دخلت الجهات الرسمية في باريس بكل ثقلها في الجدل الذي أثارته "شهادة" الملحق العسكري السابق بالسفارة الفرنسية بالجزائر، الجنرال المتقاعد فرنسوا بوشوالتر والتي زعم فيها بأن مقتل رهبان تبحرين سنة 96 وجاء بفعل خطأ ارتكبه الجيش الجزائري، وبعد تصريحات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وتكذيب وزير الخارجية الأسبق هرفي دوشاريت، جاء دور وزيرة العدل ميشال أليو ماري التي أكدت أنها سوف تضع بين أيدي القضاة كل الوسائل الممكنة لكشف المتورطين في العملية. كشفت وزيرة العدل الفرنسية ميشال أليو ماريو عن توفير كل الوسائل لضمان تواصل التحقيق حول المجزرة التي راح ضحيتها 07 رهبان تبحريين بالمدية سنة 96، وأعلنت الوزيرة الفرنسية عن تحريات إضافية بعد "الشهادات" الأخيرة للملحق العسكري السابق بالسفارة الفرنسية بالجزائر. وقالت ميشال أليو ماري خلال الجلسة المخصصة للرد على أسئلة النواب بالجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) أن هذه الشهادات قد وفرت عنصرا جديدا يسمح بظهور معطيات تحقيق إضافية. وأوضحت وزارة العدل الفرنسية أن القضاة يتوفرون حاليا ومستقبلا على كل الوسائل للقيام بتحقيقاتهم على أحسن وجه بما في ذلك ما يتعلق بالتعاون على المستوى الدولي، وقالت الوزيرة الفرنسية ردا على سؤال تقدم به النائب الاشتراكي فرنسوا لوكل "سوف نضع كل الإمكانيات المتاحة لكشف المتورطين في عملية اغتيال الرهبان وملابسات الحادثة.." وجاءت تصريحات وزيرة العدل الفرنسية على خلفية "الشهادة" الأخيرة للجنرال المتقاعد والملحق العسكري السابق بالسفارة الفرنسية بالجزائر فرنسوا بوشوالتر والتي أكد فيها لدى سماعه من قبل قاضي التحقيق الفرنسي المتخصص في قضايا الإرهاب والمكلف بملف رهبان تبحريين أن الجيش الجزائري قتل خطأ الرهبان السبعة في عملية بجبال المدية، وزعم الجنرال الفرنسي المتقاعد أنه استقى معلوماته من جنرال جزائري سابق كان لديه شقيق شارك في العملية التي قامت بها حسب هذه المزاعم قوة من الجيش الجزائري في سلاح الهليكوبتر، وقال الجنرال الفرنسي الذي كان يعمل في وكالة الأمن الداخلي أنه رفع تقريرا ضمنه هذه المعلومات إلى رئيس أركان القوات المسلحة الفرنسية، وسلم نسخة من التقرير المذكور إلى السفير الفرنسي بالجزائر آنذاك، مضيفا بأن تقريره تم إهماله. ورغم التصريحات الأخيرة لرئيس الدبلوماسية الفرنسية الأسبق، تواصل الجدل في باريس بخصوص ما سمي بالشهادات المثيرة للجنرال المتقاعد فرنسوا بوشولتر، وكان هرفي دوشاريت قد صرح للقناة التلفزيونية الفرنسية "أل سي أي" أنه على أتم الاستعداد للشهادة أمام القاضي المكلف بهذا الملف مضيفا بان أقواله لن تتغير، أي أن هناك روايات عديدة حول حادثة اغتيال رهبان تبحريين سنة 1996 ، من نوع الشهادة التي جاءت على لسان الجنرال المتقاعد فرنسوا بوشوالتر، مؤكدا انه سمع الكثير، وان الأمر يتعلق بنزاع داخلي بين الجيش الجزائري ومدنيين، وسمعت أيضا أنها عملية ارتكبتها الجماعة الإسلامية المسلحة (الجيا)، مضيفا أن ما يقال هنا وهناك هي مجرد تعاليق وما يعرفه هو أن الجيا قد نفذت هذه الجريمة بحق رهبان تبحريين وتبنت في بيان لها العملية. لكن وخلافا لدوشاريت انغمس الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في هذا الجدل ولعب هو الأخر على وتر الجنرال المتقاعد فرنسوا بوشوالتر لما صرح في ندوة صحفية عقب لقائه الرئيس البرازيلي ديسيلفا انه سيرفع "سر الدفاع" عن الوثائق التي تطلبها العدالة في قضية رهبان تبحريين، وطالب بالتحقيق إلى أبعد الحدود في هذه القضية، وفي ميل واضح لأطروحة التشكيك قال ساركوزي أنه سمع كلاما مفاده بأن مقتل الرهبان جاء بفعل خطا للجيش الجزائري، مضيفا بأن الصداقة بين الشعوب والدول تنبني على الحقيقة ولا يمكن لها أن تصمد أمام الأكاذيب، وهو ما فهمه الجميع بأن الرئيس الفرنسي يطعن هو الأخر في الرواية الرسمية التي تحمل الجماعة الإسلامية المسلحة "الجيا" مسؤولية مقتل رهبان تبحريين من دون انتظار نتائج التحقيقات التي تقوم بها العدالة الفرنسية. ودخلت وسائل الإعلام الفرنسية بشكل يذكرنا بأيام أطروحة "من يقتل من" في تسخين أجواء التشكيك والنبش في ملفات الأزمة الأمنية الجزائرية، ولم تتساءل صحافة باريس التي توصف بالمستقلة وبالموضوعية والمهنية والاحترافية عن الأسباب التي جعلت الملحق العسكري السابق في السفارة الفرنسية بالجزائر الجنرال المتقاعد فرنسوا بوشوالتر يصمت مدة 13 سنة كاملة ولا يدلي ب "شهادته" إلا في نهاية جوان المنصرم، وما سر عودة تحريك ملف رهبان تبحريين في هذا الظرف بالذات، خاصة وان محاولات توريط السلطات والجيش الجزائريين في المجازر التي ارتكبته الجماعة الإسلامية المسلحة "الجيا" ضد المدنيين الجزائريين وضد بعض الرعايا الغربيين وخصوصا الفرنسيين تأتي في وقت عاد فيه السجال إلى أشده بين الجزائر وباريس على خلفية ملفات التاريخ، خاصة في ظل الإصرار الجزائري الرسمي وغير الرسمي لحمل فرنسا على الاعتراف بجرائمها في الجزائر خلال فترة الاستعمار وضرورة أن تتحمل مسؤوليتها تجاه ضحايا تجاربها النووية في الصحراء الجزائرية، كما تتزامن مع التحركات الغربية، خصوصا الفرنسية والأمريكية في جنوب الصحراء الكبرى والساحل الإفريقي تحت غطاء محاربة تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي الذي وفر لهذه القوى مبررات التدخل عبر عملية الاختطاف التي مست رعايا غربيين بالمنطقة.