لا بشائر تلوح في الأفق اللبناني بشأن تسوية أزمة دار الفتوى مع إصرار رؤساء الحكومة السابقين على موقفهم بعزل مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني، الأمر الذي ينبئ بتعميق الهوة بين المؤيدين والمعارضين من أبناء الجماعة السنية لبقاء المفتي حتى نهاية ولايته في سبتمبر 2014. وكان رئيس الحكومة الأسبق ورئيس كتلة تيار المستقبل البرلمانية فؤاد السنيورة تقدم بعريضة لعزل المفتي حظيت بتأييد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ورئيس الحكومة المكلف تمام سلام، في حين يبدو رئيس الحكومة الأسبق عمر كرامي غير متحمس للموضوع بالصورة التي طرحها السنيورة. ويتهم أعضاء المجلس الشرعي الأعلى الذي يضم رؤساء الحكومة السابقين المفتي بالاستئثار بإدارة دار الفتوى وتهميش دورهم، وهو ما ينفيه المفتي ومؤيدوه. وتعمق الخلاف بعد إقدام المفتي على تنظيم انتخابات المجلس الشرعي رغم اعتراض المجلس على آليات إجرائها. ويرى عضو المكتب السياسي بتيار المستقبل محمد المراد أن عزل المفتي لم يعد مطلب المجلس الشرعي بل مطلب عموم أبناء الطائفة السنية. وكشف أن مسألة العزل باتت مسألة وقت بسبب الإجراءات القانونية التي ستتخذ على مستوى المجلس الشرعي والهيئة الناخبة بسبب حساسية الموضوع. وإلى جانب تهمة استئثار وتفرد المفتي بإدارة شؤون دار الفتوى، ساق محمد المراد تهما أخرى قال إنها تتعلق باختلاسات وتلاعب بالأموال، وقال إنها موثقة بأدلة وقرائن صادرة بتقرير من مؤسسات المحاسبة والتدقيق المالي. من جهته يرى رئيس المكتب الاعلامي للجماعة الإسلامية (الإخوان المسلمين) أن تصرفات المفتي (تسببت في شق الصف السني من خلال إصراره على إجراء انتخابات المجلس الشرعي في ظل اعتراضات واسعة في الساحة الإسلامية، قبل إدخال تعديلات على القانون الخاص بانتخاب المجلس). ويضيف (تمادي المفتي بلغ حد تعيين مفتين للمناطق خلافا للقوانين، ولهذا لم يكن من خيار سوى التوقيع على العريضة التي وقع عليها رؤساء الحكومة السابقين و80% من الهيئة الناخبة للمفتي). ومن جانبه يرى رئيس تحرير صحيفة اللواء صلاح سلام أن توقيع العريضة من قبل رؤساء الحكومة الأربعة رغم خلافاتهم السياسية يدل على أن أكثرية أهل السنة والجماعة مع مسألة العزل. ويعتقد سلام أن التجاوزات التي حصلت وحاولوا إصلاحها عبر إدخال نظام مالي وإداري جديد على دار الفتوى لم تلق تجاوبا من قبل المفتي، لذلك لجؤوا لخيار العزل. ولفت إلى أن المفتي سعى إلى تغيير بنية الهيئة الناخبة لمفتي الجمهورية، بحيث يأتي بأكثرية تأتمر بأوامره حتى يستطيع تغيير المرسوم الخاص بتنظيم شؤون الجماعة المسلمة السنية الصادر عام 1955، حتى يتسنى له تعديل سن تقاعد المفتي مما يجعله مفتيا مدى الحياة، وهو لب الخلاف السياسي بينه وبين قطاع واسع من الطبقة السياسية السنية. وبخصوص التقارب الحاصل بين المفتي وقوى 8 مارس وخصوصا حزب الله، أوضح سلام أن التقارب جاء بعد رفض محاولته تعديل قانون تقاعد المفتي لاستخدامه ورقة سياسية، وهو ما يتناقض مع ما يقول إنها مصالح لجماعة السنية، الأمر الذي أثار مشاعر سلبية بدعوى أنه (يحاول تسييس الموضوع بطريقة لا تتماشى مع خياراتهم وتوجهاتهم السياسية). في المقابل، قال مدير عام الأوقاف الإسلامية الشيخ هشام خليفة إن توقيع عدد من أعضاء الهيئة الناخبة للمفتي على العريضة تم تحت الضغط المعنوي، وإن عددا منهم اتصلوا به لطلب الاعتذار من المفتي، وبالتالي فإن هذه العريضة لا أساس لها برأيه. وأضاف (حتى لو سلمنا جدلا أن هناك من وقع عليها فهي مخالفة لأصول الدستور وأصول التعامل مع قضية انتخاب مفتي الجمهورية). واعتبر خليفة أن ما جرى يعد (سابقة خطيرة ويكاد يكون هنا شبه إجماع في الشارع السني على أن هذه خطوة جديدة مبتكرة تمس بهيبة المرجعية والمقام قبل الاسم). ونفى خليفة نية المفتي البقاء بمنصبه مدى الحياة، مؤكدا أنه سوف يغادر منصبه فور انتهاء ولايته في 15 سبتمبر 2014. ويطالب رئيس الوزراء الأسبق سليم الحص بسحب عريضة العزل، في وقت تعارض فيه كل من جبهة العمل الإسلامي ورئيس حزب المؤتمر الشعبي اللبناني(ناصري) كمال شاتيلا وحزب الاتحاد، عزل المفتي وتعتبره ضربا لوحدة الجماعة السنية في لبنان. ويشرف المجلس الشرعي على إدارة الأوقاف السنية وتنظيم أمور المسلمين الشرعية في لبنان، وفق ما يحدده النظام الداخلي لدار الفتوى، ويضم 24 عضوا منتخبين، بينما يعود إلى المفتي تعيين ثمانية أعضاء آخرين، ويكون رؤساء الحكومات السابقون أعضاء فيه.