أكد فضيلة الدكتور سلمان بن فهد العودة، الأمين العام المساعد لاتحاد العلماء المسلمين، أن الأزمات ملازمة للحياة منذ هبوط آدم من الجنة، مشيراً إلى أنّ الحكمة تبرز من خلال الهدوء الذي يتسم به الإنسان وعدم قبوله أن تتحول الأزمة سواء كانت محلية أو جزئية إلى أن تكون أزمة في داخل نفسه فتحرمه من مشاهدة الواقع وبالتالي تحرمه من مشاهدة الحلول أو الجوانب الإيجابية في حكمة الله تعالى الذي خلق الأزمة وبإزائها خلق الحياة، خاصة وأن الرسل -عليهم الصلاة والسلام- عاشوا هذه التجارب كلها ونقلوا لنا الصيغة التي يجب أن تحدث· ولفت فضيلته خلال برنامج (لقاء الجمعة) على قناتي (الرسالة) و(روتانا خليجية) إلى أن نبي الله نوح -عليه الصلاة والسلام- مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، دون أن يعيش أزمة من خلال التكذيب والسب والشتم الذي تلقاه، بل كان يخاطب قومه بالترغيب فيما عند الله (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً)· صبرٌ على المكاره وأشار إلى أن المؤمنين في أزمات الشدة والمعارك، أنزل الله تعالى عليهم السكينة، كما في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ)، مشيراً إلى أن السكينة هنا ليس معناها كما يعبر الناس - أحياناً- أنها حالة استرخاء أو لامبالاة، وإنما هي الصبر على المكاره وتحمل استفزاز الآخرين كما في قول الحق تعالى (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ)· أزمة الخلاف وحول قضية الخلاف أوضح د· العودة أن الصحابة -رضي الله عنهم- اختلفوا في مسائل كثيرة من بينها مسائل منصوصة في القرآن الكريم، إما بسبب الفهم، أو بسبب عدم بلوغ النص له، أو بسبب اعتقاده أن النص منسوخ أو أنه يقدم خاصّا على عام أو لاجتهاد من الاجتهادات، إضافةً إلى اختلافهم في القضايا الاجتهادية بما في ذلك مسائل السياسة الشرعية وقضايا الحكم اختلافاً كبيراً· وقال: إن أول خلاف حصل بين الصحابة كان في سقيفة بني ساعدة في قضية الخلافة، والتي انتهى الأمر فيها إلى اختيار أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، ثم جاء عصر السلف الذي شهد ميلاد المذاهب الأربعة المشهورة، الذين اختلفوا في قضايا جزء كبير منها منصوص إما في القرآن أو في السنة، ووجد ما يمكن أن نعبر عنه بأنها (أحزاب فقهية)، مالكي، وحنبلي، وشافعي، وحنفي فضلاً عن فقهاء المدينة السبعة، إلى جانب مدارس أخرى كالأوزاعي في الشام والمذهب الظاهري، مشيرا إلى أن هذا الاختلاف القائم لم يتقبله البعض أول الأمر ولذلك كان الإمام أحمد يقول: (لم نزل نلعن أهل الرأي ويلعنوننا حتى جاء الشافعي فأصلح بيننا)· وأضاف أن الإمام أحمد كان يُعجب بالشافعي ويُثني عليه ويدعو له ويأمر بقراءة كتاب الرسالة وخاصة الذي كُتب في مصر، لأنه استطاع أن يهدئ وتيرة الخلاف، مشيراً إلى أن جمهور أمة الإسلام تبعت هذه المذاهب الأربعة وقالت بها، ولا يكاد يوجد اليوم من يُضلل أو يتهم أحداً من هؤلاء· أخلاق الأزمة وأكد فضيلته على أهمية وجود أخلاق إسلامية والحفاظ على حق المسلم، ومنها: نصرة المظلوم، ورد السلام، وتشميت العاطس، وإبرار المُقسم، واتباع الجنائز، وعيادة المريض، مشيراً إلى ضرورة التحلي ب(أخلاق الأزمة) كالحلم مثلا عند الغضب (إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ)، إضافة إلى الصبر ومحاولة عدم الانفعال عند حدوث أي استفزاز لأن