بين الأدب والغناء وجدت الفنانة اللبنانية جاهدة وهبة خط التماس الذي لطالما لعبت على وتره في مجمل أعمالها، حيث انتقلت من مجرد الأداء للطرب الأصيل إلى مرحلة تشبع كلمات القصائد التي تغنيها وتلحنها، لتجعل من صوتها رباطا وثيقا يشد القصيدة باللحن والإحساس. تنطلق الفنانة اللبنانية جاهدة وهبة من فن الطرب الذي تتقنه إلى تجربة موسيقية معولمة تتزاوج مع قصائد الأدب العربي والعالمي، وهي تقر بأنها مسكونة بهاجس البقاء وتؤمن بأن الفن يقدم خشبة خلاص للإنسان العربي. من غونتر غراس إلى بابلو نيرودا، ومن أحلام مستغانمي إلى طلال حيدر، تبدو جاهدة وهبة التي تتمتع بملكة الصوت والمسرح والتلحين وبحضور طاغ، مصممة على غناء كلمات نخبوية في ظاهرها، وموغلة في الإنسانية في عمقها. ففي ألبومها السابق (كتبني)، غنت لمستغانمي (يا ولدي ووالدي وأب أولادي، يا كبدي وكيدي ومكابدتي، يا سندي وسندياني وسيدي)، ولغراس (لا تكتب رسالة... من يكتب الرسالة يوقع على بقاياه). وقالت وهبة لوكالة فرانس برس على هامش مهرجان ترايبيكا السينمائي في الدوحة إن (القصائد هي التي تختارني وليس أنا من أختارها. أنا أمرض بالقصائد، أعيش قلقا داخليا من خلال القصيدة، ولا يهدأ هذا القلق إلا عندما أغنيها). وأضافت (تصبح هذه القصيدة هاجسا وتسكنني وأبدأ لا شعوريا بالبحث عن لحن للقصيدة، كمن يبحث عن الثوب الأجمل). وجاهدة نفسها شاعرة وحقق كتابها (الأزرق والهدد) عن الحب في زمن الفيسبوك، مبيعات جيدة، إلا أنها لم تغن أيا من قصائدها في أعمالها الغنائية المنشورة. وعن كيفية اختيار القصائد للتلحين، قالت وهبة (هناك قصائد أرغب أن أقدمها للناس التي لا يتسنى لها أن تقرأ الشعر... اختار هذه القصائد ليس من باب العالمية بل من باب الإنسانية). وأضافت (إذا كانت القصيدة تتعاطى مع إنسانية الإنسان وبرهافة مع واقع الإنسان والأسئلة التي تسكنه كل يوم، فهي ما أريد، مثل قصائد غونتر غراس التي تطرح إشكالية الوجود والعلاقة مع الله والآخر وإشكالية الموت وما بعد الموت). وبالنسبة للفنانة التي لبست عباءة الطرب لسنوات كثيرة وشاركت في أعمال مسرحية مع ريمون جبارة وجواد الأسدي وغيرهما بعد دراسات معمقة في المسرح والموسيقى، فإن الفن يمكن أن يقدم للإنسان السعادة، لاسيما للإنسان العربي المثقل بالجراح. وقالت في هذه السياق (أشعر أن صوتي يساعد الناس على اكتشاف أمور أجمل في هذه الدينا، ويذهب شيئا من الضجر اليومي في حياة الؤنسان، وهذا ما يفعله الفن عموما). وأضافت (الفن هو الذي يجعل الحياة أجمل خصوصا في عالمنا العربي الذي نرى فيه كل يوم الحالة العبثية السياسية والاقتصادية التي تقدم الخيبات للإنسان على سجادات فاخرة). فكما كان الفن بالنسبة للكاتب الفرنسي أندريه مالرو الوسيلة لتجاوز قدر الإنسان، فبالنسبة لوهبة، (الفن هو المنقذ وهو خشبة الخلاص الذي يجعلنا نتمسك بالغد). وقالت في هذا السياق (للأسف اليوم في العالم العربي، لا يوجد غد. الموسيقى والفن يمكن أن يعيدان هذه المساحة للحلم في العالم العربي). وإذا كان الفن بابا لسعادة الإنسان، فهو أيضا بابا لبقاء مبدعه. وقالت الفنانة (أنا يسكنني هاجس بأن أقوم بشيء يبقى، وأتأمل أن يبقى شيء مما أقوم به). وترى وهبة أن الأغنية هي (تحالف من أجل البقاء) بين الكلمة واللحن والمغني ف(الموسيقى يمكن أن تنقذ الكلمة والكلمة قد تنقذ الموسيقى، والاثنان ينقذان الفنان). وخرجت وهبة التي لقبت يوما من قبل معجبيها بأم كلثوم لبنان، من تحت مظلة الطرب لتقدم فنا يعبر عنها أكثر، دون أن تنفصل تماما عن هذا النمط الذي ما زالت تؤديه في جميع حفلاتها في العالم وتستقي من تقنياته الغنائية.