كثيرًا ما نتّهم أعداءنا بأنّهم وراء عمليّة تشويه الإسلام والطّعن فيه، وهذا حقٌّ لا مِرية فيه، ولكنّنا ننسى، ولا نتعرّض لما يقوم به بعض المسلمين، بل بعض المنتسبين إلى العلم الشّرعيّ والدّعوة إلى الله من عمليّات تشويه وانتقاص وتزييف واختزال لديننا، ولا شكّ أنّ هؤلاء يزيّفون الإسلام بقصدٍ حسن وسلامة نيّة، لا كما يفعل الأعداء. ومن أعظم عمليّات التّشويه والاختزال التي نقوم بها، ما تعرّض له نظام الحِسبة من تزييف واختزال كان له أعظم الأثر على انحراف المسلمين وبُعدهم عن تطبيق الإسلام بشموله وكماله. لقد جعل الله تعالى الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر أمرًا واجبًا على الأمّة، بل جعله من إحدى خصائصها، قال تعالى: (كنتم خير أمّة أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر).. وهنا يتجسّد الإعجاز التّشريعيّ في استعمال مصطلحي (المعروف والمنكر) وهما مصطلحان شموليّان، المعروف: اسم جامع لكلّ ما أمر به الإسلام؛ فهو يشمل العقائد والأحكام والأخلاق والقيم.. أو بعبارة أخرى يشمل الحياة الاقتصاديّة والسّياسيّة والاجتماعيّة والعسكريّة والإعلاميّة والبيئيّة والعلميّة والتّربويّة. إذن نحن مأمورون بإقامة حياتنا على المعروف في كلّ جوانبها، كذلك نحن مأمورون بتطهير حياتنا من كلّ منكر يخالف الشّرع في جميع الجوانب السّياسيّة والاقتصاديّة... الخ. ولذلك كان الخطسأ العظيم في اختزال هذه الشّعيرة العظيمة في مسائل تتعلّق ببعض العبادات أو في بعض المنكرات السّلوكيّة والاجتماعيّة.. وقد ساهم هذا الاختزال في تشويه الصّورة الحقيقيّة للإسلام، وكان له عدّة آثار سلبيّة نذكر منها: تزييف حقيقة الإسلام واختزاله في بعض الشّعائر وبعض السّلوكيّات، بحيث إنّ من خالفها تمّ الإنكارُ عليه؛ والسّكوتُ والإهمال لجوانب ومرتكزات إسلاميّة هامّة كالمنكرات الاقتصاديّة والسّياسيّة والإعلاميّة.. ومن رأى هذه الصّورة ظنّ أنّ الإسلام يتجسّد في تلك الشّعائر والسّلوكيّات فقط. تشجيع أفراد المجتمع على ارتكاب المنكرات التي لا تُنكر في أوساط المجتمع المختزل؛ لأن الفرد الذي يعيش في مثل هذا المجتمع يتربّى ويتعوّد على نسقيّة معيّنة في باب المنكرات؛ إذ هو يرى السّكوت على أمور كثيرة، فيظنّها من المعروف أو من المباح، فيكون ذلك دافعًا له على ارتكابها، وهو لا يدري أنّها من أعظم المنكرات. اختزال الاحتساب في الشّعائر التّعبّديّة أو بعض السّلوكيّات يغرس اعتقادًا في النّاس بأنّ مهمّة تغيير المنكر خاصّة بعلماء الدّين والدّعاة وطلبة العلم الشّرعيّ فقط، أمّا باقي المسلمين فليس لهم علاقة بذلك، وهذا يحدث خللاً عظيمًا في الفهم؛ إذ إنّ تغيير المنكر مسؤوليّة الجميع بدلالة الحديث (من رأى منكم منكرًا فليغيّره..). إنّما شُرع الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ليكون حماية ووقاية للمجتمع المسلم من جميع الانحرافات، ليظلّ المجتمع متمسّكًا بجميع عُرى الإسلام، فإذا نُقضت عروة هبّ الجميع لإعادتها والإنكار على من نقضها. إنّ من يراقب أحوال كثير من المجتمعات الإسلاميّة يأسى على حالها؛ إذ يرى نقْض عُرى الإسلام عُرْوة عُرْوة، حتى أصبح يصحّ لنا أن نردّد تلك المقولة: (لم يبقَ من الإسلام إلاّ اسمه ولا من القرآن إلاّ