الأزمة بطبيعتها عابرة· وقال: على الإنسان هنا أنه يرجع ليُراقب نفسه بحيث يكون في الأزمة القادمة أكثر نضجاً وأكثر بُعداً عن الانفعال أو الاندفاع وأكثر قوة· ولفت د· العودة إلى أن أسوأ الأخلاق قضية نشر الاشاعات، ومقابلها التثبت (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) وفي قراءة (فَتَثبَّتُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، لأن الأزمة تورِّث غضباً، مشيراً إلى أن الغضب الذي يسيطر على الإنسان، ولا يملك معه أن يُلجم نفسه يتنافى مع أخلاق الأزمة لأنه يُفقده الحياد ويجعله يُصدِّق أشياء لأنها توافق ما يريد ويُكذِّب أشياء لأنها لا تنسجم مع ما استقر في ذهنه· الإعلام والأزمات وحول دور الإعلام اليوم في صناعة أو معالجة الأزمات رأى د· العودة أن الإعلام الجديد (تويتر) أو (فيسبوك) أصبح أكثر تأثيرا من الإعلام التقليدي، مشيرا إلى أنه قام بدور إيجابي في إيصال أصوات الناس والتعبير عنهم والتفاعل مع كل الأحداث بحرِّية وبدون رقابة، بمعنى أن الإعلام الجديد يعطي للمشاهد العادي دوراً فاعلاً ومؤثراً ويعطيه صوتاً· وأشار فضيلته إلى أن الإعلام التقليدي ليس محايداً في كل الأحوال، لأنه دائما ما يتخذ موقفاً (مع أو ضد)، مشيراً إلى أن الإعلام الرسمي في الغالب سيكتفي بالمديح والثناء والإفراط في الإشادة بالنجاحات والتقارير الإيجابية، إضافةً إلى أنه سيكون مقتضباً أو صامتاً حيال الأزمات، على خلاف العالم الغربي مثلاً أو الكيان الصهيوني الذي يتحلى بقدر من الشفافية والوضوح في الحديث عن الأزمة مما قد يخفف من حدتها· وحول تأثير (تويتر) على الشارع السعودي، رأى فضيلته أن تأثيره كان إيجابيا بشكل ملحوظ، مشيرا إلى أنه أعطى منبراً لمن لا منبر له، خاصة وأن 70% من الشعب السعودي هم من الشباب، الذين كانت أصواتُهم لا تصل بأي وسيلة إلا في نطاق ضيق جداً، بخلاف ما يحدث الآن· وقال (ليس هناك سبيلٌ إلى تدريبهم على استخدام الحرية أفضل من أن تمنحهم الحرية ليتعاملوا بها هم ويدركوا مسؤوليتهم عما يقولون أو يفعلون)· أزمة المثقف وأوضح أن الأحداث الأخيرة بما فيها (الربيع العربي) كانت اختباراً شديداً لكثير من المثقفين الذين أصبحوا بين خيار البحث عن دور لهم أو عن المصلحة الخاصة أو السكوت تجاه ما يحدث· وقال: أنا قد أعذر مثقفاً يسكت، لأن السكوتَ موقفٌ إيجابي، مشيرا إلى أن السكوت قد يعني الاعتراف بعدم الإقدام على التضحية، أو لأنه لم يتضح لي الموقف جلياً، لكن الذي لا يليق هو أن يسكت المثقف تخليا عن القيم أو المبادئ· * الصحابة -رضي الله عنهم- اختلفوا في مسائل كثيرة من بينها مسائل منصوصة في القرآن الكريم، إما بسبب الفهم، أو بسبب عدم بلوغ النص له، أو بسبب اعتقاده أن النص منسوخ أو أنه يقدم خاصّا على عام أو لاجتهاد من الاجتهادات، إضافةً إلى اختلافهم في القضايا الاجتهادية بما في ذلك مسائل السياسة الشرعية وقضايا الحكم اختلافاً كبيراً· * الأحداث الأخيرة بما فيها (الربيع العربي) كانت اختباراً شديداً لكثير من المثقفين الذين أصبحوا بين خيار البحث عن دور لهم أو عن المصلحة الخاصة أو السكوت تجاه ما يحدث· وقال: أنا قد أعذر مثقفاً يسكت، لأن السكوتَ موقفٌ إيجابي، مشيرا إلى أن السكوت قد يعني الاعتراف بعدم الإقدام على التضحية، أو لأنه لم يتضح لي الموقف جلياً، لكن الذي لا يليق هو أن يسكت المثقف تخليا عن القيم أو المبادئ·