رفعت الحكومة الجزائرية في السنوات الأخيرة مشعل قطاع السياحة من أجل الخروج من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد بفعل تراجع أسعار البترول الذي يعد المصدر الرئيسي للعملة الصعبة في البلاد، غير أن الحكومة ما تزال إلى غاية الآن تلجأ إلى قرارات ارتجالية لتطوير القطاع في الوقت الذي كان يجدر بها الجلوس على طاولة الحوار مع الفاعلين في السياحة من أجل وضع خارطة الطريق لتطوير هذه الأخيرة في الجزائر. لا يكاد يختلف اثنان على جمال المناطق الطبيعية التي تتوفر عليها الجزائر نظرا لتنوع جغرافيتها من الشمال إلى الجنوب، فكل من يزور البلاد لأول مرة ينبهر بجمال البلاد على غرار ما يحدث في الفترة الأخيرة مع التونسيين الذين بدأ عددهم يتزايد في الفترة الأخيرة والذين تعجبوا من جمال الجزائر ومناطقها السياحية العذراء التي لا تتوفر بلادهم عليها أو حتى على نصفها، وهو ما حدث أيضا مع أحد الإيرلنديين الذي زار قرابة 200 دولة حول العالم واختار في النهاية الجزائر لتكون أجملها إلى جانب الفيليبين من وجه نظره، لكن في المقابل فإن الحكومة الجزائرية ما تزال تجهل الطريقة المناسبة لاستغلال هذه الإمكانيات التي تتوفر عليها البلاد من أجل تطوير قطاع السياحة وجعله حقا من أهم القطاعات في البلاد وهو ما أعلنته عند انخفاض أسعار البترول، إلا أن نتائج ذلك لم تظهر إلى غاية الآن على أرض الواقع، فيكفي إلقاء نظرة على حظيرة الفنادق في الجزائر لمعرفة جوهر المشكلة التي تقف أمام تطور هذا القطاع الذي يمكن القول بأن الفوضى هي أبرز سماته، حيث يتفنن كل صاحب فندق في وضع الأسعار مستغلا الفراغ القانوني الذي يحدد الأسعار حسب عدد النجوم التي يتوفر عليها الفندق على غرار ما نجده في جل الدول السياحية ويمكن إعطاء مثال عن ذلك بالجارة تونس التي تحدد الأسعار في الفنادق حسب عدد النجوم وموعد رفعها وتخفيضها على مدار السنة، فالأسعار في قمة الموسم السياحي التي تكون في الصيف ليست هي نفسها في الصيف، ومن بين المشاكل الأخرى التي يعاني منها القطاع غياب اليد العاملة المؤهلة في الفنادق، المطاعم، المقاهي مرورا بجهل أغلب أصحاب سيارات الأجرة طريقة التعامل مع السياح وغيرها من الأمور الأخرى التي تصل حتى إلى عقلية المواطن الجزائري التي تتطلب وقتا طويلا من أجل جعلها تتكيف مع فكرة رؤية السياح الأجانب في الشوارع ومختلف الأماكن العمومية، رغم أن هذه الأمور يمكن لمسها في الولايات الجنوبية التي يجيد سكانها استضافة السياح سواء كانوا محليين أو أجانب وهو ما يجعل السائح مرتاحا هناك رغم عدم توفر الهياكل الفندقية اللازمة وهي النقطة السلبية التي تغطيها المناطق الساحرة في الصحراء. فندق واحد حضر من الولاية حظر التظاهرة صالون السياحة بعنابة يعري الواقع ويبرز الآفاق اختتمت أمس الطبعة الأولى من الصالون الدولي للسياحة بولاية عنابة الذي احتضنه قصر الثقافة «محمد بوضياف»، حيث حملت هذه الطبعة شعار الواقع والآفاق السياحية لجوهرة الشرق الجزائري التي هي بحاجة إلى إرادة سياسية من أجل استعادة رونقها السياحي الذي غاب عنها منذ تحويلها من مدينة سياحية وزراعية إلى مدينة صناعية بعد إنشاء مركب الحجار للحديد والصلب و»أسميدال»، ورغم أن الزائر لهذا الصالون يتضح له منذ الوهلة الأولى بأنه تم التحضير له على العجلة فإنه نجح في تعرية واقع السياحة القائم على الترويج للسياحة الخارجية وخصوصا في تونس، باعتبار أن أغلب المشاركين في الصالون هم من الجارة الشرقية التي مثلها أصحاب فنادق، مصحات والديوان الوطني التونسي للسياحة، كما أن الوكالات السياحية الجزائرية المشاركة في الصالون استغلت الصالون هي الأخرى