جاء افتتاح المعرض الدولي للكتاب هذه السنة متزامنا مع احتفال الجزائر بالذكرى الخمسين لاستعادة سيادتها و استقلالها، وأيضا - وهوالمفترض - هويتها بكل مكوناتها مع لغة وتراث وثقافة ودين وفكر وتقاليد وأعراف، وأكثر من كل هذا الشعور بالانتماء لحضارة ولروح الجزائر، لكن ذلك الحوار الذي تابعناه جميعا بين رئيس الجمهورية ووزيرة الثقافة وذلك الناشر باللغة الفرنسية، جعلنا نتساءل عن سبب كل هذا، لماذا يحدث مثل هذا في الجزائر وحدها دون غيرها من دول العالم؟ ولماذا لا توجد أي دولة في العالم تستعمل لغة المستعمر غير بلادنا؟ ولماذا لا يتحدث المسؤولون الجزائريون باللغة العربية رغم أنهم يجيدونها؟ ولماذا بات التلفزيون الوطني يختار دوما المقاطع التي يتحدث فيها المسؤولون الجزائريون باللغة الفرنسية، ويتجاهلون تلك التي يتحدثون فيها باللغة العربية؟ ولماذا أصبح حديث وزيرنا للخارجية في المحافل الدولية باللغة الفرنسية أمرا عاديا، رغم ما فيه من إساءة لرسالة الشهداء الشرفاء الذين دفعوا أرواحهم الطاهرة وهم ينشدون ويهللون ويكبرون باللغة العربية؟ أسئلة كثيرة وحيرة وتعجب وقنوط صرنا نحس به ونحن نعيش هذا الزمن الردئ الذي تجاوز فيه استعمال اللغة الفرنسية اليوم استعمالها في كل المراحل التي مرت بها الجزائر حتى إبان الحقبة الاستعمارية؟! لماذا كل هذا التراجع عن تعميم استعمال اللغة العربية كما يبدو من خلال ممارسات الإدارة الملصقات وواجهات المحلات التجارية وكل شيء في جزائر اليوم التي تحتفل بالذكرى الخمسين لاستعادة سيادتها، مع العلم أن لا سيادة بدون هوية واعتزاز بالشخصية الوطنية· إن منبع دهشتنا لهذه الردة اللغوية، غير المبررة هو أن فرنسة الجزائر بهذا الشكل لم تجعل منها دولة أفضل من أصغر دولة عربية، لا على الصعيد الثقافي ولا على الصعيد السياسي ولا الاقتصادي ولا غير ذلك· ثم لماذا هذا "الإنعاش" الواضح للغة الفرنسية التي هي الآن في حالة احتضار إلكتروني، كما يظهر من نسبة استعمالها على مستوى الوسائط والشبكة الالكترونية، وحتى الفرنسيين باتوا يلجأون للغة الإنجليزية أمام تراجع اللغة الفرنسية وعجزها الواضح على استيعاب المعطيات العلمية الحديثة؟ إن الاحتفال بالذكرى الخمسين للاستقلال كان يمكن أن يكون متميزا وحدثا لو أنه تزامن مع إعادة الاعتبار للغة العربية بدلا من تهميشها بهذا الشكل، الذي لا نعرف له أي مبرر سوى غياب الشعور بالإنتماء لروح وهوية الجزائر·