يواكب ثورة المواقع الإلكترونية وتعدد أشكالها وتصنيفاتها ونوعية الخدمات التي تقدمها مواقع من نوع آخر فهي مواقع خبيثة فاسدة مبطنة بغلاف براق زاهي. وهذه المواقع في ظاهرها أنها توصل الشاب بأصدقائه والفتاة بصديقاتها وتوفر لهم إمكانية إضافة ما يودّون من صور وملفات فيديو. وليست هنا الطامة!! ولكن هي في كيفية عمل تلك المواقع، إذ أنها تتيح تصفح العضو فيها لباقي الأعضاء الذين ينتمون لشبكة عضو صديق له مثلا بل إنه بمجرد تسجيلك فهي تعرض جميع ما يحوي بريدك من أعضاء وتدعوك لتدعوهم وإن لم تكن ذا خبرة وتقرأ ما هو مكتوب وضغطت على إكمال أو (next) فسيتم دعوتهم تلقائيا !! وبالتالي شبكات متداخلة من الأفراد وبالتالي تعدد الأهواء والثقافات، فعلى سبيل المثال إن كان لك مجموعة كلها من الصالحين إلا واحدا ثم دخلت على ما يحويه ملفه فسترى العجب العجاب. فما بالك إن أتى من ضغط على ملفك ومن ثم ملف صديقك فحينها ستصبح ممن يدلون على سوء ومن سوء إلى سوء تكبر الدائرة وتعم الطامة وتنتشر الرذيلة. عن أبي هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا) [صحيح مسلم]. وهذا ما حدث معي بالفعل فقد دعاني أحد الأصدقاء لأحد تلك المواقع يوما لنتواصل نظرا للبعد الجغرافي بيننا، فما لبثت أن وجدته ضمن شبكة تضم العديد من أصدقائنا القدامى ومن ضمنهم شاب كان قد سافر لإحدى بلاد الغرب فما أن ضغطت على صورته وبالتالي رأيت الأعضاء في شبكته حتى ألغيت حسابي فورا. قال سبحانه جل وعلا في كتابه: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج:10]. فيا من عرضت صورا لك أو ملفات تخصك أو زفاف أو تخرج جامعي. أما خشيت على نفسك وعلى تلك الصور والأفلام وما قد تؤول إليه؟؟ ويا من عرضت صور أطفالك وأهلك بحسن نية أو بسوء ألا تخاف الشرور والآثام فإن لم تخف من ذلك خف من العين والحسد فلعل في ذلك رادع. قال الله عز وجل: {....كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35]. روى أبو داود بإسناد صحيح - عن المقداد بن الأسود - رضي الله عنه- قال: أيْمُ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنِ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنُ، وَلَمَنْ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهاً) [صحيح سنن أبي داود 3/108، نضرة النعيم 11/5205)]. ويا من كونت شبكة من أعضاء فاسدين لك أن تتخيل أن كل من فيها هم في ميزان سيئاتك إن لم تتب إلى الرحمن وترجع إليه خاصة أنّك لن تستطيع أن تعرف بحال من الأحوال حجم هذه الشبكة والشبكات المتفرعة منها. قال سلمان الفارسي رضي الله عنه: (ثلاث أعجتني حتى أضحكتني: مؤمل الدنيا والموت يطلبه! وغافل يغفل ليس يُغفل عنه! وضاحك ملء فيه ولا يدري أساخطٌ رب العالمين عليه أم راضٍ). جهولٌ ليس تنهاه النواهي *** ولا تلقاه إلاّ وهو ساهي يسر بيومه لعباً ولهواً *** ولا يدري وفي غده الدواهي استبيحت الحرمات وانتشر الفجور والفساد فإن لم تكن معول بناء وصد لدينك فلا تكن معول هدم له. فكلنا ذو خطأ نعم وكلنا نذنب، ولكن إيّاك إيّاك أن تكون ممن يدعون إلى ذنب ومعصية. وأذكر نفسي وأذكركم بالعودة إلى الله والتوبة والإنابة له سبحانه فالعاقل من قهر نفسه والشقي من أتبع نفسه هواها. عليك بزاد الآخرة.. واحرص على اقتنائه كما تحرص على زاد الدنيا.. فإنّ زاد الآخرة هو الزاد الباقي، وصاحبه هو الغني حقا، ولتستعد لحفرة لا ينير ظلمتها إلا صالح الأعمال! يا غادياً في غفلة ورائحاً *** إلى متى تستحسن القبائحا وكم إلى كم لا تخاف موقفاً*** يستنطق الله به الجوارحا واعجباً منك وأنت مبصرُ*** كيف تجنبت الطريق الواضحا وكيف ترضى أن تكون خاسراً *** يوم يفوز من يكون رابحاً فإن اللقاء قريب، والحساب طويل! ويومها سيعرف الفائز من الخاسر، فتزود قبل أن تكون من النادمين! وبادر بالصالحات قبل أن تصبح من الخاسرين! {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31]. {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [التوبة:126]. فالمؤمن على نور وبصيرة لا يخطو خطوة قبل أن يعرف أين موطئها فعليك بالتنبه للمتربصين، والتفطن لمن يسعون بالفتنة أو يحاولون استغلال أجوائها لبث شرورهم وباطلهم، فذلك مطلب حتى لا تتسع الفتنة وتعمّ البلبلة. فالله الله بالمسلمين والمسلمات، أسأل الله أن يحفظ شبابنا وبناتنا من كل مكروه وسوء ويهديهم إلى الصراط المستقيم ويثبتهم على الحق إلى يوم الدين.