غابت الدول الغربية مؤتمر ''دوربان-2 رسمياً، لكنها حضرت بقوة خلف الكواليس وبين جنبات المؤتمر، وحاولت التخفيف من أهميته والتقليل من فعاليته ودوره عبر إعلانات المقاطعة والاعتراضات الكثيرة على توجهات المؤتمر، والذرائع الواهية لتسويغ مقاطعته، ساعية باتجاه الضغط عليه لمكافحة العنصرية لدفع فواتير واستحقاقات مؤتمر ''دوربان-''1 الذي انتصر لفلسطين ، ولكن ما خلفيات غياب الدول الغربية ؟ وما حقيقة العنصرية والتمييز العنصري ؟ وكيف اختتم مؤتمر دوربان2 ؟ وماهي أهم نتائجه ؟ العنصرية والتمييز العنصري.. تقليد غربي ضارب في اطناب التاريخ تؤكد اغلب الحقائق التاريخية ان تاريخ الغرب و فكره الفلسفي، عرف جيدا الصور المنفرة للتمييز العنصري فكرا وممارسة باستمرار، من عهد أرسطو وأفلاطون، وعبر ما مرّ من ألوف السنين بعدهما، حتى أصبحت وقائع الممارسات مما لا يكاد يمكن تصديقه، لولا أنها كانت فعلا من وقائع التاريخ وشواهد الحاضر،والأنكى من ذلك أن يرتدي الغرب نفسه اليوم رداء المحاماة عن ''مكافحة العنصرية والتمييز العنصري''، وما تخلّص منهما داخليا ولا انتزع نفسه من الازدواجية في التعامل مع المتشبثين بهما على حسب درجة ارتباطهم به، ويصرّ فوق ذلك على تحصين ما يمارسه مباشرة أو يمارسه بدعم منه، من ألوان التمييز العنصري، كيلا تنال منه كلمة العدالة منالا في عالم الضمير الإنساني، ناهيك عن قاعات المقاضاة والمحاسبة والردع والعقوبات. من العناوين التاريخية لممارسة التمييز العنصري في الغرب انتشار العبودية في العصور الامبراطورية، وتجارة الرقيق في العصور الاستعمارية، وانحرافات حضارة ''الإنسان الأبيض'' في العصور الحديثة. ولئن كان تسويد شرعة الغاب هو العنصر الحاسم من وراء تلك الممارسات الكريهة على امتداد أكثر من خمسة آلاف سنة، أي منذ بدأ تدوين التاريخ الغربي، فالأشد من ذلك أنه لم يكن يخلو عصر من تلك العصور من وجود فلاسفة ومفكرين من البشر، ممن يسوّغون لمن يملك أسباب القوة في ظل شرعة الغاب أن يصنع ما يصنع، وينصبون حواجز ''شبه'' فكرية عقلانية في وجه من يمكن أن يتحرك بفطرته وإحساسه ومنطقه السليم معارضا لواقع قائم يرى فيه أخاه الإنسان ظالما لإنسانية الإنسان، سواء كان ظالما بما يمارسه، أو ظالما بسكوته عن ممارسات الظلم، أو ظالما نفسه بخضوعه لتلك الممارسات. الصهيونية وعقيدة التمييز العنصري زرعت اسرائيل في قلب الوطن العربي ويبرز دورها كقلعة عسكرية متقدمة تحمي مصالح قوى الاحتكارات العالمية.، وقد عاثت في الارض فسادا مدفوعة بسياسة عنصرية ولكن بحكم المصالح والارتباطات اعقائدية التي تجمعها مع الغرب ، لا يتوان هذا الاخير في حمايتها ، ورغم ان العنصرية الصهيونية ليست صفة طارئة ولا وليدة الصدفة، فهي الصادرة عن طبيعة الفكر الصهيوني النظرية، وعن دوره السياسي، ففي إطار النظرية تبرز فكرة شعب الله المختار وفي الدور السياسي يظهر دور الكيان الصهيوني ، إن الفترة التاريخية التي صعدت فيها الصهيونية في منتصف القرن الثامن عشر تعطيها مباشرة صفة العنصرية لأن تلك الفترة هي ذروة الغزو الكولونيالي للعالم الثالث والذي رفع شعارات عنصرية تخفي فيها رسالة الإنسان الأبيض، تصدير الحضارة إلى البلدان المتخلفة، وفرض حكمة الغرب ضد جهل الشرق.كان الغزو الصهيوني لفلسطين أحد مشتقات الغزو الأوروبي الاستعماري للقارات الثلاث لكنه أضاف على الخصائص الاستعمارية بعداً لاهوتياً جديداً يجعل من فلسطين الأرض التي وعد الله بها شعباً معيناً، فالصهيونية استعمار استيطاني خاص أساسه الامتياز الديني والعنصري.