هل تذكر عدد المرات التي شرد ذهنك فيها بينما كنت تتحدث مع شخص أو تحضر محاضرة أو تشاهد فيلماً؟ هل يَشرُد ذهنك كثيراً أم فقط عندما تكون متعباً أو تمر بحالة شعورية محددة؟ نوع إجابتك عن أي من هذين السؤالين يُحدد ما إذا كان شُرودك عرضياً عابراً وعادياً، أم أنه شُرود مزمن ومرضي. صحيح أن كل إنسان معرض للشرود من وقت لآخر، فبعض الباحثين يقولون إن الفترة التي قد يقضيها الذهن شارداً عما يفعله أو هائماً في عوالم وأفكار لا علاقة لها بما يرغب في التركيز عليه يمكن أن تصل إلى نصف الوقت الذي يقضيه الدماغ في التفكير. بيْد أن دراسة جديدة حول علم النفس السريري، أظهرت أن كثرة شرود الذهن قد تكون مؤشراً لا يُبشر صحة أدمغتنا بخير على المديين المتوسط والبعيد. توصل باحثون من جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو إلى هذه النتيجة بعد إجرائهم دراسة عن التيلوميرات. وهذه الأخيرة تتموضع عند نهاية الصبغيات وتعمل كحواف حمائية للصبغيات، وتظهر فائدتها الرئيسة خلال عملية تضاعف الحمض النووي. ولو كانت هذه التيلوميرات غير موجودة، لحدث فقدان معلومات وراثية مهمة، ولأدى ذلك إلى وقوع خلل كبير في عمل الخلايا الحية ومنتجاتها البروتينية. وفي السنوات القليلة الماضية، أصبح العلماء يعتمدون بشكل كبير على التيلومترات ضمن سلسلة المؤشرات القياسية لوتيرة شيخوخة الخلايا العصبية. فهذه التيلوميرات تُصبح أقصر وأصغر كلما تقدم الإنسان في العمر. وقد غدا ممكناً للباحثين التنبؤ بمدى قابلية كل شخص للإصابة بمرض أو وفاة مبكرة بناء على حجم التيلومير. ومن أجل معرفة علاقة شُرود الذهن بطول التيلومير، قام الباحثون باختبار 239 امرأة يبلغن أكثر من 50 سنة وذوات مستويات تعليمية عالية ومستويات توتر منخفضة، وذلك عن طريق إخضاعهن لمجموعة من اختبارات الرضا عن الحياة ومطالبتهن بتعبئة عدد من الاستبيانات. فتبين للباحثين أن المشاركات اللاتي تشرُد أذهانهن أكثر، كان لديهن تيلوميرات أقصر، بمعدل 200 زوج قاعدي. أي أن خلايا أدمغتهن معرضة للشيخوخة قبل الأوان بما يعادل نحو 4 سنوات. فما سبب حدوث ذلك؟ يقول الباحثون إن شُرود الذهن ليس أمراً بريئاً أو محايداً كما قد يبدو. بل إن الذهن يميل أكثر إلى الشرود عندما يشعر بالملل وحينما يكون غير مستمتع باللحظة التي يعيشها، والعكس صحيح. فالمستمتع بلحظته يركز فيما يفعله ويخشع فيه بكل جوارحه، ويمنحه كل اهتمامه وانتباهه. ومن ثم، فإن الفرضية الراجحة في نظر الباحثين هو أن التعساء أكثر شُروداً من السعداء. ويرى الباحثون أن مفتاح حل كثرة الشرود يكمن في ترويض الذهن على التركيز على اللحظة المعيشة. وهم يقترحون لتحقيق ذلك القيام بكل ما من شأنه أن يُبطئ وتيرة صغر وقصر التيلوميرات، وذلك من قبيل: - التنفس بعمق. فكل إنسان يُصدر زفرات وشهقات، لكن الذين يحرصون على ممارسة حصص التنفس بعمق كل يوم هم قلة قليلة. ولذلك ينصح العلماء بالتدرب على التنفس بعمق، فهو من أنجع الوسائل لتهدئة الذهن الشارد وكثير الانشغال. وقد كشفت دراسة سابقة صدرت في دورية (العاطفة) شهر جوان الماضي أن ممارسة التنفس العميق مدة 8 دقائق كل يوم تُقلل شرود الذهن إلى حد كبير. - ممارسة التأمل واليوغا. فالشخص الذي يمارس التأمل عبر اليوغا لمدة أربعة أشهر متواصلة، يرفع مخزون جسده من إنزيمات التيلوميرات، ما يجعل التيلوميرات تحافظ على طولها أطول فترة ممكنة. وأشارت هذه الدراسة نفسها إلى أن ممارسة التأمل المكثف، أي لفترات أطول كل يوم، يجعل الإنسان يكوِّن المخزون اللازم لمنع التيلوميرات من القصر خلال ثلاثة أشهر لا أكثر. - التواصل مع صديق مقرب. فوجود صديق صدوق لا يجعلك تشعر بشباب روحك وبدنك فقط، بل يجعل تيلوميراتك محمية ومحصنة بفضل التجارب الإيجابية الاجتماعية التي تقضيها برفقته. - تناول زيت السمك. فقد كشفت دراسات عديدة أن تناول السمك ومكملات أوميغا 3 يُبطئ عملية شيخوخة الخلايا عبر تطويل التيلوميرات. - التخلص من المُلهيات. فقد أظهرت دراسة حديثة أصدرها البروفسور راسل بولدراك من جامعة كاليفورنيا أن القيام بمهام متعددة في الوقت نفسه يُبطئ قدرتنا على التعلم وأداء ما نقوم به بالجودة المنشودة. - ممارسة الرياضة. فالرياضة هي أكثر شيء يُجمع على جدواه الباحثون والعلماء القدامى والمعاصرون. فالتمارين البدنية تؤدي إلى تطويل التيلوميرات. والمواظبة على مزاولة الرياضة نصف ساعة كل يوم يمكن أن تجعل التيلوميرات تبدو أصغر من عمرها بمعدل عشر سنوات مقارنة مع الأشخاص الذين يَحْيَوْن نمط عيش ساكن.