رئيس المجلس الرئاسي الليبي يغادر الجزائر    الفريق أول شنقريحة يتباحث مع قائد الأركان العامة للجيوش الموريتانية    اليوم الوطني للهجرة: ندوة تاريخية حول مجازر 17 أكتوبر 1961    إحياء رأس السنة الأمازيغية الجديدة 2975 : تنصيب اللجنة الولائية التحضيرية بتيميمون    الأيام الإبداعية الإفريقية 2024: السيدة مولوجي تشرف على افتتاح المائدة المستديرة "الاقتصاد الابداعي الشامل" بالجزائر العاصمة    اتفاقية شراكة بين المدرسة العليا للاقتصاد بوهران والوكالة الوطنية لدعم وتطوير المقاولاتية    150 مؤسسة تشارك في معرض المنتوجات الجزائرية بالدوحة من 22 إلى 26 أكتوبر    المهرجان الدولي للمسرح ببجاية: مسرحية "تيرا مادري" للفرقة الإيطالية "تياترو بلو" أو نداء نجدة الطبيعة    افتتاح المهرجان الثقافي الدولي السابع "الصيف الموسيقي" بالجزائر العاصمة    رئيسة جمهورية الهند تنهي زيارة دولة إلى الجزائر دامت أربعة أيام    شركة فلاوسرف الأمريكية تعزز حضورها في الجزائر بالتعاون مع سوناطراك    عون يستقبل الرئيس المدير العام لشركة "ايلينك" الصينية    رئيسة جمهورية الهند تغادر الجزائر بعد زيارة دولة دامت 4 أيام    الجزائر تدعو إلى اجتماع عاجل لمجلس الأمن حول غزة    النعامة.. وفاة سبعة أشخاص وجرح 19 آخرين في حادث مرور ببلدية مغرار    الأمم المتحدة تدعو لتحقيق عاجل في الغارة الصهيونية المستهدفة لمبنى سكني شمال لبنان    فلسطين تحذر من تصاعد جرائم الحرب في غزة وتدعو إلى تحرك دولي    النعامة : وفاة سبعة أشخاص وجرح 19 آخرين في حادث مرور ببلدية مغرار    400 ألف فلسطيني مُهدّدون بالموت جوعاً وعطشاً    إمداد الاحتلال بالسلاح شراكة في جرائمه    تقدير فلسطيني لدعم الجزائر    هذا ما قالته أديداس عن قمصان الخضر ..    هذا سجل مشاركات الجزائر في كأس إفريقيا    تجربة منتخب نيجيريا في ليبيا خطرة جداً    يايسي: الجزائر تلتزم بالانتقال نحو الطاقة الخضراء    دكتوراه جزائرية لرئيسة الهند    حوادث المرور تودي بحياة 2605 شخص خلال 8 أشهر    الستوريات.. من المناسبات السعيدة إلى الجنائز    إطلاق خلية تفكير لإنشاء الشبكة الوطنية للنساء الوسيطات    توقيع اتفاقيتي تعاون دولي    سوناطراك تُعزّز شراكاتها    فتح باب الترشح للانضمام إلى قائمة الوسطاء    منصّة رقمية لتسيير مصالح الاستعجالات    نشوب عدة حرائق للغابات والأحراش وطنيا    الفريق أول شنقريحة يحل بالعاصمة نواكشوط    الجزائر تتطلع لتتويج اللقاءات الثنائية بين البلدين بنتائج مثمرة    اليوم الدولي للنساء الريفيات: التأكيد على دعم الدولة لتعزيز النتائج المحققة    93 ألف طفل دون سن العاشرة في غزة تم تطعيمهم    اللجنة الوطنية للأطباء المقيمين في إضراب وطني لمدة 3 أيام    صحة: منصة رقمية لتسيير وتنظيم جميع مصالح الاستعجالات الطبية    كرة القدم: وفاة الحكم الدولي السابق بلعيد لكارن    سايحي يشرف على لقاء حول "الرقمنة والاستعجالات الطبية والتلقيح ضد الدفتيريا"    الكونفدرالية الافريقية "كاف" تشيد بتألق "الخضر" في تصفيات ال"كان"    كرة الطاولة/بطولة إفريقيا: المنتخب الجزائري يتوج بالميدالية الفضية    لجنة الفلاحة بالبرلمان تستمع لممثلي عدة