* أنا فتاة في السابعة والعشرين من عمري، مشكلتي هي أن والدي تزوج والدتي سرًّا عن أهله لمدة عشرين عاما، ثم بعد ذلك عرَّفنا على أهله، وطلب منا معاملتهم كما لو كنا نعرفهم منذ صغرنا، ثم بعد عام من معرفتنا بهم انفصل عن والدتي، ولا نعرف السبب إلى اليوم سوى أنه كلما فُتِح معه الموضوع قال أنا تعبان ولا أتحمَّل المشاكل، بعد ذلك كلما تقدم لي خطيب من ناحية أهل أمي يرفضهم بحجة اختلاف النسب والقبيلة، ولم يتقدم من ناحية أهل أبي أحد لخطبتي، وقد تزوج جميع إخوتي من أبي ولم يبقَ إلا إخوتي الصغار، وأنا أشعر بأن أبي ظلمني، وأريد حلاً لهذا الوضع.. أرشدوني ماذا أفعل؟ ** الأخت الفاضلة حفظها الله.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فإن هذا الفهم السليم الذي منَّ الله عليك به، هو الفهم الذي ينبغي لكل فتاة مؤمنة أن تكون عليه، فإن من أعظم ما يصون به الإنسان دينه وعرضه هو الزواج الذي شرعه الله في كتابه، وحث عليه -صلوات الله وسلامه عليه- حثاً بليغاً، حتى ثبت عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء) وفي نفس الوقت أيضاً هو الفهم الذي يمكن أن يحل لك مشكلتك، وأن يتم إقناع والدك به. فلا بد من الصراحة والوضوح مع الوالد، ولا بد أن تجلسي مع والدك جلسة منفردة، بحيث تمهدين لهذه الجلسة حتى لا يدخل عليكما أيّ إنسان، ثم تبدئين بمقدمة مع أبيك، تبينين له أنك على يقين كامل أنه لا يوجد أحدٌ أكثر حرصاً عليك منه، وأنك موقنة أيضاً أن كل ما يقوم به، وكل رأي يتخذه إنما سببه والحامل عليه هو حبه إياك وشفقته عليك، ثم تنتقلين إلى بيان ما تريدين، وإلى شرح رأيك في هذا الموضوع، وأنك الآن في السابعة والعشرين وبعد مدة يسيرة سوف تكونين على أبواب الثلاثين، فلماذا يعارض فرصة زواجك من رجل فيه الصفات التي ترغبينها، والتي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن الفرصة ربما تفوت وتبقين عانساً، وهل يضمن وجود زوج صالح مناسب من نفس قبيلته أو عائلته. فبمثل هذا الكلام الرقيق، الذي يحرك القلب، وبمثل هذه الحجج الواضحة سوف تؤثرين جداً على أبيك، وربما لن تجدي عسراً ولا صعوبة في تغيير رأيه. وأيضا لا بد من بيان الحكم الشرعي الذي بينه الله تعالى في كتابه العزيز هو أنه لا يجوز لأيّ إنسان أن يكون عائقاً ومانعاً من إتمام الزواج للمرأة إذا رضيت خاطبها، وكان هذا الخاطب ممن يرتضى في دينه وخلقه، بل إن الأب نفسه لا يجوز له أن يمنع ابنته من الزواج من الرجل الكُفء لها، كما قال تعالى: (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف). والمقصود أن عليك مصارحة والدك على النحو الذي أشرنا إليه، وعليك أيضاً باستخدام الأسلوب الرفيق الهادئ الذي تشعرينه أنك تقدرين رأيه وتعلمين حرصه عليك وعلى سعادتك وفرحتك. فبمثل هذا الأسلوب حاولي أن تقنعي والدك، هذا بالإضافة إلى محاولة طلب المساعدة من بعض الأقرباء ممن لهم تأثيرٌ على الوالد، فحاولي أن تضمي لصفك من تستطيعين من أهلك ليؤثروا بدورهم على رأي والدك. وأيضاًَ فإن الدعاء هو سلاح المؤمن، وعليك بالتوكل على الله والاستعانة به وطلب الفرج منه، فإنه هو الذي يلين القلوب وينجح المساعي ويعطي ويقضي الحوائج، (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان). وعليك بصلاة الحاجة التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقضي الله حاجتك ويزيل همك ويكشف كربك. ونسأل الله لك التوفيق والهدى والسداد.