عمّ العاصمة الكويت الليلة قبل الماضية شلل تامّ لأوّل مرّة في تاريخها بعد إغلاق الشوارع الرئيسية والعديد من المحال والأماكن العامّة بشكل تامّ بسبب الوجود الأمني الكثيف الذي طوّق العاصمة، في محاولة لمنع المسيرة التي دعت إليها المعارضة. ونجح منظمو مسيرة (كرامة وطن 2) في مباغتة قوات الأمن بعد أن تمترست في العاصمة، حيث قاموا بتحويل المسيرة إلى مكان آخر، الأمر الذي تسبَّب في إرباك قوات الأمن، التي يحتاج تغيير أماكنها إلى وقت أطول للانتقال إلى نقطة التجمّع الجديدة للمتظاهرين. وبعد ذلك تواصلت الاحتجاجات والمسيرات في مكان التجمّع الجديد، وخرجت مسيرة ضخمة أغلقت طريقا حيويا في الكويت. الأمر الذي تسبّب في اختناقات مرورية امتدّت عشرات الكيلومترات. واعتقلت القوات الخاصّة عددا من المتظاهرين بشكل عشوائي بعد محاولتهم مغادرة موقع المسيرة فور انتهائها، وشهدت المسيرة إصابات على شكل اختناقات بسبب إلقاء الشرطة القنابل الصوتية وقنابل الغاز المدمع اتجاه المتظاهرين. وطالب المتظاهرون السلطة في الكويت بسحب مرسوم أميري يقضي بتعديل النظام الانتخابي الذي أقرَّته الحكومة، وهو المرسوم الذي رأى معارضون أنه يمهِّد لأسوأ مرحلة في المواجهة بين السلطة والمعارضة. وأكّد المنظمون في وقت سابق سلمية المسيرة، ودعوا إلى عدم تخريب أيّ ممتلكات عامة أو مواجهة أيّ من قوات الأمن، محذّرين في الوقت نفسه قوات الأمن من استخدام العنف مع المواطنين. تأتي تلك المسيرات بعد لقاءات عدّة جمعت أمير الكويت مع العديد من القوى والتكتّلات والشرائح الاجتماعية في الكويت، لنزع فتيل الأزمة التي بدأت تتفاقم بين السلطة والمعارضة. وأعلن الشيخ د. عجيل النشمي من حسابه في (تويتر) أن مجموعة من مشايخ الدين قابلوا الأحد أمير البلاد، وطالبوا بسحب مرسوم تعديل آلية التصويت في الانتخابات أو تأجيله، خاصّة وأن الأوضاع متوترة وتحتاج إلى تهدئة. وكانت السلطات الكويتية قد وضعت قوات الأمن (الشرطة، الحرس الوطني، الجيش) في حالة استنفار استعدادا للمظاهرات. وهدّدت باستخدام القوة، وقالت إنها ستتعامل (بحزم) مع أيّ تجمع (خارج على القانون) إذا استدعت الظروف الأمنية ذلك. ونقلت وكالة الأنباء الكويتية عن رئيس الوزراء الشيخ جابر مبارك الصباح قوله إن الحكومة (لا تميل ولا تحبّذ ولا ترغب في استخدام العنف، لكن متى ما تعرّض أمن الوطن وأمان مواطنيه للخطر، فلن نتردد في استخدام القوة في إطار القانون والدستور). وقد أصدرت الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان في وقت سابق بيانا ناشدت فيه بكافّة أبناء الشعب الكويتي (التماسك والتلاحم، للحفاظ على مكتسباتهم وحقوقهم الدستورية والتعبير عن رفضهم واحتجاجهم بكافة الطرق السلمية). وتتزامن تلك المسيرات مع دعوات وجهتها قوى وكتل سياسية لمقاطعة الانتخابات، بالإضافة إلى مقاطعة نواب سابقين، ومقاطعة اجتماعية من قِبل مواطنين وأصحاب ديوانيات ومكونات عريضة من المجتمع، الأمر الذي انعكس على عملية الترشّح للانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في الأوّل من ديسمبر المقبل. حيث لم تشهد إقبالاً من قِبل المرشحين في مؤشر على رفض شعبي وصفه مراقبون بأنه غير مسبوق. ويرى مراقبون أن ملامح مجلس الأمّة القادم باتت واضحة مبكّرا من خلال ترشح بعض الأسماء، وهو ما يحتم تواصل دعوة الشعب الكويتي إلى المقاطعة، وأن المجلس واجبه حماية الدولة من تطرف الحكومة وليس حماية الحكومة من الشعب. وفي موازاة الأحداث الدائرة في الكويت، شهد المنبر الديمقراطي الكويتي -وهو من أقدم الكتل السياسية في الكويت- المزيد من الانشقاقات بين صفوفه، حيث وقع عددٌ من المنتمين له على بيان يدعو للمشاركة في الانتخابات وسحب قرار المقاطعة. وقد أكَّد المنبر الديمقراطي أن هذا البيان لا يمثله، وأن قرار المقاطعة لا رجعة فيه، معتبرا أن هذا البيان (يأتي ضمن عملية تحطيم وتكسير إرادة الأمّة)، وأن هناك أناسا (يسعون لتمزيق المنبر الديمقراطي والقضاء عليه، وعلى دوره البارز في الحياة السياسية والاجتماعية في الكويت).