إن العنصرية الصهيونية لم تتكون خلال عملية غزو فلسطين وإنما جاءت متكونة قبل الغزو وبعده، لهذا اختار الصهاينة منذ البداية أن يعزلوا أنفسهم عن المجتمع العربي في فلسطين، وأقاموا نقابات صهيونية، وطبقوا قانون العمل العبري وقاطعوا البضائع العربية واليد العاملة العربية.كان هذا التمييز يتم تحت إشراف المؤسسات الصهيونية مثل: الوكالة اليهودية، الصندوق اليهودي، ... وبعد تهيئة الظروف الملائمة لقيام الكيان الصهيوني انتقل الصهاينة من المقاطعة إلى الطرد، ومن التعايش الإجباري إلى ''الدولة النقية'' التي رفعت ''إسرائيل'' شعارها منذ بداياتها معتمدة على مقولة هرتزل عام 1895: يجب دفع السكان الأصليين المعدمين إلى النزوح عبر الحدود وذلك عن طريق حرمانهم من العمل، كما أكد القول وايزمان في عام 1919 عندما كان يحلم ب «الدولة الصهيونية'' تكون يهودية بقدر ما هي انجلترا انجليزية . وتلتقي الصهيونية مباشرة مع الفاشية الهتلرية المهووسة بشعار ''الحل النهائي'' الذي يعني إعدام الخصم بلا محاكمة فكان هتلر المتسلح بوهم «تفوق العنصر الآري» يمارس الإجرام من أجل ألمانيا بلا شوائب، أما ''إسرائيل'' فتعمل من أجل «أرض موعودة بلا عرب'' وأهم الأدوات التي تركن إليها شعار «منطقة الأمن''والذي يطبق على 90% من الفلسطينيين.منطقة الأمن ليست الاسم المهذب للأحكام العرفية والتي تجعل الفلسطيني متهماً مسبقاً ويمكن تأويل أي عمل من أعماله كتهديد لأمن الدولة. وهذا ما يجعل القرى العربية المتبقية مناطق محتلة والعرب أسرى حرب والإدارة المطبقة عليهم إدارة عسكرية مناطة بعدد من الضباط العسكريين الذين يعملون في وزارة الحرب، والقانون المطبق هو قانون الطوارئ والمحاكم التي تتولى القضايا العربية محاكم عسكرية...اعتماداً على هذه الوقائع نجد أن الكيان الصهيوني الذي يدعي الديمقراطية يقسم المجتمع إلى جزأين جزء تطبق عليه الديمقراطية الصهيونية ويشمل اليهود وجزء يطبق عليه القمع ويشمل الفسطينيين وبذلك تظل الصهيونية مخلصة لمعايير التمييز العنصري: الديمقراطية لليهود ولا ديمقراطية لغير اليهود. دوربان- 2 يسجل تراجعا وينتقم من انجازات ''دوربان-1س انعقدت في هذه الايام في جنيف أشغال مؤتمر دوبان 2 لمنهضة العنصرية والتمييز العنصري ، وانعقد المؤتمر الاول في مدينة دوربان بجنوب افريقيا التي كانت نموذجا يحتذى به عندما قررت تطليق العنصرية ، ولكن انطلاقة مؤتمر دوربان-1 في 2001 ، شكلت حالة قلق سادت الدولة العبرية الصهيونية ومعها الإدارة الأميركية، فسارت الأمور بعد ذلك على سكة من الحراك الأمريكي الإسرائيلي لإعادة عقارب دوربان-1 إلى الوراء والانتقام من قراراته ، لان مؤتمر ''دوربان-''1 وجه صفعة قوية لدولة الاحتلال الصهيوني وسياستها العنصرية وطبيعتها الفاشية، وذلك بإجماع المنظمات الأهلية للشعوب، وحتى الأوروبيون على مستوياتهم الرسمية وغير الرسمية تبنوا في حينها العديد من المواقف الإيجابية، خصوصاً منها ما يتعلق بفلسطين والصراع العربي مع الاحتلال التوسعي الاستيطاني الإجلائي الصهيوني. وهي قرارات جاءت في لحظات كانت فيها الانتفاضة الفلسطينية الثانية تعلن انطلاقتها الجبارة، في الوقت الذي كان فيه الشعب الفلسطيني يواجه قمع الاحتلال وسياسة البطش والقوة المفرطة التي سلطتها الدولة العبرية الصهيونية على جسده المثخن بالجراح، فكان الفلسطينيون من بين أولئك الذين أدرجوا بشكل واضح في إعلان ''دوربان-''1 عام ,2001 وضمن برنامج الأنشطة كضحايا للعنصرية والتمييز العنصري، وهو الإعلان الذي عبر عن القلق تجاه مأساة الشعب الفلسطيني الواقع تحت احتلال أجنبي، وأعاد التأكيد على الحق الفلسطيني غير القابل للتصرف في تقرير المصير.