أ. هدى محمد أحمد حمودة يروى أنه قدم شيخ جليل ذو علم كبير من بلاد بعيدة على أحد أصحابه في بلد آخر ففرح هذا الرجل وتهلل لقدوم الشيخ لبيته خاصة وأن الشيخ لم يزره منذ ما يقرب من عام فما كان من الرجل إلا أن سعد وفرح ورحب بالشيخ ثم تركه في البيت وجرى مسرعاً إلى محل يبيع الخمور فاشترى الكثير من زجاجات الخمر ثم رجع للبيت مسرعاً ففتح الراديو على الأغاني وقدم الخمر للشيخ وأخذ يشرب الخمر ويرقص وقال للشيخ هذا أفضل احتفال أفعله لك ومن أجلك وكان يقول ذلك وهو تبدو عليه ملامح الجد والشيخ في حاله من الذهول وعدم التصديق لما يراه...... ثم أدخل الرجل أولاده وهم كبار بسن العشرين وطلب منهم أن يرقصوا ويغنوا كما يفعل استقبالا للشيخ الذي حل ضيفا عليهم فرفض واحد كلام أباه وانصرف وأخذ الآخرون يفعلون كما يفعل أبوهم فما كان من الشيخ إلا أن احمر وجهه وغضب وقال لصاحبه أتظن أن هكذا يكون الاستقبال؟! أتستقبلني بما حرم ربي؟! أتستهزأ بي وأنت تعلم من أكون؟! فسخط الرجل من الشيخ وقال أبعد كل ما فعلته لك تغضب مني نعم إن هذا هو أفضل استقبال لك... بكى الشيخ ووعظه وقال له أسأت إلي وجرحتني وأهنتني ولكن رغم كل ما فعلت لن أستطيع أن أقطع صلتي بك لأني أحبك ورحل وهو حزين مهموم قلبه يتقطع حزنا على صاحبه يا ترى هل سيراه العام القادم عندما يأتي أم لا؟؟ هذه قصة واقعية حدثت بالفعل أشخاصها معروفون لنا جميعا فلا تتعجب منها فإنها ليست خيالا نسجته ولا سطورا سطرتها بيدي بل هو واقع وقبل أن أكشف لكم عن ملامح أشخاصها ومن يكونون تعالوا معي نتأمل القصة يا ترى هل ما فعله الرجل مع الشيخ صحيح؟! وهل كان حقا يعتقد أن الشيخ كان سيسعد بهذا الاستقبال؟! هل أصابه الجنون؟؟ ولماذا أطاع الأولاد أباهم وهم كبار ناضجون؟؟ يا ترى ما الذي كانوا يفكرون فيه؟؟ المغزى من قصة البداية هل كان بكاء الشيخ وحزنه من صاحبه أمر طبيعي؟؟ ويا ترى هل لو كنت مكان هذا الرجل كيف كنت ستستقبل هذا الشيخ الجليل؟؟ تريث قليلا قبل الإجابة عن الأسئلة وفكر جيدا ولا تتهم الرجل لا بالجنون ولا بقلة الذوق وحتى توضح الصورة وتكتمل ملامحها سأخبركم من كان هذا الشيخ الجليل أهو الشيخ الشعراوي أم الشيخ عمر عبد الكافي أم...، هو شيخ أكبر قدرا يحترمه العلماء جلهم ويوقرونه لما علموا من فضله وفضائله إنه رمضان شهر القرآن شهر يأتي كل عام ليحل علينا ضيفا كريما عزيزا على قلوبنا هذا الضيف الذي لا يأتي في العام إلا مرة واحدة فهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن وشهر تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران وتصفد فيه الشياطين وفيه ليلة عظيمة ليلة خير من ألف شهر وهي ليلة القدر فهل نستقبله بتوقير وإجلال كما كان سلفنا الصالح؟؟ فقد كان سلفنا الصالح من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتابعين لهم بإحسان يهتمون بشهر رمضان ففيه تزكية للنفس وقرب من الله وفيه أيضا تغلق أبواب النار وتفتح أبواب الرحمة لذلك كانوا يتهللون ويفرحون بقدومه وكانوا يدعون الله أن يبلغهم رمضان قبل رمضان ب6 أشهر ثم يدعونه أن يتقبله منهم 6 أشهر أخرى، كانوا يصومون أيامه ويحفظون صيامهم عما يبطله أو ينقصه من اللغو واللهو واللعب والغيبة والنميمة والكذب، وكانوا يحيون لياليه بالقيام وتلاوة القرآن، كانوا يتعاهدون فيه الفقراء والمساكين بالصدقة والإحسان وإطعام الطعام وتفطير الصوام، كانوا يجاهدون فيه أنفسهم بطاعة الله ويجاهدون أعداء الإسلام في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله. هكذا كان استقبال سلفنا الصالح فكيف نحن؟! تعالوا معي أخبركم من الرجل الذي استقبل الشيخ الجليل[رمضان] إنه التليفزيون بقنواته التي تمتلأ عن آخرها بمسلسلاته وبرامجه التي تلهي وتضيع