خلق الله تعالى النفس البشرية وخلق فيها الروح واختلف العلماء كثيرا حول بيان الفرق بين النفس والروح بالرغم من كثرة الآيات القرآنية التي تتحدث عنهما في عدة مواضع وكذلك أحاديث رسول الله _ صلى الله عليه وسلم_ خاصة عندما سأله اليهود عن الروح· وأقسم الله تعالى بالنفس في القرآن الكريم قال تعالى:(ونفس وما سواها· فألهمها فجورها وتقواها· قد أفلح من زكاها· وقد خاب من دساها) سورة الشمس الآيات من 7-10· يقول الدكتور عبد الفتاح عاشور، أستاذ التفسير بجامعة الأزهر: النفس الإنسانية كما وردت في هذه السورة آية كبيرة من آيات الله التي تستحق أن يقسم بها وهي كما وصفها المفسرون في غاية اللطف والخفة وسريعة التنقل والحركة والتغير والتأثر والانفعالات وهي التي لولاها لكان البدن مجرد تمثال لا فائدة فيه وتسويتها على هذا الوجه آية من آيات الله العظيمة وقوله تعالى:(قد أفلح من زكاها) أي طهر نفسه من الذنوب ونقاها من العيوب ورقاها بطاعة الله وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح وقوله تعالى:(وقد خاب من دساها أي اقترف الذنوب وارتكب ما يشينها· النفس الأمارة بالسوء ووصف الله سبحانه تعالى النفس في القرآن الكريم بعدة صفات منها النفس الأمارة بالسوء التي تأمر صاحبها بما تهواه من شهوات أو ظلم أو حقد وإذا أطاعها الإنسان قادته لكل مكروه قال تعالى: (إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم) سورة يوسف الآية 53· فأخبر الله عن تلك النفس بأنها أمارة وليست آمرة لكثرة ما تأمر بالسوء ولأن ميلها للشهوات والمطامع صار عادة فيها إلا أن يرحمها الله ويهديها إلى رشدها· والنفس اللوامة التي تندم على ما فات وتلوم عليه وهذه نفس لا تثبت على حال كثيرة التقلب والتلون فتذكر الله مرة وتغفل مرة وتقاوم المعاصي مرة وتنقاد لها مرة وترضي شهواتها تارة وتوقفها عند الحد الشرعي تارة كما قال تعالى: (لا أقسم بيوم القيامة، ولا أقسم بالنفس اللوامة) سورة القيامة الآيتان 1-2. الله (سبحانه وتعالى) يحدثنا عن يوم القيامة ويربط بينه وبين النفس اللوامة·· وهناك النفس المطمئنة التي سكنت إلى الله تعالى واطمأنت بذكره وأنابت إليه وأطاعت أمره واستسلمت لشرعه واشتاقت إلى لقائه وكرهت المعاصي وأقبلت على الطاعات وتخلصت من الصفات السيئة وهذه النفس يقال لها عند الوفاة: (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)· المراد بالروح ويضيف عاشور: أما الروح فقال عنها سبحانه وتعالى: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) سورة الإسراء الآية 85· قال ابن مسعود -رضي الله عنه -: كنت أمشي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في حرث في المدينة وهو متوكئ على عسيب فمر بقوم من اليهود فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح فسألوه وقالوا يا محمد ما الروح؟ فما زال متوكئا على العسيب فظننت أنه يوحى إليه فأمسك النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يرد عليهم شيئا فلما نزل الوحي قال: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)· واختلف المفسرون في المراد بالروح في الآية السابقة على أقوال منها: أن المراد بها أرواح بني آدم وقيل: جبريل وقيل: ملك عظيم بقدر المخلوقات كلها· وهذه الآية تتضمن ردع من يسأل حول بعض الأمور التي لا يقصد بها إلا التعنت والتعجيز وترك السؤال عن المهم فيسألون عن الروح التي هي من الأمور الخفية التي لا يتقن وصفها وكيفيتها كل أحد ولهذا أمر الله رسوله أن يجيب سؤالهم بقوله تعالى:(قل الروح من أمر ربي) أي من جملة مخلوقاته التي أمرها الله أن تكون فكانت· الروح والجسد وقال تعالى: (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين) سورة الشعراء الآية 193· والمقصود بالروح هنا جبريل -عليه السلام- أفضل الملائكة وأقواهم وقال تعالى في سورة القدر: (تنزل الملائكة والروح فيها) تهبط الملائكة من كل سماء ومن سدرة المنتهى ومعهم جبريل _عليه السلام- فينزلون إلى الأرض ويؤمنون على دعاء الناس إلى وقت طلوع الفجر والمقصود بالروح هنا الملائكة وهم خلق عظيم وقيل: الروح في هذه الآية المقصود بها الرحمة ينزل بها جبريل -عليه السلام- مع الملائكة في هذه الليلة على أهلها بإذن ربهم أي بأمره وقال تعالى في سورة الحجر: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) الآية 29· يتحدث الله (سبحانه وتعالى) عن خلق آدم عليه السلام· وعرف البعض الروح بالطاقة التي بثها الله في خلقه من كائنات حية على وجه الأرض فتحركها وتجعلها تتكاثر وتجعل الخلايا تنقسم وعندما تموت الخلية فإن هذه الطاقة المحركة تكون قد استنفدت ولكن النفس هي الهالة التي تحيط بالجسم وتلتصق به ولا تغادره إلا أثناء النوم وعند الموت وهذا التصور استنتجه العلماء من قوله تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) سورة الزمر الآية 42· فالنفس يتوفاها الله تعالى أي يأخذها ويعيدها إليه عندما ينام الإنسان ثم تعود له عند الاستيقاظ والإنسان جسد مؤلف من خلايا مادية مكونة من ذرات ولكن وجود الروح بين هذه الذرات يجعلها حية تتكاثر وتنمو وتعيش والنفس هي التي توجه هذا الجسد بما يحمله من روح فإما أن يتوجه الإنسان إلى بر الأمان بالعبادات والطاعات وفعل الخيرات وإما أن يهوي في واد سحيق بارتكاب المعاصي وترك ما أمر الله به من عبادات· خلق آدم ويوضح عاشور: خلق الله آدم جسدا ونفخ الروح فيه:(ثم سواه ونفخ فيه من روحه) سورة السجدة الآية 9· وفي يوم القيامة عندما تعود الأرواح إلى الأجساد بعد النفخ في الصور يقوم الناس أحياء يبصرون قال تعالى:(ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) سورة الزمر68_· استدل ابن تيمية على أن الروح المفارقة للبدن شيء آخر غير البدن وغير الحياة القائمة بالبدن بأدلة كثيرة ومن ذلك الحديث الذي يقول فيه الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيه لأصحابه لما ناموا عن الصلاة: (إن الله قبض أرواحكم حيث شاء وردها حيث شاء) وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول إذا نام: (باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها وارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)· * هذه الآية تتضمن ردع من يسأل حول بعض الأمور التي لا يقصد بها إلا التعنت والتعجيز وترك السؤال عن المهم فيسألون عن الروح التي هي من الأمور الخفية التي لا يتقن وصفها وكيفيتها كل أحد ولهذا أمر الله رسوله أن يجيب سؤالهم بقوله تعالى: (قل الروح من أمر ربي) أي من جملة مخلوقاته التي أمرها الله أن تكون فكانت·