ستستغني مدينة حلب الواقعة بأقصى الشمال السوري في الأشهر القليلة المقبلة عن أكثر من 500 مؤذن تم اعتبارهم مزعجين بأصواتهم التي وصفتها مديرية الأوقاف في المدينة بنشاز وقبيحة، لذلك فهي تنوي استبدالهم بمن سيفوزون في أول مسابقة من نوعها ستُجرى السبت المقبل لاختيار أصحاب الأصوات الجميلة في المدينة المعروفة منذ مئات السنين بلقب أم الطرب. وشرح الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني، وهو مدير مديرية الأوقاف بحلب، ل"العربية.نت" أن المسابقة هي فكرته التي عمل على تنظيمها منذ شهر، ودعا صاحب كل صوت جميل للمشاركة فيها ضمن موعد أقصاه السبت المقبل، وهو اليوم الذي ستبدأ فيه لجان عدة من "السميعة" تضم كلُّ منها 3 حكام "خبراء بالموسيقى والطرب والصوت، باختيار الأفضل والأجمل بين الأصوات" كما قال. وحلب، وهي أكبر مدينة سورية بسكانها البالغين أكثر من 3 ملايين نسمة، هي عنوان أكثر من ألف مسجد يرفع فيها الأذانَ مؤذنون ليسوا جميعهم من أصحاب الأصوات المقبولة للذوق العام، خصوصاً للسميعة من أبناء المدينة، ومعظمهم خبراء بالسليقة والفطرة في تمييز القبيح من الجميل في عالم الأصوات، إلى درجة يقولون معها إن الحلبي لا يبكي كما الخارجين من بطون أمهاتهم إلى الدنيا، بل مدندناً بلحن كسواه من المواليد الجدد حين يبصر النور في مدينة القدود والمقامات الأصيلة. مع ذلك يقول الدكتور محمود إن فكرة المسابقة لم تأته بعد شكاوى تقدم بها بعض السكان المنزعجين من بعض أصحاب الأصوات النشاز من المؤذنين "فأنا أول المنزعجين منها بالأساس، لذلك سارعت لإنقاذ هذه الوظيفة الدينية الحميدة وإعادتها إلى القصد الأساسي منها، وهو الدعوة إلى الصلاة بطريقة محببة ومنسجمة مع الذوق العام، لا المنفرة، وهي في الأساس مستندة إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم" وفق تعبيره. وذكر الدكتور محمود أن النبي اختار بلال الحبشي، رضي الله عنه، لأن "مؤذن الرسول" كان أجمل وأقوى صوتاً من سواه "لا لأنه كان الأتقى بين الصحابة بالتأكيد، لذلك فالدعوة إلى اختيار الأجمل صوتاً ليكون مؤذناً هي دعوة فاضلة لأنها من السنة الكريمة" كما قال. "لن نبلغهم بأن أصواتهم قبيحة" وشرح المزيد فذكر أن أكثر من 70 مرشحاً تقدموا حتى الآن للمسابقة "وهو عدد قليل لأن المعركة لم تحتدم بعد، وهي ستتسارع لتبلغ حميتها هذا الأسبوع بالذات، حيث أتفاءل بأن يزيد العدد على 700 مرشح سنختار منهم 500 بدلاً ممن سنستغني عنهم كمؤذنين". وعما إذا كان الاستغناء عن 500 مؤذن دفعة واحدة من أصحاب الأصوات القبيحة هو أول عملية طرد جماعي من العمل في إدارة للأوقاف بالعالم الإسلامي، نفى اعتبار الاستغناء "طرداً"، واعتبرها أكبر عملية "تبديل وظيفي" ربما، وقال: "لا، لن نطردهم، بل سنبلغهم بتغيير وظائفهم من مؤذنين إلى كتبة أو عاملين في الشؤون الإدارية وغيرها بالأوقاف وسيبقون عاملين معنا برواتبهم نفسها" بحسب تأكيده وطمأنته لهم. وذكر أنه لن يبلغهم بأن السبب هو "نشاز أصواتهم أو قبحها المزعج، بل عملية تغيير في الوظيفة فقط، علماً بأني عقدت اجتماعاً قبل مدة مع المؤذنين وطلبت ممن يعتقد بأن صوته لا يناسب وظيفة مؤذن أن يطلب بنفسه نقله إلى وظيفة جديدة، لذلك فأنا متفائل بأن يقوم عدد منهم بطلب تغيير وظيفته بإرادته منعا للحرج" كما قال. والمغريات كثيرة لمن يبتغي العمل مؤذناً في مدينة أسعارها من الأرخص بالمنطقة العربية، فبالإضافة إلى الراتب، وهو تقريباً 10 آلاف ليرة سورية "هناك إكراميات وهدايا وأتعاب سيتلقاها المؤذن الجديد من السكان وتزيد على 15 ألف ليرة، أي أن إيراده الشهري سيزيد على 400 دولار" وفقا لحسابات الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني. الإيراد من الخارج أكبر من الراتب وتأتي هذه "الإكراميات والإيرادات" من الحفلات الإنشادية والمقامات التي يحييها المؤذن لمن يرغب لقاء أجر معلوم. كما أن عمل المؤذن في عاصمة محافظة حلب "هو أكبر دعاية له، فالكثيرين من مشاهير المطربين السوريين كانوا مؤذنين سابقا، ومنهم صباح فخري". كما أن عمل المؤذن غير مُتعب "فرفع الأذان لا يستغرق عادة أكثر من 5 دقائق، لكنه يجب أن يرفعه 5 مرات في اليوم، من الفجر حتى العشاء، علماً أن لكل أذان مقاماً موسيقياً معيناً، لذلك يجب أن يكون صاحب الصوت الجميل ملماً بالإلقاء المقامي، وطريقة انسجامه مع سمع صاحب الذوق الرفيع" بحيث تغدو حلب حين يرتفع الأذان من ألف مسجد في أرجائها وأعاليها موحدة الانسجام بين التردد الصوتي في الأجواء وصداه الفضيل. يُذكر أن للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني موقعاً على الإنترنت مزوداً بصور وفيديوهات يشرح فيه الكثير عن نفسه وإنجازاته، بأسلوب جميل.