* "المسؤولون في الجزائر عجزوا عن إطعام 140 شخص" * لو تصفين لنا الأوضاع في مخيّم سيدي فرج... ** الأوضاع في المخيّم مزرية ومأساوية، نحن نعيش داخل حاويات يسمّونها (شاليهات) هي عبارة عن حاويات من الحديد وداخلها حطب ولا تصلح للسكن أصلا لأنها أصبحت مهترئة، حتى أن مياه الأمطار تتسرّب من الأسقف ونضطرّ إلى البقاء مستيقظين طوال اللّيل بعد تبلّل الأرضية والأفرشة، هذا إضافة إلى النّقص الفادح في الأغطية الشتوية والغياب التام لأجهزة التدفئة ومنع العائلات من استعمال المدفئات أو أيّ وسيلة للتدفئة داخل (الشاليهات)، لذلك اضطرّت العائلات إلى إشعال الحطب خارج البيوت للتدفئة، لقد رجعنا إلى زمن سيّدنا (آدم) أو قبله إلى عصر الإنسان الحجري. * كيف تقيّمين مستوى الخدمات المقدّمة للاّجئين على مستوى المخيّم؟ ** سأتكلّم بصراحة، نحن نعامل هنا كالكلاب، ليس هناك احترام لأبسط أدبيات التعامل البشري ولا توجد خدمات أصلا، هم يوزّعون علينا الطعام بكمّيات قليلة جدّا لا تكفي لإطعام عائلة ونتعرّض للإهانة إذا حاولنا الاحتجاج. * هل يمكنك تقدير الوجبة المقدّمة لكلّ عائلة في اليوم؟ ** كلّ عائلة تحصل صباحا على وجبة باردة، يعني قطعتي جبن وخبزة واحدة لكلّ فرد في الأسرة، والخبز طبعا لا يوزّع مرّة أخرى في اليوم، بل يكتفون بخبزة واحدة للفرد تقوم العائلة بتقسيمها على الوجبات الثلاث: الإفطار، الغداء والعشاء وهي في الغالب لا تكفي، أمّا بالنّسبة للخضر فالإدارة تقدّمها كلّ 15 يوما وبكمّيات قليلة، يعني ثلاث إلى أربع حبّات من كلّ نوع خضر لكلّ عائلة وبنوعية جدّ سيّئة، واسمحي لي أن أقول إننا نحصل على (زبالة السوق). تكلّمنا عدّة مرّات مع إدارة المركز والعاملين معهم قصد تحسين هذه الوضعية لأننا صراحة نعاني الجوع، لكن العبارة التي مللنا سماعها هنا هي (هذا هو الموجود.. اللّه غالب). * تكلّمت عن تقدير الوجبات الموزّعة هل يتمّ مراعاة عدد أفراد العائلة أم أن التوزيع يكون عشوائيا؟ ** هم يتّبعون منطق المساواة في توزيع الوجبات ولا يراعون عدد أفراد العائلة، الجميع يحصل على نفس الكمّية وبنفس المواصفات، هذا بالنّسبة للمواد التي يتمّ توزيعها أمّا بالنّسبة للمواد الغذائية الأخرى فبإمكان العائلات الحصول على بعضها من محلّ خصّص لهذا الغرض، لكن دائما نواجه نفس المشكل وهو مشكل الكمّية المتاحة والقوانين المفروضة، والتي تلزم كلّ عائلة بأجل محدّد للحصول على مادة من المواد، مثلا يخصّص لكلّ أسرة بغض النّظر عن عدد أفرادها رطل من السكر كلّ أسبوع ولا يمكنها الحصول على هذه المادة قبل انقضاء الأسبوع، المعكرونة مثلا تقدّم مرّة كلّ يومين وبكمّية قليلة أيضا، هذا هو حالنا. * كيف ترين مستوى العناية الطبّية بالمرضى، لا سيّما في حالة الاستعجالات؟ ** هناك ما يسمّونها عيادة طبّية وأنا لا أراها كذلك لأنها تفتقر إلى أبسط الاحتياجات حتى أنها لا تحتوي على الإسعافات الأوّلية، في الأيّام القليلة الماضية فقط سقط طفل عمره 7 سنوات فلم نجد بما نسعفه ما عدا بعض القطن واضطررنا إلى الاعتماد على وسائل تقليدية لإيقاف النّزيف كالبنّ، شيء آخر أيضا هناك بعض العائلات لديها أطفالا معاقين، هناك أشخاص مسنّون ولا يوجد أيّ تكفّل طبّي خاص بهذه الفئة. * أين هو الهلال الأحمر الجزائري من كلّ هذا؟ وهل قدم ممثّلوه لمعاينة الوضع في إطار مهامهم الإنسانية؟ ** لا، لم نر أحدا من الهلال الأحمر في المخيّم منذ أكثر من شهر ونصف، في البداية كان مسؤول الهلال الأحمر بوشاقور يأتي لمعاينة احتياجات العائلات أمّا الآن فقد تخلّى الهلال عن مسؤوليته اتجاه اللاّجئين السوريين نهائيا، وحتى مدير مركز (نات كوم) قال إنه غير مسؤول عن العائلات، وأنه تكرّم علينا باستضافته لنا في هذا الملجأ. نحن نتساءل اليوم مَن المسؤول عنّا هنا في الجزائر؟ بصراحة لم نكن نتخيّل أن الوضع في الجزائر سيكون هكذا، نحن في سوريا نحترم الجزائريين ونقدّرهم، بل ولهم مكانة خاصّة في قلوب السوريين، ولو زرت سوريا قبل هذه الأحداث للاحظت ذلك، في رأيك ماذا سنقول عن الجزائر لمّا نعود إلى بلدنا؟ هؤلاء المسؤولون شوّهوا صورة البلد بأكمله وتركوا انطباعا سيّئا لدينا كجالية سورية، نحن نتعرّض للتضييق والإزعاج، نريد أن تصل أصواتنا إلى الشعب الجزائري لكننا حوصرنا بعد منع دخول وسائل الإعلام. * من يمنع دخول الصحافة في رأيك؟ ** مدير مركز (نات كوم) نفسه هو من يمنع دخول وسائل الإعلام إلى المخيّم حتى لا تنقل الوضع المأساوي الذي تعيشه العائلات هناك، وحتى أكون أوضح حتى يتسنّى له سرقة التبرّعات دون أن ينكشف أمره. الشعب الجزائري كريم ومعطاء وتبرّعاته وصلت إلى المخيّم، وكان من المفترض أن توزّع علينا لكن للأسف هذا لم يحصل لأنها سرقت قبل ذلك. نحن نعيش أوضاعا مأساوية ويجب أن تأتي بنفسك حتى تتأكّدي. * كم عدد العائلات المتواجدة في المخيّم؟ ** نحن في المخيّم حوالي 30 عائلة، أي ما يقارب 140 شخص، تتصوّرين ذلك 30 عائلة فقط عجزوا عن التكفّل بها وعجزوا عن إطعامها وإيوائها. في مصر 2500 شخص تمّ إيواءهم في بيوت، وبلد المليون ونصف المليون شهيد لا يستطيع إطعام 140 شخص.. واللّه عيب وعار. * ماذا عن دراسة الأطفال؟ هل تمّ تسجيلهم في مؤسسات تعليمية؟ ** نعم تلاميذ المتوسط والثانوي قاموا بتسجيلهم في منطقة اسطاوالي وهي منطقة بعيدة نوعا ما ومشكل عدم وجود المواصلات زاد من عناء التلاميذ، أمّا أطفال المرحلة الابتدائية فقد سجّلوا في ابتدائية بسيدي فرج لكنها تتواجد على الطريق الرئيسي وهي بعيدة عن المخيّم أيضا، لذلك اضطررنا إلى مرافقتهم صباحا لا سيّما وأنهم يسلكون طريقا خطرة بين الغابات في منطقة غير عمرانية وغير آهلة.