تشن أوساط سياسية فرنسية بقيادة رئيس الجمهورية نيكولا ساركوزي هذه الأيام حملة مسعورة ضد الجزائر، وبالضبط ضد الجيش الجزائري الذي احتفل منذ أيام بالذكرى 47 للاستقلال وقلد لأول مرة امرأة في رتبة جنرال في سابقة لم تحدث في العالم العربي وفي كثير من دول العالم . ساركوزي، أثقل عيار الكره والبغض الاستعماري الذي مازالت تكنه للجزائر بعض الأوساط الفرنسية التي تحن لفترة ماقبل 1962 حينما قال في تصريح ثاني أنه سيكشف كل الوثائق السرية التي تتعلق بقضية الرهبان السبعة الذين اغتيلوا في دير تيبحرين بالمدية عام 1996 بعدما دعا في أول الأمر إلى الذهاب في التحقيقات حول هذه القضية إلى أبعد ما يمكن . الواضح أن تصريحات المسؤول الفرنسي الأول استفزازية عدوانية تعمل على نقل قضية الرهبان السبعة من طابعها القضائي إلى الطابع السياسي أو بالأحرى " السياسوي " الذي يهدف إلى الضغط على الطرف الجزائري ويحاول ابتزازه بواسطة خطة مرسومة مسبقا وبأمر دبر بإتقان في قصر الإليزي فقد تحركت الحكومة الفرنسية بمجموعة من أعضائها الفاعلين وزيرة العدل ووزير الخارجية وغيرهم لتصب جم غضبها على الجزائر وعلى الجيش الجزائري . قبل هذا تم تسريب شهادة لجنرال فرنسي متقاعد ، كان ملحقا عسكريا للسفارة الفرنسية في الجزائر في فترة التسعينات، قدمها لمحكمة فرنسية نهاية جوان الماضي، إلى جريدتين فرنسيتان واسعة الانتشار. فالعملية إذن وضعت بطريقة مضبوطة و الحملة جاءت في ظرف زمني دقيق ومحدد تزامنا مع الاحتفالات بعيد استقلال الجزائر عن فرنسا ، الذي مازالت الأوساط العنصرية الفرنسية لم تهضم فكرته حتى الآن. حتى الشهادة المزعومة رعيت فيها الحبكة القصصية حيث حكى الجنرال المتقاعد أن جنرالا جزائريا روى له عن حكاية لأحد أقاربه بأنه شارك رفقة جنود جزائريين كانوا على متن مروحيتن في قصف المكان الذي كان يتواجد فيه الرهبان السبعة، ليصل الى القول أن الجيش الجزائري أخطأ التقدير فقتل الرهبان . ولكن لماذا سكت الجنرال المتقاعد حتى الآن ليدلي بهذه الشهادة ، وأين كان عندما كانت الأجهزة الفرنسية تجري تحقيقات حول الاغتيال ؟ لقد توصلت التحقيقات التي أجرتها السلطات الفرنسية الى نتيجة مفادها أن التقصير جاء من قبل أجهزة مخابراتها التي أخطأت التقدير وقصرت في مجهوداتها من أجل إطلاق سراح الرهبان السبعة ، بعدما طلبت من الجماعة الإسلامية المسلحة خلال المفاوضات التي أجرتها معها بأن تسمح لوفد يتكون من عنصرمنها وعضو من الفاتيكان بزيارة الرهبان المختطفين، وحينها فهم أمير " الجيا " جمال زيتوني أن العملية تهدف الى التجسس على تنظيمه ، فأمر بقتل الرهبان السبعة وأصدر بيانا يقول فيه أن فرنسا لم تف بالوعود التي قطعتها على نفسها. وقد نشر البيان آنذاك ونقلته وسائل الإعلام الدولية و من بينها الفرنسية. فماهو المغزى من اخراج شهادة الجنرال الفرنسي المتقاعد الآن ؟ بل ماهو الهدف وماهي الغاية من طبيعة الشهادة في حد ذاتها في مثل هذا الظرف ؟ خاصة أن هناك وقائع تجعلها خارج الإطار، وهناك أيضا حيثيات تكذبها وتنفيها أساسا ومنها تصريحات آنية لرجال سياسة فرنسيين أعربوا عن تعجبهم من الشهادة وقالوا أنها عارية من الحقيقة ومن بينهم آلان جوبي، الوزير الأول الفرنسي في فترة اغتيال الرهبان ، و هيرفي دوشاريت وزير خارجيته اللذان أكد أنهما لم يعلما بهذه الشهادة ، و قالا أنها وجهة نظر تخص صاحبها فقط . باختصار، لقد فهم ساركوزي أن الجزائروالقيادة الحالية للبلاد لن تقايض تاريخ وسمعة البلاد خارج الأطر التي يزكيها ويدافع عنها الشعب الجزائري الذي تلألئه أصوات تدعو إلى ضرورة معاملة فرنسا للجزائر على أساس أنها سيادة ، وما المطالب التي ترتفع للمطالبة باعتذار فرنسا عن جرائمها الاستعمارية إلا إحدى الأوجه التي تدعم تحركات الجزائريين نحو هذا المطلب المشروع وتوقظ تحرشات فرنسا الاستعمارية وخرجات ساركوزي الذي لم ينس البغض والقبح الاستعماري وهو الذي مازال يعتبره جزء من التاريخ الفرنسي المجيد . ومن لم يستدرك تاريخا ملطخا بدماء الأبرياء ليس صعبا عليه أن يعيد حفر قبور الموتى. [email protected]