تمكن الشاب بلال طالبي من ابتكار جهاز صغير يحلل الخواص الفيزيائية لصخرة البترول المُكتشف دون الحاجة إلى القيام بذلك في البئر النفطية التي يتمّ اسكتشافها كما هو معمول عادة لدى مختلف الشركات البترولية في العالم. ويأمل الشاب الذي لا يتجاوز ال27 من العمر، والمتخرج حديثاً في جامعة ورقلة، أن تمدّ له السلطاتُ يد العون لتصنيع جهازه قصد سدّ الحاجيات المحلية للباحثين وشركات النفط على السواء وتصديره إلى الخارج. حينما التحق بلال بكلية العلوم والهندسة، فرع المحروقات لجامعة ورقلة، لم تكن فكرة الاختراع والابتكار تدور في ذهنه، على الرغم من ميله للاختراعات منذ صِغره، ولكن بما أن الحاجة أمُّ الاختراع كما يقال، فقد شعر بضرورة ابتكار جهاز يغني طلبة المحروقات عن التنقل إلى مختلف الآبار البترولية التي تزخر بها هذه المنطقة لدراسة الخواص الفيزيائية لصخرة البترول، وبخاصة المسامية والنفاذية، وبدأ العملَ منذ عامين لإنجاز هذا الجهاز الذي وضع تصميمه على الورق، وكان في كل مرحلة يُخضعه إلى عدة تجارب أثبتت كلها فعاليته، وكان يعرضها أيضاً على مدير الجامعة البروفيسور أحمد بوطرفاية الذي انتبه إلى أنه أمام اختراع استثنائي فريد من نوعه، وسيكون فخراً لجامعة ورقلة، فدعَّمه بكل قوة، ماديا ومعنويا، إلى أن أكمل بلال إنجازه وحصل بعدها على براءة اختراعه من (المعهد الوطني لحماية الملكية الصناعية) في 4 جانفي 2012. ويصف بلال طالبي جهازه الذي كلفه اللجوء إلى الاقتراض أحياناً لاقتناء بعض التجهيزات الضرورية، بأنه بمثابة (بئرٌ مُصغرة) تتيح للطلبة والباحثين في المحروقات متابعة كيفية إجراء التحاليل الفيزيائية على مكوِّنات صخرة البترول المُكتشف دون الحاجة إلى الانتقال إلى آبار النفط التي تزخر بها منطقة (حاسي مسعود) بورقلة: (أحياناً تكون الشركات النفطية مشغولة باكتشافاتها وباستغلال النفط ولا تتحمس لاستقبال الطلبة والباحثين في المحروقات لإجراء بحوثهم، ففكرتُ في إنجاز هذا الجهاز لأغنيهم عن مشقة التنقل إلى آبار النفط ولأسهِّل لهم الأمر وفي نفس الوقت أجنّبهم شتى الأخطار). وعن طبيعة هذه الأخطار يشرح بلال قائلا (قد يتسبب الضغط العالي للنفط المستخرَج من مختلف الحقول في حوادث خطيرة للمحيطين به، وهو ما فكّرت في حل له من خلال هذه الآلة التي لا يزيد ضغط تدفق البترول فيها عن (10 بار) ما يجعل الباحثين يتابعون التحاليل الفزيائية للمادة الخام النفطية بعيدا عن أي خطر، بل إنه يمكّن الشركات النفطية أيضاً من دراسة الخصائص الفيزيائية المسامية والنفاذية لصخرة النفط تحت ضغط منخفض يجنبها الحوادث والحرائق المهولة التي تسبّب خسائرَ فادحة، ما يعني أن هذا الجهاز صمامُ أمان لها، كما سيتيح لها تخفيض تكاليف دراستها وتحليلها لعينات من الصخرة البترولية المكتشفة من خلال الاعتماد على هذا الجهاز الصغير عوض الآلات الضخمة المعتمدة حالياً في الحقول النفطية). وبعد حصوله على براءة اختراع في جانفي الماضي، فكر الشاب المبتكِر في طريقة للترويج لاختراعه لعله يلقى الدعم اللازم الذي سيمكِّنه من تصنيعه وتسويقه، فاهتدى إلى المشاركة في معرضين دوليين للتجهيزات البترولية نظمتهما (سوناطراك) في فيفري ومارس الماضيين، وهناك عرض بلال آلته وسط عدد كبير من أحدث التجهيزات التي عرضتها الشركات النفطية العملاقة المعروفة في العالم. ومع ذلك، لفتت آلته الصغيرة انتباه أكثر من شركة عالمية فاعترفت له بدقتها وفائدتها العملية، وأكثر من ذلك، عرضت عليه شركتا (شلومبيرجي) و(آنا داركو) الأمريكيتان تبنِّي اختراعه وطلبتا منه القدوم إلى الولاياتالمتحدة للتحاور حول صيغة شراكة مناسبة للاستفادة من هذا الاختراع وتصنيعه. ومع أن هذين العرضين مغريان جدا، ماديا ومعرفياً، إلا أن الباحث الشاب أبدى تحفظه وفضل التريّث ريثما يتصل ب(سوناطراك) وكذا السلطات المعنية وفي مقدمتها وزارة الطاقة، وقد وجد بلال دعما قويا من مدير جامعة ورقلة الذي كرّمه في 16 أفريل الماضي بمناسبة (يوم العلم)، ثم عرض الأمرَ على والي ولاية ورقلة ناصر معسكر قصد دعمه، فلم يتردد الوالي في مراسلة وزارة الطاقة يوم 30 ماي الماضي طالباً منها منح كل أشكال الدعم للمخترع بلال لتجسيد اختراعه وتصنيعه محلياً، إلا أن بلالاً لا يزال ينتظر إلى حد الساعة تحقيق حلمه. ويأمل بلال أن يستجيب المسؤولون لطلبه بتصنيع هذا الجهاز محليا وكذا تمكينه من مواصلة دراساته العليا في المحروقات حتى يتمكن من تطوير معارفه وينجز اختراعاتٍ أخرى: (لديّ العديد من المشاريع، ولكن إذا لم أتلقّ صدى أو تشجيعا في بلدي، فسأضطر إلى الهجرة إلى الخارج لتطوير معارفي وللبحث عن صيغة شراكة مناسبة لمشروعي، وقد أقبل عروض الشركات النفطية الكبرى التي عرضت عليّ الالتحاق بمراكز بحثها وكذا التكفل بتصنيع جهازي، ولكن قبل ذلك لا يزال الأملُ يراودني بأن تتكفل وزارتا الطاقة والتعليم العالي بمشروعي وباستكمال دراساتي العليا معاً، فالأولوية لبلدي إذا شجعني ودعمني).