ومع ذلك، وبدلاً من أن تتجاوب السياسات الإسرائيلية أو تصمت على الأقل بانسجام مع الإعلان، فإنها في الواقع رفعت من منسوب القمع الفاشي ضد الفلسطينيين، لا بل إن هناك دليلا كافيا ذا أهمية للإشارة إلى أن نظام التمييز الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين ممنهج وممأسس وذو طبيعة ظالمة، بما شكل تمييزاً عنصرياً فاقعاً. ومن حينها شكلت انطلاقة مؤتمر دوربان الأول حالة قلق سادت الدولة العبرية الصهيونية ومعها الإدارة الأميركية، فسارت الأمور بعد ذلك على سكة من الحراك الأميركي الإسرائيلي لإعادة عقارب ''دوربان-''1 إلى الوراء والانتقام من قراراته، عبر وضع العراقيل المتتالية أمام الطريق إلى ''دوربان-''2 وصولاً إلى المقاطعة الأميركية الإسرائيلية وبعض الدول الغربية لأعمال المؤتمر بهدف تهميشه والحط والتقليل من مستوى وقوة قراراته. غياب الغرب عن دوربان 2 ...الأسباب والخلفيات أرجع محللون السبب وراء رفض الولاياتالمتحدة وعديد الدول الغربية حضور مؤتمر دوربان في جنيف إلى رغبتها في إخفاء تورط في إنجازات الصهيونية من ناحية، ونظامها العنصري والاستبدادي الذي يمارس يوميا على السود والمهاجرين من ناحية أخرى. وفي هذا السياق يقول المحللون،: ''إن الغرب يعاني من عقدة ذنب ضارية في تاريخه العميق؛ فهو الذي شرع ذات يوم لتجارة العبيد، وهو الذي بنى مراكز بيع العبيد على الساحل الإفريقي والساحل الكاريبي، وهو الذي وقف أيضا مع انتشار ثقافة العبيد وجعلها منهجا في التعامل الحضاري والمعاملات التجارية''. وأشار المحللون إلى أن الغرب كانوا يطلقون على البواخر المختصة في نقل وتجارة العبيد خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر مسميات، مثل: ''حرية وسلام''؛ وذلك لإخفاء جرائمهم. ومع تطور الرأسمالية ودخول العالم في حقبة تقرير المصير بدا أن الغرب قد أصبح أرضية لإطلاق سياسة حقوق الإنسان، غير أن تلك الحقوق ظلت ولفترة طويلة وقفًا على حقوق الإنسان الأبيض. وما تزال الحركات المناهضة للمهاجرين في الغرب قوية، وترسانة القوانين المانعة للاختلاط العرقي محصنة، بل إن أحزابًا سياسية بإمكانها أن تنجح في الانتخابات إذا ما أطلقت شعارات مضادة للمهاجرين كوقود لحملتها، وهو ما حدث مؤخرا في النمسا وسويسرا وبلجيكا. وأشاروا إلى أن المثير حول مؤتمر العنصرية الذي يستقطب اهتمام مختلف الشعوب والأقليات التي عانت ولا تزال تعاني من مخلفات التمييز العنصري والاضطهاد والاحتلال- أنه قد تحول إلى جدل ساخن في بعض الأوساط السياسية والدبلوماسية والإعلامية التي عملت جاهدة على استثناء إسرائيل وحمايتها من أية إهانات نتيجة سياستها العنصرية. وقال المحللون: إنه على الرغم من مرور عشر سنوات على إلغاء قرار الأممالمتحدة الذي ساوى بين الصهيونية والعنصرية، فإن الإسرائيليين ومعهم الأمريكيون كانوا ولا يزالون يعتبرونه نقطة سوداء في تاريخ الأممالمتحدة. وأشاروا إلى أن صدور هذا القرار كان وراء مقاطعة أمريكا وإسرائيل لمؤتمرين حول التمييز العنصري تم عقدهما في عامي 1978 و1983؛ لأنهما أدانا سياسة إسرائيل العنصرية. وقد بدأت واشنطن بعد انعقاد مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991 في السعي لإلغاء القرار (3379) في الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يساوي الصهيونية بالعنصرية، وتم التصويت على هذا الإلغاء في 12 من ديسمبر 1991 بموافقة 111 دولة ومعارضة 25 وامتناع 13 عن التصويت، فيما تغيبت 17 دولة عن تلك الجلسة. ومع ذلك فإن إلغاء هذا القرار من سجلات الأممالمتحدة لم يلغ ممارسات إسرائيل العنصرية في حق الفلسطينيين منذ أكثر من نصف قرن. ودعا المحللون مختلف الأطراف العربية والإسلامية وكل الأطراف المؤيدة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير- إلى أن تقدم أعمالها بشكل مدروس وفعال في مؤتمر دوربان لاستقطاب المجموعة الدولية لكشف الممارسات الإسرائيلية والتشنيع بها. وأكدوا أنه كما كان صدور القرار 3379 ذات يوم نابعا من إرادة المجتمع الدولي، فإن الضغط على إسرائيل؛ لتستعيد وعيها، وتتوقف عن ممارساتها الوحشية- لا يمكن أن يتحقق بدون إرادة المجتمع الدولي. ويشير المراقبون إلى أنه يوجد منبوذون آخرون كثيرون في العالم إلى جانب الفلسطينيين يحتاجون إلى إرادة المجتمع الدولي لرد العدوان العنصري عليهم؛ فالتبت والغجر والأقليات السوداء في أوروبا وأمريكا والمهاجرون والطوارق والباسك والأكراد وحتى الأيرلنديون، جميعهم من الشعوب المستضعفة التي تعاني من العنصرية والكراهية وعدم الاعتراف مؤتمر مناهضة العنصرية بجنيف .. والانعقاد في أجواء مشحونة عقد المؤتمر جلساته بأجواء صاخبة هذه المرة، وتحوّل إلى مباراة سياسية شوطها الأول مشادة كلامية بين الرئيسين الإيراني محمود أحمدي نجاد والفرنسي نيكولا ساركوزي الذي لعب دور ''حصان طروادة'' في الدفاع المباشر وغير المباشر عن دولة الاحتلال الإسرائيلي، في وقت لم تجف فيه بعد أنهار الدماء التي أريقت جراء العدوان الفاشي الصهيوني على المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، وهو موقف يعيد إلى الأذهان التذكير بأدوار فرنسا غير المتوازنة التي سادت في خمسينيات القرن الماضي قبل صعود جورج ديغول وإعلانه التحول في المواقف الفرنسية المتعلقة بقضايا العدل والسلام في العالم.ومن موقع الإنصاف، يمكن القول بأن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد كان نجم المؤتمر بحق، فقد كانت مشاركته المصدر الأول لمخاوف الغرب مما يعتبرونه ''تشهيرا'' بأفعال إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة ومواطنيها من العرب. فقد كان أحمدي نجاد واضحاً، شفافاً، صريحاً وعلى مسامع الوفود الغربية المشاركة في مؤتمر ''دوربان-''2 في الحديث عن النشأة والطبيعة العنصرية للدولة العبرية الصهيونية التي أقيمت على أنقاض الشعب الفلسطيني. كما كان واضحاً وصريحاً في نقده المباشر لمنظمة الأممالمتحدة وفشلها في حل النزاعات الدولية وانتقاده لمجلس الأمن الدولي الذي قام أصلاً على مبدأ مكافأة المنتصر في الحرب العالمية الثانية -في إشارة إلى الأعضاء الدائمين بالمجلس- وليس على مبدأ العدالة بين شعوب الأرض، داعياً لإجراء إصلاحات عاجلة في بنية وآليات عمل المنظمات الدولية بما فيها إلغاء حق النقض (الفيتو) وإصلاح النظام النقدي العالمي. وهو ما دفع بعض الوفود الغربية المشاركة إلى مغادرة قاعة المؤتمر، وتحديداً عند تشخيصه للدولة الصهيونية باعتبارها كيانا عنصريا قام على اقتلاع شعب من وطنه منذ أن لجأ ''الحلفاء'' قبيل وبعد الحرب الكونية الثانية إلى القوة العسكرية لانتزاع أراض من أمة برمتها، تحت ذريعة معاناة اليهود''، مضيفاً أن ''إسرائيل'' قامت على مبدأ التمييز والاحتلال وانتهاك حقوق الإنسان. والملفت للانتباه، اندلاق الرئيس الفرنسي ساركوزي في رفع راية الدفاع عن الدولة العبرية الصهيونية، فدعا دول الاتحاد الأوروبي إلى إبداء ''الحزم الشديد'' حيال كلمة الرئيس الإيراني في المؤتمر ووصفها بأنها ''دعوة إلى الحقد العنصري لا ينبغي السكوت عنها''، لكنه سكت وصمت عن المحرقة التي ما زال الشعب الفلسطيني يئن تحت وطأتها. ''دوربان-''2 .. وسياسة شد الحبل الغربية مارست الدول الغربية سياستها المعهودة في شد الحبل أمام المجموعة العربية الإسلامية والأفريقية وكتلة عدم الانحياز، ومارست ضغوطا كبيرة لتخفيف الصيغة النهائية لبيان ''دوربان-''2 الختامي. ودفعت باتجاه حذف أي إشارة إلى إسرائيل في الوثيقة التي صادقت عليها اللجنة التحضيرية للمؤتمر معتبرة أن المسألة ''خط أحمر'' بالنسبة للغربيين، وهو ما هز من مصداقية المؤتمر وفضح مرة ثانية مدى ازدواجية المعايير والقيم الأخلاقية للسياسات الأوروبية الغربية في العالم، فسقطت السياسة الأميركية التي أعلنتها إدارة أوباما تجاه المنطقة في أول امتحان لها عندما قاطعت مؤتمر جنيف وأثبتت للعرب مجدداً أنها لا تستطيع الوقوف على الحياد عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، وأن التعهدات التي أطلقتها تجاه الفلسطينيين والعرب بفتح صفحة جديدة تعتمد على العدالة والتوازن، لا تعدو كونها مفرقعات إعلامية دعائية لا أكثر ولا أقل. هذا في مقابل سعي الدول الإسلامية للوصول إلى وثيقة لمكافحة العنصرية تتضمن أيضا حقوق الملايين من مواطنيها الذين يعيشون في الغرب.وبالطبع، فإن درجة عالية من التحدي طغت على المسار العام لأعمال المؤتمر بين اتجاه يريد الهبوط بسقف قراراته عن ''دوربان-''1 وبين اتجاه يريد المزيد من الشفافية في تشخيص مواقع العنصرية وانتهاك حقوق الإنسان وتعرية أصحابها واتخاذ تدابير فعالة لمواجهة سياساتهم. ورغم كل ذلك فقد بان الإخفاق الإسرائيلي والأميركي بإزاحة المؤتمر كلياً عن مساره كمؤتمر ضد العنصرية ومناصر للحق الفلسطيني، وهذا لا يخفي بالطبع النجاح النسبي للجهود الأميركية في هذا المسار، فالبيان الختامي لم يأت بأي ذكر للقضية الفلسطينية، وبدلاً من ذلك أشار إلى الارتفاع العالي لظاهرة العنصرية والتعصب ومنها ''معاداة'' الإسلام والعرب.كما لم يستطع أحد فرض تراجع دولي عن قرارات مؤتمر ''دوربان-,''1 فقد دعا منتدى المنظمات غير الحكومية المعتمد رسميًا في مؤتمر ''دوربان-''2 في بيانه التحضيري إلى حماية الشعب الفلسطيني ومواجهة العنصرية الإسرائيلية والنظام الكولونيالي وتحميله مسؤولية جرائمه وعنصريته ضد المواطنين العرب الفلسطينيين في الداخل. وأكّد البيان الذي أقرّ بالإجماع، على مساندة منتدى المنظمات غير الحكومية لحقوق الشعب الفلسطيني بما فيها حق العودة للاجئين.وختام القول، إن الصراع السياسي الكبير الذي دار داخل قاعات وكواليس مؤتمر ''دوربان-''2 كشف بشكل واضح نفاق السياسة الأميركية للإدارة الجديدة رغم براقع الكلام اللفظي الإيجابي المنطلق هنا وهناك.كما كشف تواضع الفعل والحراك العربي الرسمي داخل المؤتمر، حيث الصوت العربي المتحشرج مقابل تألق الرئيس الإيراني أحمدي نجاد. إضافة إلى تواضع الفعل العربي في نطاق المجتمع الدولي، خصوصاً مع الأطراف الأوروبية في وقت كانت فيه مواقف بعض المجموعات الدولية جيدة، وهو ما يملي على الحالة العربية الرسمية وغير الرسمية تحديات جديدة في الطريق إلى ''دوربان-''3 بعد ثماني سنوات من الآن.