من أجل الترويج للوجهة التونسية التي يفضلها الجزائريون، والشيء الآخر الذي ساهم في تعرية واقع السياحة في الجزائر عموما وعنابة خصوصا هو مشاركة فندق واحد من الولاية المذكورة في التظاهرة وكأن الفنادق الأخرى ليست معنية بهذه الأخيرة، في الوقت الذي شاهدنا فيه ما لا يقل عن أربعة فنادق تونسية تشارك في الصالون وهو ما يؤكد على أننا ما نزال بعيدين جدا عن صناعة السياحة التي يجمع الفاعلون في القطاع على أنها بحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية بدل إطلاق تصريحات ارتجالية وعدم وضع خارطة طريقة واضحة للنهوض بهذا القطاع. على غرار الدولة السياحية الأخصائيون يطالبون بمرصد وطني لتحديد الأسعار في الفنادق تعتبر الأسعار المرتفعة في الفنادق الجزائرية من أكبر العوائق التي تقف أمام تطور السياحة في البلاد وهو الأمر الذي ما تزال الحكومة تغض النظر عنه رغم النداءات التي يوجهها لها الأخصائيون في كل مرة، وبهذا الخصوص أكد بهناس خالد مدير وكالة للسياحة والأسفار بولاية قالمة على ضرورة إنشاء مرصد وطني لمراقبة أسعار الفنادق، حيث قال: «يجب نقل التجربة التونسية إلى الجزائر من خلال وضع مرصد وطني لمراقبة الأسعار في الجزائر، لأن أسعار الفنادق لدينا مرتفعة جدا وليست في متناول الجميع، لأنه ليس من المعقول أن يكون سعر فندق من خمس أو أربع نجوم في تونس لا يصل حتى إلى 50 أورو، أما عندنا فيصل حتى إلى 40 أو 50 ألف دينار، إذا أردنا تطوير السياحة في الجزائر سيكون علينا خلق شراكة بين وزارة السياحة والشركاء في القطاع»، وأضاف: «تراجع أسعار البترول فرصة لنا لبعث السياحة في بلادنا وأركز هنا على السياحة الشعبية، يجب أن تكون أسعار معقولة، أؤكد مرة أخرى على ضرورة تدخل وزارة السياحة، يجب أن تكون هناك مراقبة، لكي لا نرى كل فندق يضع سعرا من « رأسه »، لدينا بلد رائع لكن للأسف لا نقوم باستغلاله بالشكل اللازم، وختم حديثه بالقول: «لدينا ثروة كبيرة يجب علينا استغلالها، كما علينا استغلال السياحة الشعبية التي تقوم على التسوق، لكن ذلك لا يمكن أن يكون دون خفض أسعار الفنادق». يعولون على جلب السائح التونسي إلى الجزائر وفي ظل غياب سياسة واضحة من الحكومة لتطوير قطاع السياحة، فإن الوكالات السياحية نابت عنها من أجل الترويج للوجهة الجزائرية لدى الأجانب وقد بدأت منذ قرابة العام العمل على استقطاب السائح التونسي الذي أصبح اليوم يتواجد بكثرة في أغلب المناطق الجزائريةالتونسية وخصوصا الشرقية منها، وحتى إن كانت زياراتهم من أجل التسوق، إلا أنهم بدؤوا الآن يتجهون إلى اكتشاف المناطق السياحية في البلاد إلى جانب التسوق، وفي هذا الخصوص يقول ديدة أحسن مدير واحدة من أكبر الوكالات السياحية بولاية عنابة: «إذا اكتفينا بإرسال السياح الجزائريين إلى تونس فذلك يعني أننا لم نفعل أي شيء، إلى متى نبقى نصدر فقط السياح إلى الدول الأخرى؟ لماذا لا نروج إلى منتوجنا المحلي؟ على الأقل سيكون هناك تنافس بين الوكالات الجزائريةوالتونسية في هذا المجال«، كما تطرق هو الآخر إلى مشكل ارتفاع أسعار الفنادق في الجزائر بالقول: «نتمنى أن يسير أصحاب الفنادق معنا في الاتجاه الذي سلكناه ويقدموا خدمات مميزة وبأسعار معقولة، حتى نشجع السياحة المحلية، حيث سجلنا في السنوات الأخيرة طلبات كثيرة من السياح الأجانب من أجل القدوم إلى الجزائر خصوصا من قبل الأشقاء التونسيين الذين يرغبون كثيرا في زيارة الجزائر«. رئيس نقابة وكالات السياحة الجزائرية لولايات الوسط السابق: «الوكالات أصبحت تنوب عن ديوان السياحة في الترويج للوجهة الجزائرية« أكد حامينة صلاح الدين الرئيس السابق لنقابة وكالات السياحة