تعيش الساحة المصرية منذ الانقلاب العسكري على الرئيس المعزول محمد مرسي على وقع حالة من الانقسام السياسي التي باتت تهدد طموحات المصريين في دولة مستقرة. وبينما تؤكد السلطات القائمة أن الجميع مدعو للمشاركة في بناء مصر تظل هذه الدعوات -وفق مراقبين- مجرد حديث للاستهلاك المحلي عبر وسائل الإعلام دون أن تتبلور في شكل مبادرات حقيقية للبدء في مسار المصالحة. واعتبر مراقبون أن الحديث عن المصالحة يبدو بعيد المنال في ظل اعتقال أغلب معارضي الانقلاب العسكري وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين واتهامهم بالتحريض على العنف، وهو ما يثير العديد من التساؤلات أبرزها مع من تتصالح السلطة بعد سجن معارضيها؟ وفي ظل تمترس فرقاء السياسة خلف مواقفهم تبدو محاولات إقرار المصالحة الوطنية ضربا من الخيال، حيث تقتضي هذه المصالحة الإقدام على نوع من التسويات السياسية التي يُعَرِّفُها كل طرف وفق أهدافه. وفي هذا السياق يؤكد نائب رئيس الحزب الإسلامي وعضو التحالف الوطني لدعم الشرعية مجدي سالم أن عودة الشرعية والإفراج المعتقلين منذ انقلاب الثالث من جويلية تعد شرطًا أساسيًا للحوار من وجهة نظر التحالف. وأضاف سالم، أنهم يقبلون ببعض الحلول الوسط كإجراء استفتاء شعبي أو انتخابات رئاسية مبكرة "إلا أننا نرفض أن نستسلم للأمر الواقع الذي فرضته سلطة الانقلاب وسنستمر في التعبير عن رفضنا هذا بشكل سلمي". ويؤكد المحلل السياسي ورئيس تحرير مجلة الديمقراطية بشير عبد الفتاح أن الخطاب الإعلامي التحريضي الذي يعمل على شيطنة الإخوان المسلمين وسعي التيار الليبرالي "المتمثل في جبهة الإنقاذ " إلى تنحية الإسلاميين تمامًا عن الساحة السياسية يعمل على توسيع هوة الخلاف القائمة. وأشار عبد الفتاح، إلى أن الشفافية في محاكمة الموقوفين من قيادات التيار الإسلامي ومنح فرصة المشاركة لمن لم يثبت تورطهم في التحريض على العنف يمكن أن يدفع باتجاه المصالحة. وأكد رئيس تحرير مجلة الديمقراطية أن عدم التوصل لمصالحة حقيقية سيضع الجميع في مأزق أكبر من المأزق الحالي حيث ستزداد صورة الإخوان سوءا بأعين المواطنين من جهة، كما ستظهر السلطة الحالية أمام العالم وكأنها لا تريد المضي في بناء ديمقراطية حقيقية من جهة أخرى. وقبل ذلك، أكدت جبهة الإنقاذ في العديد من بياناتها تأييدها لسلطة الانقلاب فيما أعلنته من شروط تتعلق بضرورة ألا تشمل المصالحة من تلوثت أيديهم بالدماء على حد وصف أعضاء الجبهة. وبينما تمسك قياديو الجبهة بعدم الإدلاء بأي تصريحات قالت أميرة العادلي، وهي واحدة من شباب الجبهة، إن الأمر لا يحتاج إلى حوار أو لقاءات، فمن لم يتورط في أعمال عنف من جماعة الإخوان يحق له ممارسة العمل السياسي شريطة أن يعترف بأن ما حدث في 30 جوان "هو ثورة شعبية، وتقديم اعتذار رسمي للشعب عما ارتكبته الجماعة من أخطاء سياسية، وأن يلتزم ببنود خريطة المستقبل". وأكدت العادلي أن شباب الجبهة يسعون لإعادة محاكمة مبارك ورجاله بمجرد إصدار قانون العدالة الانتقالية، مشيرة إلى أن ما صدر من أحكام بالبراءة بحقهم جاء نتيجة لغياب هذا القانون، وهو الخطأ الذي لن يتكرر مرة أخرى على حد قولها. وكانت شخصيات سياسية مصرية وعربية قد بذلت جهودًا للخروج من الأزمة قبيل فض اعتصامي رابعة والنهضة، إلا أنها لم تجد قبولا لدى الفرقاء السياسيين، ثم جاءت مجزرة فض الاعتصامات لتضع الجميع أمام خيارات أحلاها مر. حملة أمنية واعتقالات بكرداسة وسيناء من جانب آخر أمر النائب العام في مصر بفتح تحقيق في أحداث اقتحام منطقة كرداسة التابعة لمحافظة الجيزة، واستجواب المتهمين الذين ألقي القبض عليهم في الحملة الأمنية التي شنتها القوات المسلحة، بالتعاون مع وزارة الداخلية فجر أول أمس. وأسفرت عملية اقتحام كرداسة عن مقتل مساعد مدير أمن الجيزة اللواء نبيل فراج وإصابة خمسة ضباط وأربعة جنود، إضافة إلى اعتقال 65 من المطلوبين، بحسب الشرطة. وذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط أن قوات الأمن ألقت القبض على 65 مطلوبا من بين 140 كانت الشرطة تلاحقهم في المدينة. وقالت وسائل الإعلام الرسمية إن اقتحام القرية التي تبعد 14 كيلومترا عن العاصمة استهدف أيضا إلقاء القبض على متهمين بقتل 11 من رجال الشرطة بالمدينة في أوت الماضي بعد فض اعتصامين لأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي في رابعة العدوية وميدان النهضة. وأكد المتحدث باسم وزارة الداخلية هاني عبد اللطيف لوسائل الإعلام الرسمية "القوات لن تتراجع إلا بعد تطهير كرداسة من كافة البؤر الإرهابية والإجرامية". وأظهرت لقطات بثها التلفزيون الرسمي إطلاق نار غزيرة في قرية ناهيا المجاورة لكرداسة بالقرب من نقطة تفتيش للشرطة خلال ما بدا أنها ملاحقة لمطلوبين، كما أظهرت رجال أمن يدخلون مباني شاهرين بنادقهم فيما حلقت طائرة هليكوبتر فوق مدينة كرداسة التي بدت شوارعها مهجورة في أغلبها. ويشن الجيش والشرطة منذ عزل وتوقيف الرئيس مرسي في 3 جويلية الماضي حملة عنيفة ضد أنصاره لاسيما من جماعة الإخوان المسلمين والذين تتهمهم السلطات المصرية ب"الإرهاب". وتأتي مداهمة كرداسة بعد أربعة أيام من عملية مماثلة قامت بها قوات الجيش والشرطة في قرية دلجا بمحافظة المنيا في صعيد مصر استهدفت القبض على متهمين بحرق كنائس وترويع المسيحيين المقيمين في القرية. من ناحية أخرى، قال الجيش المصري إن قواته وقوات الشرطة ألقت القبض على 15 ممن وصفهم ب"العناصر التكفيرية" في حملة مداهمة أمنية بقرى في شمال سيناء. وأوضح المتحدث باسم الجيش أحمد محمد علي في بيان على صفحته الرسمية على فيسبوك أن من بين هؤلاء أشخاصا متورطين في استهداف النقاط الأمنية للجيش والشرطة بشمال سيناء أو التحريض على الأعمال الإرهابية ضدهم. ولفت إلى أن القوات ضبطت عددا من العربات والدراجات النارية والأسلحة. وكان مصدر أمني مصري قد أعلن القبض على رئيس جمعية أهل السنة والجماعة في العريش أسعد البيك بتهمة التحريض.