قطاعات    حملة تلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    مستغانم : الشرطة القضائية (BMPJ) بأمن الولاية 600 كبسولة بريقابلين بحوزة مسبوق قضائيا    الخضر يتاهلون إلى كأس أفريقيا للأمم 2025    صادي سيقدم ملف ترشحه بعد حصوله على موافقة السلطات.. الجزائر في طريق مفتوح للعودة إلى المكتب التنفيذي للكاف    طريقي للحرير معرض يغوص في عراقة التراث الثقافي الجزائري والعربي-الإسلامي    المهرجان الدولي للمسرح ببجاية : رقصة السماء.. مزيج ساحر بين المسرح، السينما والفيديو    تنظمه جامعة باتنة.. ملتقى وطني حول التعددية اللغوية في المنظومة التربوية والجامعية    نعمة الأمن لا تتحقق إلا بوجود 4 مقومات    الصهاينة يقتلون الأبرياء في العالم بغير حق    هكذا نزلت المعوذتان على النبي الكريم    وقفات مع دعاء صلاة الاستخارة    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    عقوبة انتشار المعاصي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشريعة جاءت لجلب المصالح ودرء المفاسد
نشر في أخبار اليوم يوم 04 - 12 - 2012

بُنِيت الشريعة الإسلامية على مصالح العباد، فلا تكاد تجد مسألة ندب إليها الشرع إلا وفيها مصلحة دنيوية أو أخروية، لكن قد تكون هذه المصلحة واضحة جلية لدى العلماء، وقد تكون خفية لم يطلع العلماء على علتها، وكان صلى الله عليه وسلم يراعي مصالح العباد، وينظر في مآلات الأفعال وعواقبها، وسنحاول أن نسوق أمثلة كانت علة مراعاة المصلحة فيها واضحة، ومن أمثلتها ما يلي:
- امتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل عبد الله بن أبي، مع علمه بنفاقه، واستحقاقه القتل حين قال الله حاكيا عنه: (لئن رجعنا إلى المدينة لَيُخرِجَنّ الأعزُّ منها الأذلَّ)، المنافقون: الآية 8_، فقال عمر بن الخطاب: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه)، (صحيح البخاري 6/154، باب قوله: (لئن رجعنا إلى المدينة ....الآية)، رقم: (4907).
ومن صور مراعاته للمصلحة: تخلّيه عن إعادة بناء البيت الحرام، بعد عزمه على ذلك، حتى لا تتحدّث قريش بأنه يستهين بمقدساتهم، وكثير منهم حديثو عهد بالإسلام، وقال مخاطباً عائشة رضي الله عنها: (ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة، اقتصروا عن قواعد إبراهيم)؟ قالت: فقلت يا رسول الله، أفلا تردّها على قواعد إبراهيم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت)، (موطّأ الإمام مالك، 1/363، باب ما جاء في بناء الكعبة، رقم: 104).
النهي عن الإساءة
ومن صور مراعاته للمصلحة نهيه للصحابة عن الإساءة إلى الأعرابي عندما بال في المسجد، فقد أخرج البخاري ومسلم: (عن أنس، أن أعرابياً بال في المسجد، فقام إليه بعض القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه ولا تزرموه (أي لا تقطعوا عليه بوله) قال: فلما فرغ دعا بدلو من ماء فصبه عليه)، وفي رواية لمسلم: (فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة وقراءة القرآن)، (صحيح البخاري، 8/12، باب الرفق في الأمر كله، رقم: 6025، ومسلم، 1/236، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد، وأن الأرض تطهر بالماء، من غير حاجة إلى حفرها، رقم: 285).
