فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا تسمم زعماء إمارة أولاد سيدي الشيخ بقلم: طيب بن براهيم الحلقة (208) الاستعمار عدو للشعوب وما قام به الاحتلال الفرنسي في الجزائر فاق ما يتوقع من أي عدو مع ضحيته وكل محطة نتوقف عندها من محطات الاحتلال نرى أثر الهمجية والوحشية والاجرام بكل أنواعه من قتل النساء والشيوخ والأطفال الفارّين في مخابئهم ومغاراتهم خنقا إلى قتل زعماء المقاومة بالسم غدرا إلى محطات مذابح الثامن ماي (8 ماي) 1945. لقد استعمل الاحتلال الفرنسي في الجزائر كل ما عرفه التاريخ من أدوات ووسائل للقتل والفتك وزاد عنها ما أبدعته التكنولوجية العسكرية للحلف الأطلسي التي كانت تقف وراءه في آخر أيامه وهو الحرق بالنابالم والرمي جوا من الطائرة والابداع والتفنن في القتل بالتعذيب وقطع بعض الأعضاء وختمها قبل طرده بتجاربه النووية. وكم هي محطات مذابح وجرائم الاحتلال الفرنسي في كل شبر من أرض الجزائر والتي نرجو أن يضع لها مؤرخونا قاموسا يوما ما. ومن الأوصاف المأثورة للفرنسيين من قبل شخصيات جزائرية وجدتها مناسبة في هذه الحلقة ما قاله الامير عبد القادر الذي خبرهم عن قرب وقال عنهم: إن هؤلاء الفرنسيين ليس لهم دين !!. وقبله قال عنهم حمدان خوجة 1773 -1842 صاحب كتاب المرآة : اللهم ظلم الترك ولا عدل الفرنسيين . لقد اشتهرت فرنسا عن غيرها عبر تاريخها باستعمال السم في جرائم القتل خاصة قبل الثورة الفرنسية 1789 وتواصلت الظاهرة انتشارا وأرعبت السكان مما أدى إلى إنشاء هيئة تتولى التحقيق والمحاكمة في تلك الجرائم التي روعت الفرنسيين وذلك في عهد الملك لويس الرابع عشر وأجبر المشرِّع الفرنسي على وضع نصوص خاصة بعقوبة تلك الظاهرةسنة 1810. وبعد احتلال فرنسا للجزائر استعمل الفرنسيون مع شعبها وزعمائها كل أنواع الإجرام المتوارثة لديهم عبر تاريخهم. والقتل بالسم أحد تلك الأدوات واللجوء لاستعماله ضد الخصم هو قتل غير مباشر يعكس عجز صاحبه عن القتل المباشر والخوف من عواقبه فيلجأ القاتل للقتل بالسم غدرا للمغدور به وبدأ استعمال هذا السلاح مع آخر زعماء أولاد سيدي الشيخ بعد عجز فرنسا عن تحقيق أهدافها وفرض انتصاراتها وكانت حالة كل وحد منهم تختلف عن الآخر. زعماء أولاد سيدي الشيخ الذين قتلوا بالسم وفي هذه المناسبة هنا نتوقف عند القتل بالسم الذي استعملته فرنسا وطال خمسة من زعماء أولاد سيدي الشيخ كان أولهم أكبرهم وأشهرهم السي حمزة بن بوبكر أسد الصحراء كما وصفه الفرنسيون والذي فشلت معه كل محاولات الترويض والتقارب وثانيهم الذي قتل بالسم هو بوبكر بِكر السي حمزة السالف الذكر الذيتم تنصيبه باش آغا بعد مقتل أبيه وليس خليفة كأبيه ولكنه قتل قبل عام من تنصيبه وكانت فترة آغويته أقصر من غيره. وثالث شخصية قتل بالسم هو السي أحمد بن حمزة وهذا بعد مقتل أبيه وأخيه قبله بنفس الوسيلة وقد تحدثنا على السي أحمد بن حمزة في حلقة خاصة (الحلقة 206) والشخصيات الثلاث قد سبق