر من النّاحية النّظرية عائقا أمام التألّق في مركز حارس المرمى· *** البطولة القطرية تكرّس الظاهرة العالمية مثلما ذكرنا، فإن نادي برشلونة الذي يقدّم أفضل كرة قدم في العالم في الوقت الحالي أثبت أن الطول ليس عائقا أمام التألّق في كرة القدم الحديثة، وربما يصبح الأمر ظاهرة عالمية ولدينا في البطولة القطرية هذا الموسم شواهد كثيرة على أن قصر القامة قد يكون مرادفا للإبداع. وإذا نظرنا إلى أبرز اللاّعبين خلال الموسم الحالي فإننا سنلاحظ أن أغلبهم ممّن يتميّزون بقامة قصيرة مقارنة بمعدلات طول لاعبي كرة القدم، لكنهم يقدّمون مستويات رائعة· *** زيّاني نجم البطولة القطرية من الأسماء التي فرضت تواجدها بقوّة في أوّل موسم لها في البطولة القطرية نجد الجزائري كريم زيّاني 1.69م، والذي استطاع أن يقدّم مستوى لافتا في صفوف الوافد الجديد على المسابقة نادي الجيش، وأن يقوده إلى تحقيق أفضل النتائج، وتأتي أغلب أهداف الفريق من تمريرات حاسمة يقدّمها زيّاني لزملائه· ويتمتّع الدولي الجزائري إضافة إلى القدرة العالية على التمرير الدقيق بسرعة كبيرة في التحرّك بالكرة تمكّنه من تجاوز المنافسين بسهولة كبيرة وبخلق الخطر كلّما كانت الكرة بحوزته، وهو مرشّح بقوّة ليكون أفضل لاعب في الموسم· *** البرازيلي رودريغو تاباتا من اللاّعبين المتألّقين بشكل لافت هذا الموسم نجد البرازيلي رودريغو تاباتا 1.71 م، وهو لاعب يتمتّع بخصال كثيرة، إذ يتقن دور صانع الألعاب بقدرته الفائقة على إيجاد الثغرات والتمرير بدقّة نحو المهاجمين، كما أنه يستطيع اللّعب كجناح حيث يجيد المراوغة والتوغّل، إضافة إلى امتلاكه مهارة التهديف، وقد أفاد الريان كثيرا بفضل هذه القدرات الهجومية بما جعله يكون أحد أبرز لاعبي البطولة· *** القطري خلفان إبراهيم وبما أن التألّق ليس حكرا على اللاّعبين الأجانب، فإن لاعب العنّابي والسدّ خلفان إبراهيم 1.71 م، يتواجد ضمن قائمة أفضل اللاّعبين منذ بداية الموسم الحالي، حيث تمكّن من أن يسترجع مستواه المعهود الذي أهّله للفوز بجائزة أفضل لاعب في آسيا سنة 2006، ولن يكون من الغريب أن يكون أفضل لاعب في قطر في نهاية الموسم الحالي· *** المغربي سعيد بوطاهر من اللاّعبين البارزين يمكن أن نذكر أيضا المغربي سعيد بوطاهر 1.72م، والذي استطاع في موسمه الأوّل مع الوكرة أن يصبح النّجم الأبرز للفريق، وهو بالمناسبة هدّافه حاليا رغم أنه يلعب في مركز صانع الألعاب· *** البرازيلي مادسون يبدو البرازيلي مادسون المنضمّ إلى الخور في فترة الانتقالات الشتوية في طريقه إلى حجز مكان له في قائمة المتألّقين من قصار القامة، واستطاع اللاّعب الذي لا يتجاوز طوله 1.60م أن يبرز إمكاناته الكبيرة من خلال المباريات الماضية، وبإمكانه أن يقدّم الكثير في الفترة القادمة، خاصّة وأن مستوى الفريق ككلّ يساعد على التألّق· *** الإيفواري بكاري كوني إذا تمكّن أحد هؤلاء اللاّعبين الذين ذكرناهم من الحصول على جائزة أفضل لاعب في البطولة هذا الموسم فإنه سيكون خلفا لأحد أقصر اللاّعبين في البطولة، ومن يكون غير بكاري كوني لاعب لاخويا والحاصل على الجائزة في الموسم الماضي· كوني البالغ طوله 1.63م استطاع في الموسم المنقضي أن يتألّق بشكل لافت وأسهم مساهمة فعّالة في حصول لاخويا على لقب البطولة، ورغم أن مستواه تراجع نوعا ما في الموسم الحالي بسبب الإصابة وعوامل أخرى إلاّ أنه مازال يشكّل عنصرا بارزا في هجوم بطل البطولة، ومازال من العناصر التي لا يقدر المدرّب بلماضي على الاستغناء عنها· وإذا حصل ما هو متوقّع بتتويج أحد اللاّعبين الذين يعتبرون من أصحاب القامّة القصيرة بالنّظر إلى معدلات الطول في ملاعب كرة القدم بجائزة أفضل لاعب في الموسم، فإن الأمر سيكون منسجما مع ما هو حاصل عالميا بفوز ميسي صاحب المتر و69 سنتيمترا بجائزة الكرة