عادت قضية رهبان دير تبحرين إلى الواجهة مجددا مع مراسلة قاضي التحقيق الفرنسي المكلف بهذا الملف وزارة الدفاع والخارجية والداخلية الفرنسية، للمطالبة برفع سر الدفاع عن القضية، وهو ما يؤكد وجود إرادة حقيقية لدى جهات فرنسية رسمية لإعادة تحريك هذه القضية رغم الشهادات الكثيرة التي أثبتت بالدليل والحجة عدم تورط الجيش الجزائري في عملية اغتيال الرهبان السبعة عكس ما تضمنته شهادات الجنرال الفرنسي السابق فرنسوا بوشوالتر. بعد صمت دام قرابة الشهرين، عاد القضاء الفرنسي إلى تحريك قضية مقتل رهبان دير تبحرين بالمدية سنة 96، حيث وجه قاضي التحقيق مارك تريفيديك، المكلف بالتحقيق في قضية مقتل الرهبان السبعة، طلبا لرفع السر الدفاعي، حول الملف، لكل من وزارة الدفاع الفرنسية، وزارة الخارجية و وزارة الداخلية، وكشفت وسائل الإعلام الفرنسية أن قاضي التحقيق طلب من الجهات المعنية إفادته بكل المعلومات المتوفرة لديهم حول القضية لاستكمال التحقيق، وكشفت وكالة الأنباء البريطانية رويترز، استنادا إلى مصدر قضائي، بأن الرسالة وجهت بناء على طلب تقدم به محامي عائلات الضحايا، باتريك بودوان الذي كان السباق إلى مطالبة السلطات الفرنسية رفع سر الدفاع عن كل الوثائق المرتبطة بملف رهبان دير تبحرين، كما أشار ذات المصدر إلى أن قاضي التحقيق يريد التأكد من سبب التماطل الذي عرفه الملف، منذ فتحه عام 2004، وخاصة هل هناك ضغوطات سياسية تمارس بغرض عدم توتر العلاقات بين باريس والجزائر. ويسعى قاضي التحقيق للوصول إلى التقارير التي تحدث عنها الجنرال الفرنسي المتقاعد، فرنسوا بوشوالتر، الملحق العسكري السابق بالسفارة الفرنسية بالجزائر من عام 1995 وإلى غاية 1998، والتي أكد أنها رفعت إلى الحكومة الفرنسية حينها، علما أن أكثر من جهة رسمية في باريس نفت وجود مثل هذه التقارير، على غرار وزير الخارجية الفرنسي الأسبق هرفي دوشاريت الذي عمل خلال سنة 1996 والذي كذب أن يكون قد تلقى أية معلومات بعد حادثة مقتل رهبان تبحريين السبعة حول إمكانية حصول تجاوز من قبل الجيش الجزائري، ووصف هرفي دوشاريت أقوال الجنرال الفرنسي المتقاعد فرنسوا بوشوالتر أمام قاضي التحقيق الفرنسي المتخصص في قضايا الإرهاب في 25 جوان الماضي، بواحدة من الروايات الكثيرة، و قال رئيس الدبلوماسية الفرنسية الأسبق في تصريح خص به القناة التلفزيونية الفرنسية أل سي أي، نقلته وكالة الأنباء الفرنسية أنه على أتم الاستعداد للشهادة أمام القاضي المكلف بهذا الملف مضيفا بان أقواله لن تتغير، أي أن هناك روايات عديدة حول حادثة اغتيال رهبان تبحريين سنة1996، وأوضح دوشاريت انه لم يتلق، لما كان وزيرا للخارجية الفرنسية سنة 96، أي معلومات من النوع الذي جاء على لسان الجنرال المتقاعد فرنسوا بوشوالتر. ومن جهته أكد وزير الدفاع الفرنسي، هيرفي مورين، أن مصالح وزارة الدفاع لم تتوصل إلى أي وثيقة حول قضية اغتيال الرهبان السبعة في ربيع 1996، ولم تصل أي مراسلة حول الحادثة إلى وزارة الخارجية، بل أرسلت إلى مديرية المخابرات العسكرية، ونفس الشئ تقريبا جاء على لسان شارل ميون الذي شغل بمنصب وزير الدفاع الفرنسي في سنوات التسعينات. للإشارة كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد أعلن في منتصب جويلية المنصرم انه على أتم الاستعداد لرفع سر الدفاع عن كل الوثائق ذات الصلة بملف مقتل رهبان دير تبحرين، وهو ما أكده أيضا وزير الدفاع الفرنسي هرفي موران، ووزيرة الداخلية ميشال أليو ماري. للإشارة كان الجنرال المتقاعد فرنسوا بوشوالتر قد أكد لدى سماعه من قبل قاضي التحقيق الفرنسي المتخصص في قضايا الإرهاب والمكلف بالملف، أن رهبان تبحرين السبعة قتلوا خطأ من قبل وحدة تابعة للجيش الجزائري، وأوضح انه قد استقى معلوماته من ضابط جزائري سابق كان له شقيق يعمل كقائد لسرب الحوامات شارك في العملية في إطار مهمة بمنطقة الأطلس البليدي، وقال الجنرال الفرنسي أنه بعث بتقرير مفصل حينها إلى قائد الجيوش الفرنسية ولم يتلق أي رد، وحركت هذه الاعترافات محامي الطرف المدني الذي طالب برفع السر العسكري حول ملف اغتيال رهبان تبحرين، وسماع العديد من المسؤولين المدنيين والعسكريين الفرنسيين لهم علاقة بالملف. وبطبيعة الحال لم تقف هذه الحكاية على رجليها حتى أمام العديد من الشخصيات الفرنسية التي كانت في الساحة سنوات التسعينات، حيث حمل المدير السابق لمديرية حماية الإقليم في المخابرات الفرنسية مسؤولية إعدام رهبان تبحرين إلى مديرية الأمن الخارجي في المخابرات الفرنسية، وأكد إيف بوني أن الجماعات الإسلامية المسلحة بقيادة جمال زيتوني هي من قتلت الرهبان، علما انه سبق للعديد من المتتبعين لهذا الملف أن ردوا مأساة رهبان تبحرين إلى الخلافات التي كانت موجودة بخصوص تسيير الملف بين »الدي اس تي« »الدي جي اس او«. ويأتي تحريك ملف رهبان تبحرين بعد أيام قلائل من الخطاب الذي ألقاه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في ذكرى أحداث ال 20 أوت حيث أكد أن الجزائر بقيت ملتزمة بنهج ثورتها حتى فيما يتعلق بمقاومتها للإرهاب إيمانا منها بقدسية الحق في الحياة والحق في الكرامة وضمانا لحرية القول والاعتقاد واحتراما لالتزاماتها القانونية المحلية والدولية في حماية الحقوق والواجبات الخاصة والعامة مهما كانت الظروف والملابسات المحيطة بذلك، واعتبر بوتفليقة أن هذا هو الأمر الذي وطد ثقة الجزائريات والجزائريين في أنفسهم وأدى بهم إلى الترفع عن الجدل العقيم فيما يثار هنا وهناك من مهاترات واتهامات أقل ما يقال فيها أنها لا تمهد لعلاقات طيبة، ويقصد بطبيعة الحال الحملة الفرنسية التي أخذت قضية رهبان تبحرين عنوانا لها، وقبل رئيس الجمهورية سبق لوزير الدولة وزير الداخلية نور الدين يزيد زرهوني أن شبه مسرحية تبحرين بالمسرح الكابوكي الياباني.