أوقاتنا وتصرفنا عن الاستمتاع بحلاوة هذا الشهر العظيم وثوابه فتعج القنوات وتتنافس بشكل رهيب لا نجده يحدث في أي شهر آخر وكأنهم يتحدوا بعض أي قناة ستضيع ثواب رمضان على الأمة وأي مسلسل سيجذب أعين المسلمين عن القرآن وهم في ذلك يدعون أن هذا هو أفضل استقبال لشهر رمضان فيا ترى هو استقبال أم استهزاء بفضل هذا الشهر الذي خصه الله عن باقي الأشهر؟!. وبقى أولاد الرجل الذي استقبل الشيخ لم نكشف عنهم بعد أتعلمون من هم؟! إنهم نحن فمنا من انصرف عن هذا التليفزيون وما يحويه من اللهو والاستهزاء بشهر رمضان واشتغل بالطاعة لما علمه من فضائل هذا الشهر العظيم وكيف لا وهو شهر واحد أيامه معدودة فإن فاتت وضاعت ضاع معها خير كثير لا يعوض فبصيامه تغفر خطايا العام فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله تعالى له ما تقدم من ذنبه) ويضاعف الله لنا الأجر ويسعد بنا ويستجيب دعاءنا فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك) والأجمل والأحلى أنه بثلاثون يوما فقط تفتح لنا أبواب الجنان فينادى علينا لدخولها من باب خاص لنا تكريما وتشريفا لنا إنه فضل الله إنها الجائزة الكبرى وغاية كل منا فعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من كان من أهل الصيام دعي من باب الريان). الله كريم أعطانا شهر ليمحصنا وينقينا به من الخطايا والذنوب ويرزقنا به الجنة أيا ترى من منا سينال هذا الفضل غير منقوص؟؟. نأتي للذين ألهاهم التليفزيون عن هذا الشهر الفضيل فأتبعوا أهوائهم وتسرب اليوم وراء اليوم حتى رحل رمضان حزينا باكيا مهموما على حالهم وعلى استقبالهم له وحاله يقول يا ترى هل سأراكم العام المقبل هل ستكونون من ساكني الدنيا أم من ساكني القبور؟؟ لماذا لم تغتنموني؟؟ لماذا ضيعتموني؟؟ هم غفلوا عن هذا الشهر عن قدره وهو شهر العتق من النار، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال صلى الله عليه وسلم: في رمضان (ينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة) رواه الترمذي. وفيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين، ففي الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين)، وفي لفظ (وسلسلت الشياطين) أي: أنهم يجعلون في الأصفاد والسلاسل، فلا يصلون في رمضان إلى ما كانوا يصلون إليه في غيره. وهو شهر الصبر، فإن الصبر لا يتجلى في شيء من العبادات كما يتجلى في الصوم، ففيه يحبس المسلم نفسه عن شهواتها ومحبوباتها، ولهذا كان الصوم نصف الصبر، وجزاء الصبر الجنة، قال تعالى _ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ _ [الزمر: 10]. وهو شهر الدعاء قال - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم) رواه أحمد. وهو شهر الجود والإحسان؛ ولذا كان - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت في الصحيح - أجود ما يكون في شهر رمضان. وهو شهر فيه ليلة القدر، التي جعل الله العمل فيها خيراً من العمل ألف شهر، والمحروم من حرم خيرها، قال تعالى _ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ _ [القدر: 3]، و عن أنس رضي الله عنه قال: دخل رمضان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم). اللهم لا تجعلنا من المحرومين واصرف عنها الهوى وسوء النفس واجعلنا ممن وعى إلى هذه الفضائل الجمّة، والمزايا العظيمة في هذا الشهر المبارك، فعرف له حقه، فقدره حق قدره، واغتنم أيامه ولياليه، ففاز برضوان الله والعتق من النيران. سؤال أخير هل تهيأت لاستقبال شهر رمضان كما تستعد لاستقبال أي ضيف؟؟ هل حضر كل منّا نظام وجدول لاستقبال شهر القرآن حتى لا يفوته شيء من الأجر أم مازلنا لم ننتبه بعد أنه قادم قريبا بشوق لنا فهل اشتقنا نحن له؟! اللهم بلغنا رمضان.