أصبح إعلان ترشّح وزير الدفاع المشير عبد الفتّاح السيسي لرئاسة مصر قاب قوسين أو أدنى، فقد رُقّي إلى رتبة مشير -أعلى رتبة عسكرية في الجيش المصري- ونال تفويض المجلس الأعلى للقوات المسلّحة بخوض انتخابات الرئاسة في بيان رسمي، بالإضافة إلى إعلان رئيس الحكومة حازم الببلاوي عن قرب القيام بتعديل وزاري يشمل حقيبة الدفاع والتصنيع الحربي. يرى مراقبون أن السيسي نقض كلامه بألا يطلب الحكم ولا يسعى إليه، بينما رأى آخرون أنه لن يعلن ترشّحه إلا استجابة لطلبات الشعب والجيش معا. ومع هذا التعارض في التقييمات تلح الأسئلة التالية، ومفادها: هل نزل معارضو مرسي في مظاهرات 30 جوان 2013 للتخلّص من حكم الإخوان للارتماء في حضن العسكر ثانية؟ ولماذا تداعت الأحزاب المدنية -التي ملأت الدنيا صراخا عن الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة- لدعم ترشيح السيسي حتى قبل أن يعلن موقفه رسميا، ولم تدفع بمرشح مدني للرئاسة؟ المتحدّثة باسم التيار الشعبي هبة ياسين لم ترَ في تفويض الجيش للسيسي للترشّح للرئاسة حدثا كبيرا، باعتبار أن السيسي ذاته لم يعلن موقفه النهائي حتى اللحظة، حسب قولها، وأضافت: (موقفنا كتيار شعبي نعلنه في حينه، ويظل ترشح السيسي افتراضا حتى الآن، وكذلك لم يحسم حمدين صباحي موقفه من الترشح للرئاسة، ولا صحة لما تردد في الصحافة أن حزب الوفد طالب صباحي بالامتناع عن الترشح في مواجهة السيسي). وأشارت هبة ياسين إلى أن القوى السياسية تعترف بالشعبية الجارفة التي حققها السيسي في الأشهر الماضية، وأنه رجل وطني وقريب من نبض الجماهير. أما المتحدّث باسم حزب المصريين الأحرار شهاب وجيه فيؤكد أن حزبه يدعم بقوة ترشيح السيسي لرئاسة الجمهورية، وقال: (صحيح أن المشير لم يعلن ترشحه حتى تاريخه، لكنه في الوقت ذاته حقق خطوتين مهمتين في طريقه لقصر الرئاسة، أولاهما الرصيد الشعبي الكبير، وثانيهما موافقة الجيش على ترشحه، وقد خرجت جموع شعبية كثيرة في الشوارع ترفع صوره وتنادي به رئيسا). وعن تقييم (المصريين الأحرار) لتلك الخطوة وهل يعتبرون ترشّح السيسي خطوة على طريق الديمقراطية أم نقضا لمبادئ ثورة جانفي و30 جوان؟ أضاف وجيه: (من حقّ كلّ مواطن الترشّح للرئاسة، ويرى كثيرون أن السيسي يتّخذ قرارات جريئة، ونتوقّع أيضا أن يترشهح حمدين صباحي وآخرون، وسنتّخذ قرارنا في الهيئة العليا للحزب فور إعلان المرشّحين عن برامجهم، ومن خلال التجربة يتّضح إذا ما كانت خطوة على طريق الديمقراطية أو العكس). وعن ادّعاء البعض أن دخول السيسي سباق الرئاسة يؤكّد مقولة أن مصر تميل لحكم العسكر قال وجيه (لا اعتبار للخلفية العسكرية أو المدنية للمرشّح، بل المهم تنفيذ البرنامج الذي يعدنا به وإمكانياته وقدراته في اتّخاذ القرارات وطريقته في إدارة مؤسسة الرئاسة، ولا خوف على الحرّيات من رئيس ذي سيرة عسكرية، فمرسي كان مدنيا وعصف بالحريات العامة)، حسب قوله. وتفسيرا لإجماع الأحزاب المدنية على الدفع بمرشح عسكري لسدة الحكم، يقول نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية المستشار مختار غباشي (الأغلبية تعتبر السيسي رجل المرحلة، وخفتت شعبية من خاضوا سباق الرئاسة في 2011، فأصبح هو فرس الرهان). ويؤكد غباشي أن التيار الليبرالي المدني فشل في تقديم مرشح قادر على المنافسة، لذلك ينطلق السيسي بقوة ليفوز المنصب. وعن تاريخ العسكر في حكم مصر أوضح غباشي: (رأيي أن العسكر حققوا فشلا ذريعا في أربع حقب بالحكم، فالحرّيات لم تتحقق في عهد عبد الناصر، ورغم إصداره قانون الإصلاح الزراعي وإعلانه تعاطفه مع الفلاحين والفقراء فقد أهدر قيم الديمقراطية، أما السادات فكان أكثر حرفية وحرر سيناء، لكنه لم يحقق نهضة شاملة ولم يحرك عجلة التقدم بالدرجة المأمولة، ويعتبر مبارك أسوأ حكام مصر من العسكر فسقط في 25 جانفي). وعن توقّعاته لأحوال مصر لو تقلد السيسي الحكم، قال غباشي: (هو رجل مخابرات، وصاحب قرارات وله موقف اتفقت أو اختلفت معه، وله كاريزما وحاز شعبية، يخاطب الناس بما يناسبهم ويعتبره كثيرون مخلصا لهم من حكم الإخوان والتيار الإسلامي، أما قدرته على صون الحريات وتحقيق النهضة فلا يمكن التنبؤ بها، خاصة أنه لم يترشّح بعد ولم يطرح برنامجا يمكننا قراءته وتحليله). ويشير غباشي إلى أن كراهية الناس لحكم الإخوان دفعتهم للارتماء في حضن العسكر، مؤكّدا أن (مشكلة كبيرة للإخوان أن يضطروا الناس للتحالف مع الشيطان كي لا يبقى لهم وجود في الساحة السياسية، وواقع الحال أن أي رئيس بلا ظهير شعبي لن يمكث في حكم مصر ولو جاء عبر الصندوق).