الحديث عنها. أما الشخصية الرابعة من أولاد سيدي الشيخ الذي قتل بالسم هو السي حمزة بن بوكر حفيد السي حمزة الأول والمعروف شهرة ب حمزة بالصبيعات الذي ولد سنة 1859 وبعد سنتين قتل والده بالسم كما قتل بعدهعمه السي أحمد ولوفاة أبيه وصغر سنه حاولت فرنسا أن تتكفل بتنشئته وتكوينه بعيدا عن ثقافة عائلته وحتى لا يتبع نهج أجداده فأخذته بعض الوقت بعيدا إلى مدينة معسكر ليتمتع بشبابه بعيدا عن أهله لكن الشاب كان وجدانه وتفكيره مرتبطا بتاريخ آبائه وأجداده مما جعله ينسق مع زاوية الأبيض لتنظيم لقاء مع الشيخ بوعمامة الذي هرّبه لعمه قائد المقاومة السي قدور بن حمزة (وهذا سنتحدث عنه لاحقا إنشاء الله) لكنه عاد بعد ذلك لفرنسا التي نصبته باش آغا على سكان جبل عمور وحتى بعد زواجه من سيدة فرنسية هي السيدة مارغريت فيري ابنة ضابط دركي متقاعد لم يتغير فكره وتوجهه المعادي لفرنسا حاله كحال من تزوجوا بفرنسيات وقاوَموا فرنسا (مصالي الحاج - فرحات عباس- مالك بن نبي...) وأخيرا لم تجد فرنسا حلا مع السي حمزة غير الذي استعملته مع أبيه وجده قبله وهو التخلص منه بالسم الذي يقال وضعته له في حذائه حسب الرواية الشفوية المتداولة فمات السي حمزة بالصبيعات مسموما سنة 1913 بمدينة البيض التي كان يقيم بها ودفن هناك. أما الشخصية الخامسة والأخيرة من أبناء أولاد سيدي الشيخ الذي قتل بالسم أيضا هو حفيد ثان للسي حمزة الأول فالحفيد الأول الذي قتل بالسم هو السي حمزة بن بوبكر بن حمزة والحفيد الثاني هو أيضا يسمى حمزة وهو أيضا حفيد للسي حمزة الأول لكنه ابن ابنه قدور قائد المقاومة وقد سبق له أن اعتقل وهو طفل صغير مع أمه وأخيه محمد في إحدى معارك أبيه السي قدور مع الفرنسيين حيث أصيب الأب بجراح ونجا من الاعتقال والقتل بأعجوبة. الزعماء الخمسة الذين قتلوا بالسم كلهم من عائلة السي حمزة: الأب السي حمزة والابنان بوبكر والسي أحمد والحفيدان حمزة بن بوبكر بالصبيعات وحمزة بن قدور الحاج حمزة وكان ثلاثة منهم يحملون اسم حمزة :الجد والحفيدان. أصبح السي حمزة بن قدور الحفيد باش آغا على الأبيض وكان من كبار قادة أولاد سيدي الشيخ التاريخيين وعرف ب الحاج حمزة ويتحدث الأب روني فوايوم عن وفاته بالسمسنة 1931 كما كان متداول والأب فوايوم حل بالأبيض بعد وفاة الحاج حمزة بسنتين فقط لتأسيس إرساليته سنة 1933 ويقول إن الحاج حمزة ترك بعد وفاته ثمانية أولاد اثنين منهما ماتا قبل أبيهم هما:الدين وقدور وثالثهما خلف أباه وأصبح يُعرف بالقايد سليمان ونائبه أخوه الشيخ الذي عرف لاحقا بالقايد الشيخ بعد وفاة أخيه سليمان سنة 1942 وأخوهما الجامعي الوحيد آنذاك هو السي بوبكر حمزة وكان الأب روني فوايوم يعرف الثلاثة والتقى معهم وجالسهم خاصة مثقفهم السي بوبكر حمزة عميد مسجد باريس لاحقا. كما كان يلتقي مع كثير من الأعيان وكبار السن ويستفيد مما لديهم من معلومات وحقائق تاريخية عن أولاد سيدي الشيخ بعضهم كان شاهدا على بعض تلك الأحداث.