القيل والقال، والزواج برؤية ذكورية، ولباس المرأة، وأيضا البطالة وتلوث بحر غزة، وبيئة الخليل، ونظرة المجتمع للمعاقين وقدرتهم على الإنجاب، كلها قضايا مجتمعية وبيئية وثقافية حفلت بها سبعة أفلام لمخرجات فلسطينيات، عرضت في رام الله هذا الأسبوع تحت عنوان (مخلفات) ضمن مهرجان شاشات لسينما المرأة الفلسطينية في دورته التاسعة، وهو المهرجان الذي يحظى بدعم الاتحاد الأوروبي. وحافظ مهرجان سينما المرأة الفلسطينية -الذي بدأ عروضه عام 2005- على انتظامه دون انقطاع مقارنة بما يجري على مستوى العالم العربي، كما توضح مديرته المخرجة الفلسطينية علياء أرصغلي. وتعتبر هذه الأفلام التجربة الأولى للمخرِجات الفلسطينيات، أربع منهن من قطاع غزة وثلاث من الضفة الغربية، كما تعرض ضمن المهرجان ذاته ثلاثة أفلام وثائقية من إنتاج مؤسسات أخرى ستتنقل للعرض في مناطق فلسطينية مختلفة. ويعد فيلم (ريف أسود) للمخرجة فداء نصر من أبرز الأفلام التي عرضت هذا العام، ويتناول مأساة الريف الغربي لمدينة دورا جنوب الخليل بالضفة الغربية، حيث تحوّلت ظاهرة حرق الخردة إلى كابوس يؤرق السكان. وتقول نصر إن المنطقة التي تعيش فيها مع أسرتها فقدت الطابع الأخضر الذي يميز الريف الفلسطيني، وتحوّلت إلى أرض ملوثة تحت سماء من السحب السوداء بسبب حرق الخردة الدائم. وتعمل نصر مراسلة لإحدى الفضائيات الفلسطينية، لكنها تعتقد أن تجربة إخراج الأفلام أضافت لخبرتها الكثير من الناحية التقنية والإنسانية. وترى نصر أن المرأة هي نصف المجتمع، ومن ثم فهذا النوع من الأفلام لا يمكن أن يعالج قضايا النساء فقط، بل يجب أن يتحدث عن المجتمع الذي تؤثر مخلفاته البيئية والمجتمعية على حياتهن وحياة عائلاتهن مباشرة. أما المخرجة الشابة زينة رمضان فاختارت تسليط الضوء على مشكلة (القيل والقال) في المجتمع الفلسطيني في فيلم روائي بعنوان (هش)، فعندما تصبح الألسنة كائنات مقيتة تلاحق كل فكرة وشعور يتحول الواقع إلى كابوس، على حد تعبيرها. وتقول رمضان إن هذا الواقع يؤثر في خيارات الفتيات فيما يتعلق بالدراسة واللباس والزواج وأية محاولة للانخراط في الأنشطة المجتمعية. وسبق لزينة رمضان أن خاضت تجربة الإخراج في شريط (تكسي بنت) الذي تناول أيضا تجربة فتاة تقود سيارة أجرة عمومية في مدينة نابلس شمال الضفة، ورصدت ردود فعل الناس حيال ذلك. وفي فيلم (منشر غسيلو) تتناول المخرجتان آلاء الدسوقي وأريج أبو عيد من غزة بأسلوب ساخر وبالرسوم المتحركة والتصوير الحي جزءاً من قاموس التحرش الجنسي اللفظي الذي تتعرض له المرأة، مهما ارتدت من ملابس، في سياق يوصف ب(الاغتصاب البصري) الذي يعرّي المرأة مهما غطت نفسها. وأخذت منى مطير من غزة أيضا منحى آخر في فيلمها الروائي (ع الفرازة يمّا) الذي ينتقد المعايير المزدوجة التي تحكم اختيار بعض الشباب لزوجة المستقبل بالمقاييس المثالية التي يريدها، ووقتما شاء بصرف النظر عما إن كان شخصا جيدا أم لا. وتناولت المخرجة فادية صلاح الدين فكرة (المخلّفات) الاجتماعية في الفيلم الوثائقي (أولادي حبايبي) الذي يعرض قصة الفلسطينية ردينة أبو جراد، وهي أم لأربعة أطفال واجهت معارضة مجتمعية وعائلية عندما قررت الإنجاب بحجة أنها قد تورث إعاقتها لأطفالها. أما المخرجة رهام الغزالي فعرضت تداعيات البطالة على شباب غزة عبر فيلمها الروائي (آن جي كوز)، من خلال تجربة حمزة الذي تخرج من الجامعة وبدأ البحث عن وظيفة مدة خمس سنوات دون أن يجد عملا، مما ولد لديه عقدة تجاه ورق السيرة الذاتية والشهادات الجامعية. وتناولت المخرجة رنا مطر موضوع حب البحر في غزة كملاذ لسكان القطاع المحاصَر، والمخاوف الموجودة من أن يتسبب تلوثه في نشر أمراض بينهم، وذلك في فيلمها الوثائقي (شكله حلو بس...). ورأت أستاذة صناعة الأفلام في جامعة القدس ليلى عباس التي عملت مدربة مع المخرجات المشاركات، أن مستوى الأفلام يتقدم كل عام، وهذه السنة يكشف عن وعي أعلى بالقضايا التي تؤثر في المجتمع وخاصة الموروثات والمخلفات السلبية. وتقول عباس إن خصوصية الإنتاج السينمائي النسوي تأتي من خلال تقديم الفرصة لفتيات ونساء لرواية قصصهن أو قصص من حولهن التي كانت ستظل مخبأة لو لم يقدمنها بأنفسهن. وتعتقد عباس أن أفلام هذا العام تعكس وعيا بمشاكل مجتمعية، وتؤرخ لمرحلة معينة من حياة الفلسطينيين من المهم عرضها على الشاشة الكبيرة لمناقشتها في المجتمع ونقدها. وترى مديرة مهرجان (شاشات) علياء أرصغلي أن أهمية هذه الأفلام تأتي من كونها غير محصورة في النخبة الفلسطينية وفي الدوائر الثقافية فقط، ولكنها تنتقل إلى الجامعات والقرى والمخيمات لتحدِث نقاشا حولها. كما تعتقد أرصغلي أن مهرجان (شاشات) شكل همزة وصل بين الضفة وقطاع غزة، من خلال التركيز على مشاركة مخرِجات من هنا وهناك وعرض أفلامهن في كل المناطق. وتقول إن (مخلفات) هو صرخة نسوية فلسطينية لوقف السموم البيئية والمجتمعية والثقافية الموجودة في المجتمع كالقيل والقال والتحرش اللفظي في الشارع، وللحديث عن تلوث البحر في غزة والبطالة وتهميش المرأة المسنة والمقعدة، وليرى المجتمع ما يورثه لأجياله. وكما في كل عام، ستنتقل أفلام المهرجان لتعرض في كافة المناطق الفلسطينية وعبر حلقات تلفزيونية متعددة أيضا، قبل المشاركة بها في مهرجانات سينمائية في العالم العربي وأوروبا. وصدر على هامش المهرجان كتاب (عين على سينما المرأة الفلسطينية) لسعيد أبو معلا وريما كتانة بإشراف علياء أرصغلي، الذي يبحث في ماهية سينما المرأة بفلسطين من خلال محاولة للوصول إلى إطار نظري ومنهجي حول تجربة مهرجان (شاشات).