دعا الأستاذ محمد مولودي خريج الجامعات الشرعية في سوريا ولبنان إلى إنشاء مؤسسات علمية لتخريج العلماء والفقهاء في مذهب الإمام مالك، ونفض الغبار عن هذا المذهب الذي عانى من الجمود وإغلاق باب الاجتهاد في فترة من الفترات على غرار بقية المذاهب السنية، مشددا على ضرورة إعمال قواعد المذهب مالك في استنباط الأحكام الشرعية في النوازل والمستحدثات من الأمور. ما هي الأهمية التي يمثلها تنظيم ملتقى مغاربي حول المذهب المالكي في ظل الحديث عن تسرب مذاهب جديدة إلى الجزائر؟ بغض النظر عن كل الحسابات الجانبية الأخرى التي تخدم وحدة المذهب المالكي، وتصب في مصلحة التآزر والتآلف الحاصل بين المذهبين المالكي والإباضي وبعض الأحناف الذين لديهم مساجد في ولاية المدية بحكم التأثير العثماني في المنطقة وحتى مع السلفية أيضا، وفي كل الحالات يجب ألا ننسى أن المذهب الغالب والسائد هو المذهب المالكي، وبسبب الأوضاع العلمية التي آلت إليها الأمور في المذهب كان من الضرورة بمكان أن نقوم بنفض الغبار عن الكثير من الأشياء التي علقت به. ما الذي أدى إلى ركود الدراسات الفقهية في المذهب المالكي؟ المذهب المالكي مثله مثل جميع المذاهب الأخرى التي مرت بركود وجمود وإغلاق باب الاجتهاد، وأصبح الأمر مجرد اجترار للفروع دون إعمال قواعد المذهب في استنباط أحكام النوازل (المسائل الجديدة)، ثم جاءت مرحلة الاستعمار الفرنسي لتزيد الطين بلة واستبدلت الأحكام الفقهية بالقانون المدني الفرنسي، وبعد الاستقلال بذلت جهود كبيرة لإعادة بعث المذهب المالكي واعتباره المذهب المعتمد في الجزائر، ويأتي هذا المؤتمر كحلقة من حلقات التجديد وإحياء الجانب العلمي منه. إنشاء جائزة للدراسات الفقهية في المذهبين المالكي والإباضي هل بإمكانه نفخ روح الاجتهاد في هذين المذهبين؟ استحداث جائزة لأفضل بحث فقهي وإن كان سيفوز بها شخص واحد فقط إلا أن عدد البحوث التي ستشارك في هذه المسابقة سيكون أكبر وهو ما سيثري المكتبة الفقهية في المذهب المالكي، وهذا جزء من العمل وليس كله، فلا بد من تدريس المذهب المالكي والعمل على إنشاء مؤسسات علمية لتخريج العلماء والفقهاء في المذهب المالكي، فلدينا في الجزائر نقص فظيع في المتخصصين والعلماء في الفقه المالكي، والمالكية ليست حفظ الفروع ولكنها العلم بقواعد الاستنباط حتى نواجه النوازل (المستحدثات من الأمور). ألا يعني تعدد المدارس في المذهب الواحد، وتعدد المذاهب في البلد الواحد يشكل خطورة على وحدة المسلمين؟ بالنسبة لتعدد المدارس في المذهب المالكي فهذا دليل على مرونة المذهب، فهناك المدرسة العراقية والمصرية والمغربية ومدرسة المدينةالمنورة، وهذه هي قوة المذهب أي أنه يتكيف مع أوضاع الناس، واختلاف الفروع ظاهره خلاف وحقيقته رحمة للناس وانسجام مع الواقع. والمصيبة أننا نتكلم عن موضوع أكاديمي لا يفقهه إلا أهل الاختصاص، ولكننا ننزل به إلى العوام ليتجادلوا فيه، أما بالنسبة لاختلاف المذاهب فهي من رحمات الله بالبشرية والمسلمين، والله سبحانه وتعالى جعل في النص قابلية للاستنباط وقابلية للفهم، والناس يتفاوتون في فهم الأشياء. ما رأيكم فيمن يقول لا مذهبية في الإسلام والحق أحق أن يتبع بغض النظر عن اتباع مذهب دون سواه، خاصة وأن المذاهب لم تعرف في زمن الصحابة؟ كلمة "لامذهبية"بدعة لم تكن من قبل، أما في زمن الصحابة وبالرغم من كون غالبيتهم علماء بأمور الدين، ومع ذلك اختلفوا في تفسير بعض النصوص، واختلفوا أيضا حيث لا نص في المسألة، كما حدث في قتل الجماعة بالواحد، حيث أفتى بعضهم بقتل الجماعة بالواحد، واكتفى الباقون بالدية حيث لا نص على المسألة، بل النص على أن النفس بالنفس. فلماذا لم ننكر على الصحابة اختلافهم وننكره على العلماء والفقهاء، أضف إلى ذلك، فإن ما كتب البقاء للمذاهب هو تدوينها وحفظها، ثم سهر أتباع المدرسة على حفظ الفروع وتقعيد القواعد حتى اكتمل البناء وسهل على المريد وطالب العلم والعالم على حد سواء. ومن أراد أن يفصل في هذا الموضوع فكتاب الدكتور البوطي "السلفية مرحلة مباركة وليست مذهبا فقهيا" خير معين. أخر كلمة؟ ليس لنا في الأخير سوى أن نبارك هذا الجهد الذي هو انطلاقة نحو الصواب، ولابد لنا أن نعلم أن حياة الفقه في تطبيقه، وأن تطبيقه يعني تحريك ترسانة من القواعد التي أبدعها العلماء وطوروها على مدى قرون من الزمن حتى استوت وآتت ثمرتها، فلماذا نهجر هذا الخير إلى غيره.