أقامت رابطة الكتاب السودانيين جلسة لتدشين المجموعة الشعرية (وتريات إسماعيل صاحب الربابة) للشاعر العائد من المهجر معتصم الإزيرق، والتي صدرت عن دار عزة بالخرطوم في الأيام الماضية. ومعتصم الإزيرق شاعر من جيل السبعينيات، حاصل على درجة الماجستير في النقد الأدبي من جامعة القاهرة الأم، وماجستير من لندن في الدراسات الموسيقية والتي بدأها في معهد الموسيقى والمسرح بالخرطوم. تميزت هذه المجموعة باتكائها على التراث الشعبي السوداني، واستفادة الشاعر من قراءة هذا الموروث، ومن ذلك اهتمامه برمزية الشاعر إسماعيل صاحب الربابة الذي يعادل أورفيوس في الأسطورة الإغريقية، الذي كان ملهما لعدد من شعراء السودان ونقاده منهم الشاعر الدكتور محمد عبد الحي. وفي الديوان نجد اهتماما بموسيقى الشعر، والصورة الشعرية، وتداخل الأزمنة، وشيء من الإسقاط على الأحوال الراهنة في السودان في قصيدته (خليل عزة) استدعاء لشخصية (خليل فرح) الشاعر والفنان والثائر، وهي تمثل قناع الشاعر ليُسقط رؤاه على الزمان الحالي: طارق يطرق القلب يسأل عن حال عزة عن ليل عزة عن حلمها طارق من بلاد الخليل قال لي: جئت من عنده فلقد طالما راعه ما تنامى إلى سمعه من مواجيد أخبارها.. وفي قصائد المجموعة قراءة بصيرة للربيع العربي في مصر وتونس واليمن وليبيا، ومن ذلك قصيدته (ملحمة النيل)، وهي تستفيد من شعر المتنبي: أفاقت نواطير مصر على ما تعيث ثعالبها بالعناقيد ما تصطفيه لأنفسها وما تنتقيه لأعدائنا ويتميز شعر الإزيرق بحس درامي في استخدامه للحواريات في قصيدة خليل عزة وبين النيل والتيجاني وغيرهما من القصائد. وقدم تراكيب وصورا تمت إلى الحداثة بصلة قوية تبدو جلية في مزجه بين الصورة التراثية ورؤى المستقبل: ليل ما كان من ليل آفاتها .. لا يكون ليتها بعد طول التسكع.. والاستباحة في مهدها تطمئن ولا يفلح الصائدون: ليت أن الغزالة في قدّ هذي الفتاة الجميلة أن الفتاة الجميلة في قد هذي الغزالة تسبي عيون الخيال، وتستمرئ الاشتهاء على قدر هذا الجنون ومعتصم الإزيرق يسعي لأن يرسم خارطة الوطن الكبير من خلال أسفاره في ذاكرة القرية والمدينة، ويستدعي من التاريخ شخصيات مثل (تهراقا)، و(ود تكتوك)، و"المك نمر"، و(ود حبوبة)، وطه القرشي، ليعقد ما بين حبل الماضي ورؤى المستقبل في بحثه عن مدينة العشق الضائعة: فانتبهنا للفراش المنتشر في متاهات خطانا، وخلايا دمنا، في القرى المفتوحة الأسوار للذكرى وللإلْف الضنين، في ارتحالات السنين وتشكل الهوية أسئلتها بين وتريات القصيدة وصاحب الربابة حين يقول: يا إسماعيل تعَودْ عشق نساء الزنج الغنيجات وعشق صبايا العربان وواعدهن إلى دخلة ليل قادم ويقول في القصيدة ذاتها: وطني محض حضور .. ومغيب وأنا عربي لكني زنجي زنجي لكني عربي في هذا البرزخ يا طائر قدري ويرى الناقد مجذوب عيدروس أن هذه المجموعة بها حشد من الصور والأخيلة، والشعر الذي يجمع بين أصالة الموروث الشعبي والعربي، وتجليات الحداثة، سواء في بناء القصيدة وجماليات القاموس الشعري. ويضيف أن هذا الشعر يمثل إضافة للقصيدة العربية في السودان، وخلاصة تجربة إبداعية لامست الموسيقى والشعر والنقد لعقود أربعة. أما الكاتب نادر السماني، فيقول إن نصوص هذه المجموعة غالبا تصدر بأبيات من الشعر المغنّى في السودان بلغة أهله المحكية. وفي هذا تبدو النصوص في المجموعة وترا يحاور أوتار بنية ثقافية منغرسا فيها ومتفاعلا مع عناصرها. ويضيف أن في مجموعة وتريات ما يتناص مع الفيتوري في صوفياته ومحمد عبد الحي في سنارياته ودرويش في إيقاعاته.