يوم توعكت بأدبهم انعتقت، يوم أسرتني قصائدهم رأيتني أغزل مناديل أحلام، أوراق احمالات، انغام أتلمس عبق حروفهم الشجراء، بكل ما أوتيت من حواس أنتحب، أنتحر على مقصلة الكلمات فتولد الألحان، مولودي الحبيب ألبوم "كتبت" خرج أخيرا لحنا وإنتاجا بعد مخاض عسير، هذه الكلمات المعبرة التي كتبتها جاهدة وهبة الفنانة اللبنانية الكبيرة صاحبة الصوت القوي والشهادات الثقيلة في مختلف الميادين، (علم النفس، الموسيقى، التمثيل والإخراج ) وصاحبة الأغاني الكلاسيكية، الصوفية والوطنية··· جاهدة وهبة تحدثت ل "المساء" عن أجواء ميلاد هذا المولود، عن طرحها أحلامها، أسفها، حزنها وأمور أخرى تابعوها معنا··· *"المساء : في ثاني زيارة لك للجزائر، كيف وجدتها وكيف وجدت جمهورها؟ -جاهدة وهبة: لقد استمتعت كثيرا بوجودي في الجزائر، لقد كانت السهرة رائعة والجمهور ذواق وسميع، وحاولت قدر الإمكان تلبية كل الأذواق، حيث نوعنا في الأداء وقدمت أغنية من التراث الجزائري، باسم الله نبدا كلامي وغنيت لمحمد عبد الوهاب ومن قصائد الحلاج، والكبيرة أحلام مستغانمي، وغونتر غراس، أتمنى أن يكون لي لقاء بالجمهور الجزائري في مختلف الولايات· * مسرح·· سينما·· طرب·· ما هي أولوياتك للمرحلة القادمة؟ - عندي حفلات في لبنان وعندي أيضا عرض مسرحية جديدة للمخرج العراقي جواد الأسدي عن نص للأديب الكاتب الإسباني لوركا بيت بارناردا ألبا بدأت التمرن عليها منذ أربعة أشهر، وقد تصرف فيها المخرج وأصبح اسمها نساء السكسفون، وأنا أقوم ببطولة هذا العمل الذي سيكون تمثيليا غنائيا، كوريغرافيا سأمثل وأغني، كما سأقدم أغنيات البومي الجديد في الدول العربية· * في مسرحية برناردا ألبا من ستكونين، وهل تعرفين أن مسرحية برناردا ألبا قد عرضت على المسرح الجزائري بتوقيع مثلين جزائريين؟ - تضحك·· تخشن صوتها ثم تقول، سأكون برناردا القاسية جدا··· ولكن الأستاذ جواد الأسدي تصرف فيها كثيرا، حيث أخذها إلى مكان مختلف كليا وقربنا الى الكوميديا السوداء وعمل فيها إسقاطات على الوضع العربي وعلى الوضع اللبناني، طبعا لأن برناردا تمثل السلطة وأبناءها يمثلون أبناء هذا الوطن، كما أن إخراجها كان رائعا وأتمنى أن يتسنى لنا عرضها بالجزائر، وقد سمعت أنها قدمت بالجزائر، لكن للأسف لم أتفرج عليها، طبعا هي مسرحية مشهورة جدا جدا، ولكن الأستاذ جواد أعاد كتابتها وفيها تنوع، رقص، غناء وتمثيل· * كيف تعاملت مع نصوص غراس الصعبة جدا؟ - غراس الأديب الألماني الكبير، لقد لحنت له خمس قصائد، وقد سمع الجمهور قصيدتين وهما أحذيتي الفارغة ولا تلتفت إلى الوراء، نصوص صعبة جدا لأنها عبثية وفي نفس الوقت تحمل فلسفة عالية تناقش اشكالية وجود الإنسان، علاقته بالخالق، علاقته بالكائنات، لقد كانت مغامرة حيث أتطرق الى هذا النوع من القصائد، وأحب أن أقول أن الترجمة خدمت كثيرا الأغنية، والتي قامت بها العراقية الكبيرة الشاعرة آمل الجبوري التي ترجمتها بشكل رائع، فحتى البنية اللغوية والأسلوب كانا رائعين، وأنا شخصيا أحببت القصيدة وأظن أن هذا هو سر نجاحها وشهرتها العالمية، خصوصا أنها تضم خليطا موسيقيا من الغناء البربري، الفلامنكو، الأندلسي الشرقي والغربي أيضا، خصوصا أنها قصيدة إنسانية تحاكي الإنسان في كل زمان ومكان، وأنا أنتحر على مقصلة الكلمات فتولد الألحان· * كم استغرق وقت تلحينها؟ - لقد أعدت تسجيلها ثلاث مرات، فكلما دخلت الأستوديو رفقة الفرقة الموسيقية وشعرت أنها لا تلبي طموحاتي نعيد تسجيلها، وكلما طرأت أفكار جديدة في التوزيع قدمناها بشكل جديد، لأن القصيدة تحمل هنا التنوع، ولا أخفيك أني استيقظت ذات صباح وقد علقت الميلودي الاساسية للأغنية بذهني، ثم سعيت لتركيب المقاطع فتركت مساحات للارتجال بين المقاطع للسامع، وكأني أساعد المتلقي لأترك له فرصة التفكير في مقاطع القصيدة العميقة جدا· * كيف تقيمين تجربتك مع التلحين والإنتاج في ذات الوقت؟ - والله تجربة مريرة في الإنتاج يا سيدتي، ألبوم كتبتني الذي صدر في الشهر الرابع من هذه السنة، أخذ مني مجهودا كبيرا، إنها أربع سنوات كاملة، وكان من إنتاجي الخاص، فكلما توفر لدي مبلغ من المال حتى وان كان بسيطا، أسجل أغنية حتى أكمل هذا الألبوم، وكان مغامرة، ولكن الحمد لله، أثبت أنه يحقق نفسه من خلال نجاحه وتلقفه من طرف الجمهور بشكل جميل جدا، وحصوله على أعلى المراتب في ترتيب التوب تان، أما من ناحية الألحان فكلها من إبداعي وحرصت على أن تكون من ألحاني·· ويستثني لي في الألبومات القادمة تقديم أغاني من ألحان الأستاذ مرسيل خليفة، وديع الصافي، إيلي شويري، لكن في هذا الألبوم بالذات اخترت أن تكون كل الأغاني بمناخ جاهدة وهبة، ووجدت أنه يمكنني أن أقول أشياء كثيرة من خلال هذه الأغنيات· * هل تهمك أسماء الشخصيات التي تشاركك على المسرح؟ - أنا يهمني تقديم عمل نظيف، مرموق، راق، أصيل، جدي··· ليست الأسماء هي التي تهمني، بل ما يسمع الناس يوما ويشاهدوه، أحب تقديم أشياء تشبهني، ما تربيت عليه، ما قرأت من أدب، ما تأصلت عليه من موسيقى وشعر وقصائد، بالطبع لا أستطيع التعامل مع شركة فنية عندي مأخذ عليها أو لا أتفق معها·· أو مع أناس لا أحترمهم، ومن هذا المنطلق أحرص على التعامل مع أناس يكون هناك تماه بيني وبينهم، بالتفكير والتطلع الى ما نريد تقديمه، تهمني المادة الفنية والأخلاق، أنا لا أرتاح في التعامل مع أشخاص لا يشبهونني·· وكل الأسماء التي تعاملت معها أغلبها لأصدقاء مثل الأستاذ طلال حيدر، طيعة عباس عمارة، أحلام مستغانمي، وحتى الموسيقيين تجمعني بهم صداقة، وهو الأمر الذي ينعكس على العمل الذي نقدمه سواء في الغناء أو المسرح، حيث نحاول أن نشيع جوا من الحميمية والصداقة· * الكثير من المطربين العرب يحاولون تقديم الطبوع اللبنانية الصعبة كالميجانا والعتابا مثل صابر الرباعي، ما رأيك في التجربة؟ - أنا أعتقد أن التجربة قد نجحت معه وهو صوت رائع وقد نجح في اللحن، فأي نموذج للتفاعل بين مختلف فناني الوطن العربي شيء جميل، هذا التعاون والتلاقح بين الاغاني والفنون والمقامات، بالطبع، أي تجربة تشوه هذا الشيء نرفضها، لكن تجربة صابر رائعة وأنا شخصيا غنيت من التراث الجزائري باسم الله نبدا كلامي، فجميل جدا إيصال المروث الثقافي الى أبعد مكان ممكن، لأنه في هذا العصر العولماتي يخشى أن يندثر التراث، لأننا أصبحنا نستورد من الغرب، فكلما غرفنا من تراثنا وقدمناها لأسماء الجماهير العربية فهذا أمر يكرس التراث ويساهم في تثبيته اكثر· * من يلفتك عربيا وتفكرين في التعامل معه؟ - طبعا صابر الرباعي صوت رائع، كنا أني معجبة بتجربة الأستاذ حسين الجسمي وأتمنى أن نسجل دويتو معا، وطبعا أصالة، كاظم الساهر، وهناك أسماء عربية لافتة جدا، أتمنى أن يكون بيننا تواصل في الألحان أو الغناء· * ما هو ذوقك في السينما؟ - ذوقي متنوع، أحب السينما التاريخية، السينما الدرامية التي تناقش المواضيع العاطفية، الفلسفية، لكني بعيدة عن أفلام الرعب، والأفلام الخيالية لا تستهويني، السينما الجزائرية مهمة في هذا المجال، وقد كانت لنا تجربة مع المخرجة نادين لبكي "سكر نبات"، وأنا بصدد تحضير موسيقى تصويرية لفليم لبناني من اخراج ديو بوعيد ويعجبني أداء أكثر من فنان مثل روبرت دي نيرو، جوليا روبرت، توني هوبتن· * لو وضعنا الفن في كفة والعائلة في كفة·· ماذا تختار جاهدة؟ - "أوخ"··· الفن يأخذ الكثيرمن أوقاتي وحياتي، أسرتي أهلي حاضنتي، وأنا على تواصل معهم ولا أستطيع أن أقدم حفلا دون سماع صوت والدتي وأخذ بركاتها وحتى إخوتي في المهجر يتابعون أعمالي، لكن أن أحقق أسرة مشروع بات بعيدا بالنسبة لي، فأنا الآن في أوج عطائي الفني، فإذا أردت تأسيس أسرة سيكون هناك تباطؤ في عطائي الفني وظلم أيضا للطفل الذي سأنجبه، أنا حاليا مركزة على فني فهو أسرتي، أسرتي الكبيرة، وأحس أن الفن يملأ حياتي وأخذ من وقتي الكثير، تأسيس أسرة مشروع بعيد جدا، فدراستي لعلم النفس لدى الأطفال تؤكد لي أنه لا يمكنني أن أؤسس أسرة وأتابع الفن في ذات الوقت·· ربما لو حدث هذا منذ زمن·· لكن الآن مستحيل فالزواج غدا فكرة بعيدة كل البعد· قلت··· آسفة سيدتي·· بعدما لاحظت درجة التأثر التي وصلت إليها·· ردت بابتسامة خجولة، على ماذا لقد اعتدت على هذا السؤال· شكرتها على الحوار الشيق بعدما وعدتني بالغناء في الجزائر كلما سمحت الظروف.