وقد تحدث علماء الأصول عن مراعاة الشرع للمصلحة، وخصصوا مباحث مستفيضة في كتبهم لهذه المسألة، بل ألف بعض العلماء كتبا في المصالح والمقاصد ومكانتها في الشرع، وأكدوا أن أحكام الشرع، إنما شُرعت لمصالح العباد الدنيوية والأخروية، وأن الأعمال الشرعية ليست مقصودة لذاتها، فالله غني عن عبادة خلقه، إذ لا تنفعه طاعتهم، ولا تضرّه معصيتهم، وإنما أنزل الشرائع لمصالح العباد الدنيوية والأخروية، يقول سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام: (التكاليف كلها راجعة إلى مصالح العباد في دنياهم وأخراهم والله غني عن عبادة الكل، ولا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين... وإنما سبق علمه سبحانه وتعالى بترتيب بعض الحادثات على بعض من غير أن يكون مقدمها موجباً لمؤخرها ولا منشئاً له، بل هو المتحد بترتيب المسببات على أسبابها... وقد أجرى أحكامه في الدنيا على أسباب ربط بها ليعرف العباد بالأسباب أحكامها ليسارعوا بذلك إلى طاعته واجتناب معصيته إذا وقفوا على الأسباب، فأمر المكلفين كلهم ونهاهم، ودعاهم إلى طاعته واجتناب معصيته واقتضاهم، مع علمه بأن أكثرهم يعصونه ولا يطيعونه، ويخالفونه ولا يوافقونه لسبق علمه في ذلك فيهم ونفوذ إرادته وقضائه عليهم). (قواعد الأحكام في مصالح الأنام لعز الدين بن عبد السلام 2/73 - 74).
المصلحة
يؤكد الشاطبي هذه الحقيقة، مبيناً أن الأعمال الشرعية لا بد أن تكون مبنية على مصلحة، وإن كان الأمر مخالفاً للمصلحة، فمعنى ذلك أن الفعل غير صحيح وغير مشروع، يقول الشاطبي: (ما ثبت أن الأحكام شرعت لمصالح العباد كانت الأعمال معتبرة بذلك، لأنه مقصود الشارع فيها كما تبين، فإذا كان الأمر في ظاهره وباطنه على أصل المشروعية؛ فلا إشكال، وإن كان الظاهر موافقاً والمصلحة مخالفة، فالفعل غير صحيح وغير مشروع، لأن الأعمال الشرعية ليست مقصودة لأنفسها وإنما قصد بها أمور أخر هي معانيها، وهي المصالح التي شرعت لأجلها، (الموافقات 3/120- 121).
وأكد في سياق آخر أن العبادات -التي قد يتصوّر البعض أن لا علاقة لها بالأمور الدنيوية- لم تُشرع إلا لمصالح العباد: (وقد علم أن العبادات وضعت لمصالح العباد في الدنيا أو في الآخرة على الجملة، وإن لم يعلم ذلك على التفصيل، ويصح القصد إلى مسبباتها وثمرتها وفوائدها الدنيوية والأخروية على الجملة)، (الموافقات 1/321).
وبمثل هذا صرح ابن الحاجب: (فإن الأحكام شرِّعت لمصالح العباد، بدليل إجماع الأئمة، (نظرية المقاصد عند الشاطبي د. أحمد الريسوني، 204).
وقال ابن القيم مؤكداً أن الشريعة مبنية على عدل الله بين عباده، وأن كل مسألة خرجت من العدل إلى الجور وعن المصلحة إلى المفسدة، فليست من الشريعة وإن أُدخِلت فيها: (الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها، (إعلام الموقعين لابن القيم 3/11).
وخلاصة القول إن الشريعة إنما جاءت لجلب المصالح ودرء المفاسد، وإنما تكون الأوامر والنواهي أمراً وتركاً حسب أهمية المصلحة وضرورتها في حياة الناس، فكلما كانت ضرورية أو حاجية، كان الأمر بها على سبيل الوجوب والإلزام، وكلما تدنّت المصلحة في سلّم درجات المصالح، كان الأمر بها على سبيل الندب أو الاستحسان، وقُلْ مثل ذلك في المفاسد نهياً وتركاً، وهذا ما يُبرز محَاسِن الشَّرِيعَة وأسرارها ويُجدّد الْفِقْهَ ويُقوِّي دورَه ونشاطه وحيويته وصفاءه ويحولُ دون جموده وخموده فِي الْحَيَاة.
* الشريعة إنما جاءت لجلب المصالح ودرء المفاسد، وإنما تكون الأوامر والنواهي أمراً وتركاً حسب أهمية المصلحة وضرورتها في حياة الناس، فكلما كانت ضرورية أو حاجية، كان الأمر بها على سبيل الوجوب والإلزام، وكلما تدنّت المصلحة في سلّم درجات المصالح، كان الأمر بها على سبيل الندب أو الاستحسان، وقُلْ مثل ذلك في المفاسد نهياً وتركاً، وهذا ما يُبرز محَاسِن الشَّرِيعَة وأسرارها ويُجدّد الْفِقْهَ ويُقوِّي دورَه ونشاطه وحيويته وصفاءه ويحولُ دون جموده وخموده فِي الْحَيَاة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.