الجزائرية لولايات الوسط في تصريح ل «آخر ساعة» على وجود الكثير من العوائق التي تقف أمام تطور قطاع السياحة في الجزائر والتي تعيق أيضا عمل الوكالات السياحية وتحرجها أمام المتعاملين الأجانب، لافتا إلى أن الوكالات السياحية أصبحت تنوب عن الديوان الوطني للسياحة في الترويج للوجهة الجزائرية، حيث قال: «الوكالات السياحية هي من تقوم بالترويج للسياحة في الجزائر، لأن الديوان الوطني للسياحة لا يقوم بدوره في هذا الخصوص«، أما بخصوص مشاكل الوكالات فقال: «المشاكل تتكرر في كل موسم، تحويل الأموال إلى الخارج عائق كبير، نحن نتعامل مع متعاملين أجانب، يجب على الجزائري دفع فواتيره، نحن لدينا سجل تجاري وكل أمورنا قانونية ومع ذلك لا تتوفر لنا طريقة للتعاملات البنكية مع الدول الأخرى، هذا يجعلنا نلجأ إلى طرق غير شرعية لشراء العملة الصعبة، ثم يتم اتهامنا بعدها بتهريب العملة الصعبة، لماذا لا يتم توفير لنا إطار قانوني للقيام بذلك، حيث سيستفيد الجميع منه انطلاقا من صاحب الوكالة ووصولا إلى مصالح الضرائب وأضاف: «هناك العديد من الحلول لحل هذا المشكل نهائيا، تعبنا من البزنسة السياحية، هذا الأمر خلق حالة من عدم الثقة بين الوكالات وأصحاب الفنادق في الخارج الذين يتخوفون من عدم دفعنا للفواتير، كما أن هذا الأمر جعلنا لا نحصل على أسعار تنافسية للسياح الجزائريين مقارنة بالجنسيات الأخرى، هذه المشاكل تعكر الأجواء في العمل، يجب أن تكون هناك رغبة سياسية حتى نعطي دفعا لقطاع السياحة». «مشاكل السياحة في الجزائر تراكمت وتحتاج وقتا لحلها» كما أكد حامينة على أنه لا يجب التسرع في وضع حلول للمشاكل التي يعيشها قطاع السياحة في الجزائر، لافتا إلى أن الأجواء ما تزال غير مواتية لوضع السائح في الظروف التي يحبها، حيث قال: «إذا جاءك ضيف إلى المنزل فإنك توفر له كل الظروف من مكان جيد للنوم وأكلات تقليدية وغيرها، يجب أن يطبق ذلك في قطاع السياحة، كنا نقول أن السياحة ليست أولوية والآن نحن نتسرع لدخول قطاع السياحة بقوة، إذا دخلنا بسرعة فسنقع في المشاكل، يجب أن نحضر الدهنيات أولا»، وأضاف: «الوزارة تتحدث عن 500 ألف سرير، لكن يجب عليها بالمقابل أن توفر مدارس لتكوين العاملين في قطاع السياحة، لأن اليد العاملة هامة جدا، يجب أن يكون هناك اتصال بين القاعدة والمسؤولين وذلك لمصلحة الجميع حتى نذهب بهذا القطاع إلى أبعد نقطة، لأن الأتراك، التونسيين والمغاربة ليسوا أحسن منا، مشاكل السياحة في الجزائر تراكمت ويجب حلها من خلال وضع خلايا مختصة لذلك تدرس جميع النقاط وتقدم الحلول». «الجزائر البلد الأكثر أمنا في المنطقة وعليها استغلال ذلك سياحيا» وأشار المتحدث إلى ضرورة استغلال الجزائر لعامل الأمن من أجل الترويج لوجهتها السياحية باعتبار أنها أصبحت البلد الأكثر أمنا في المنطقة وهو ما يبحث عنه أغلب السياح في الوقت الحالي، حيث قال: «نحن البلد الأكثر أمنا في المنطقة، يجب علينا أن نستغل ذلك في التسويق للوجهة الجزائرية، نحن بلد كبير الناس تشتاق لرؤيته، و أن نعرف كيف نسوق صورة بلدنا في الخارج، هذا الأمر في غاية الأهمية، علينا أن ندخل إلى الصناعة السياحية، صحيح يجب أن نوفر الخدمات، لكي نذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فحتما أن ننظر إلى بعيد، صحيح أنه يتطلب وقتا لكن الحلول موجودة«، أما بخصوص تفضيل السائح الجزائري للوجهة التونسية فقال: «أنا لا أفرق بين السياحة الداخلية والأجنبية، لأن اكتشاف ثقافات أخرى أمر جيد، يجب أن لا تكون العلاقة بين الجزائروتونس في السياحة فقط، علينا تطوير قطاعات أخرى بين البلدين تصب بطريقة غير مباشرة في مصلحة السياحة في الجزائر وتونس»