تغير الزمان رغم ثبوت المكان، حيث راح أصحاب بعض الحرف يتبادلون الدور فيما بينهم بالرغم من أن الطبخ بعيد عن اختصاصهم إلا أن الرغبة والحب الكبير للشيء المراد عمله يفوق في بعض الأحيان جميع التصورات، حيث تخلت بعض النساء الجزائريات عن أطباق أياديهن لتتنازل عنها للرجال الذين تفننوا في صنع أشهى وألذ المأكولات. ومن خلال خرجتنا الميدانية التي قادتنا إلى شوارع العاصمة كانت لنا جولة استطلاعية لبعض المحلات المتخصصة ببيع الأطباق التقليدية بمختلف أنواعها، ولكن الشيء الملفت للانتباه هو وجود أعداد معتبرة من الرجال والشباب يحتلون المطبخ ليأخذوا بذلك مكانة المرأة التي كانت تقتصر عملية الطبخ وإعداد أشهى الأطباق على يدها من اختصاصها هي بالدرجة الأولى بدون منازع، إلا أننا أصبحنا نتفاجأ بوجود طوابير من النساء حول هذه المحلات بغرض اشتراء ما كن يصنعنه لأنفسهن في بيوتهن خاصة إذا تعلق الأمر بالمحاجب أو المطلوع، ليتبين لنا أن المعادلة السابقة أخذت في الوقت الحالي اتجاه معاكسا تماما بعدما أصبحت المرأة زبونا دائما ووفيا للأيادي الرجالية ممن يتفنّنون في تحضير وبيع وصفات كانت حكرا على المرأة في زمن مضى، حسب ما جاء على لسان أحد الباعة الذي يتخصص محله ببيع (المحاجب) وما يعرف ب(الفطير) إلى جانب (المطلوع) عندما دخلت إحدى السيدات إلى المحل وبعد إلقاء التحية توجه صاحب المحل إلى البائع يأمره أن يهتم بالسيدة لأنها من زبائنه اليوميين التي تشتري أنواعا مختلفة مما يباع في المحل بعدما عجزت عن صنعها في بيتها وبيدها لا ندري لما، ألسبب جهلها أم لعدم وجود وقت لذلك؟ وجهتنا الثانية كانت إلى دالي إبراهيم حيث لفت انتباهنا طابور كبير من المواطنين أغلبهم من النساء التففن حول المحل منتظرين بلهفة متى ينضج خبز (الفطير)، وبعضهن تشتري (المحاجب) و(المبرّجة) من نفس المحل حيث ملأت الابتسامة وجه صاحبها، وللإشارة فإن جميع العمال من فئة الرجال وهو الأمر الذي دفعنا للاقتراب من بعضهن وسؤالهن عن السبب الذي يجعل بعض النساء تشتري مثل هذه المأكولات جاهزة بدل إعدادها في البيت، حيث أجابتنا معظمهن بنفس الإجابة بالنسبة للنساء العاملات، حيث قالت لنا (مريم) التي تعمل بالإدارة التابعة للجامعة إنها لا تمتلك الوقت لإعداد مثل هذه المأكولات التي لا تزال تحافظ على مكانتها ونكهتها بالرغم من الأطباق المتنوعة التي دخلت بلدنا، أما عن سبب اختيارها لهذا المحل بالضبط فقد أرجعت ذات المتحدثة السبب إلى توفر شروط النظافة التامة التي يبحث عنها أي مواطن الأمر الذي جعل المحل يعج بالزبائن حيث أصبحوا أوفياء له. في نفس السياق بررت (خديجة) ربة بيت وأم لأربعة أطفال سبب تواجدها بالمكان إلى البراعة التامة التي يصنع بها الخبز أو المحاجب، سألناها عن سبب اقتنائها وعدم صنعها في بيتها أجابتنا قائلة: (لماذا أتعب نفسي وهذه المادة وغيرها متواجدة بالأسواق وبنوعية جيدة، كما أن أصحاب المحل أصحاب ثقة وبالتالي فأنا أفضل الاهتمام بالأشياء الأكثر نفعا لي ولعائلتي كمتابعة دراسة أبنائي ورعايتهم حتى لا ينحرفوا عن الطريق خاصة وأننا نعيش في وقت صعب أين أصبح الشارع يتدخل في تربيتنا لأبنائنا مما يستدعي صرامة وفطنة أكبر). ولعل الأمر الذي ساعد على الإقبال بأعداد كبيرة على هذه المحلات في رأي البعض الآخر منهن يعود إلى برودة الطقس التي يحبب فيها الكثير من المواطنين تناول مثل هذا النوع من المأكولات المنزلية، اتجهنا إلى أحد الزبائن من الرجال لنأخذ برأيه في الموضوع، حيث أرجع هذا الأخير أسباب تفاقم هذه الظاهرة إلى تقاعس النساء عن مثل هذه الأمور التي لا تعتبر تعجيزية بل تتطلب الرغبة فقط، مضيفا خلال حديثه أن أمه وبالرغم من كبر سنها إلا أنها لا تزال تتفنن في إعداد كافة أنواع الخبز والمعارك خاصة في المناسبات عندما يجتمع جميع أبنائها، كما أرجع نفس المتحدث السبب إلى كون المرأة المعاصرة انشغلت بأمور كثيرة جعلت معايير حياتها اليومية بين العمل والوظيفة على حساب أشياء أخرى تعتبر مهمة لا يمكن الاستغناء عنها.