الذهبية في السنوات الثلاث الأخيرة· *** وجهة نظر علمية تفوّق القصار يعود إلى أنهم الأكثر توازنا ومرونة وسرعة يرى الدكتور القطري خالد حسون أن سبب تميّز جلّ اللاّعبين قصار القامة يكمن في المميّزات التي يتمتّعون بها جسديا، والتي تساعدهم على التألّق في كرة القدم، وعلى طريقة إذا كان للاّعب الطويل مميّزات فإن للاّعب القصير مميّزات أيضا· الدكتور حسّون اعتبر أن الحديث عن مميّزات ما للاعب قصير القامة أو للاعب طويل القامة لن يكون دقيقا من ناحية علمية أو لنقل لا يرتبط الأمر بقاعدة ما تجعل من القصير أو من الطويل متألّقا، كما يمكن الحديث عن مميّزات استثنائية لدى الممارسين لكرة القدم، أكانوا القصار أو طوال القامة من حيث أن كرة القدم تُلعب بالقدم وليس كبعض الألعاب الأخرى باليد وهذه تعطي لممارسيها ميزة أفضل، فيتميّز بعض نجوم اللّعبة تميّزا ملحوظا ومن بينهم اللاّعبون قصار القامة تحديدا، خصوصا وأنه في العموم ليس للطول أو للقصر ميزة أو إيجابية، كما أنه ليس عيبا أو سلبية حتى وإن كانت بعض المراكز تتطلّب لاعبين بمواصفات جسدية معيّنة مثل حراسة المرمى ولاعبي الدفاع الذين يُفضّل أن يكونوا طوال القامة رغم أن العديد من النّجوم تألّقوا بقوّة وبرزوا على مستوى عالمي في حراسة المرمى وهم قُصار القامة فكان القصر ميّزة لهم من حيث إعطائهم قوّة ومرونة في القفز أو الحركة السريعة وردّ الفعل السريع خلال ذودهم عن مرماهم· *** التوازن أهمّ ميزة ويتحدّث الدكتور حسّون عن مميّزات اللاّعبين قصار القامة التي تعطيهم إضافة حقيقية خلال اللّعب، ومن ذلك التوازن الكبير الذي يتمتّعون به أفضل من اللاّعبين طوال القامة خصوصا وهم - أكثر اقترابا من الأرض كما يُقال -، والتوازن امتياز بالنّسبة لهم، ذلك أن القصر يمنحهم توازنا أكبر خلال الجري والحركة ويجعلهم أكثر قدرة على تغيير اتجاهاتهم من وضع الجري والحركة، إذ يحافظون على توازنهم أكثر من طوال القامة الذين يصعب عليهم تغيير اتجاهاتهم مثلهم، وبالتالي فالحفاظ على التوازن مهمّ وميزة يتميّز بها اللاّعبون قصار القامة· وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، حيث عرف العالم لاعبين مشاهير، أبرزهم الأسطورة الأرجنتينية دييغو مارادونا أحد أشهر اللاّعبين قصار القامة الذين نبغوا في كرة القدم وكانوا من أفضل اللاّعبين على مرّ التاريخ، وأيضا مثل الهدّاف الألماني الشهير جيرد مولر هدّاف كأس العالم 74 الذي كان قصره نعمة عليه وعلى بلاده، وأيضا الأسطورة الأرجنتينية الجديدة ليونيل ميسي· *** القدرة على تغيير الاتجاه هنالك ميزة كبيرة أيضا يتمتّع بها اللاّعبون قصار القامة وفقا لحديث الدكتور حسّون وهي (الدريبلينغ) أو تغيير الاتجاه من وضع الحركة، لذلك هم الأفضل في المراوغة، ويضيف: (لقد عرفت كرة القدم العالمية نجوما كُثر في مراكز بعينها، لذلك نجد اللاّعب القصير غالبا يتميّز إمّا مهاجما أو جناحا - على طريقة الجناح الألماني الشهير السابق ليتباركسي أو الجناح البرازيلي جارنيشا أو المهاجم الألماني مولر -· وهذا هو التفسير العلمي لظاهرة تفوّق اللاّعبين القصار المتعلّق بقدرتهم على تغيير اتجاهاتهم بسرعة وحفاظهم أكثر على توازنهم)، وفقا لحديث طبيب المنتخبات الوطنية القطرية للفئات الذي أشار في ختام حديثه إلى أن اللاّعب القصير عضلاته تكون أكثر ليونة من اللاّعب الطويل، وهي أيضا ميزة إضافية يتمتّع بها، وكذلك هو أسرع غالبا وأكثر مرونة ويعطيه ذلك تفوّقا كبيرا في المراوغة والحركة· وفي ختام حديثه يؤكّد الطبيب أن الموهبة وحدها لدى القصار والطوال هي السبب في تفوّقهم وليس الميزات الجسدية، كما أن الاجتهاد البدني والعمل والشغل على القدرات هو ما يجعل اللاّعب القصير أو الطويل الأفضل، فكلّ منهما عليه أن يشتغل على قدراته الأفضل التي يتمتّع بها·