أكراد سوريا يتسلحون، قد يكون الأمر تافها بالنظر إلى أن السلاح أصبح في متناول الجميع في سوريا، لكن المهم هنا هو أن الحديث عن حمل الأكراد للسلاح يأتي بصيغة المجموعة الإثنية التي تتنظم للدفاع عن نفسها، وهذه هي المرة الأولى منذ اندلاع الحرب في سوريا التي نسمع فيها حديثا طائفيا صريحا رغم أن الحرب تحمل شعارات طائفية صريحة، وهي تسير نحو الحرب الطائفية أيضا. في كردستان العراق لم تعد لحكومة بغداد أي سلطة، بل إن مسعود البرزاني بات يتصرف كرئيس دولة مستقلة، وهو لا يتردد في إرسال قواته لمقارعة القوات النظامية العراقية فيما يبدو أنه بداية لجس النبض حول مستقبل مدينة كركوك التي قد تمثل مصدر القوة الاقتصادية للكيان الكردي الجديد الذي قد يعيد رسم حدود المنطقة والتوازنات القائمة فيها. الحجة التي يقدمها أكراد سوريا ومن أعطوهم السلاح هي أنهم يقفون ضد إقامة إمارة إسلامية في شمال سوريا، وبالفعل هناك من يريد إقامة هذه الإمارة حتى ولو لم يتعد الأمر مجرد إعلان كما حدث في العراق بعد الغزو الأمريكي، غير أن الوقائع تقول أن مئات المقاتلين المسلحين ينفذون عمليات في سوريا باسم الجهاد، وهم غير مقتنعين بالمشروع الذي ترفعه المعارضة العلمانية في سوريا، وأكثر من هذا يعتبرون القتال مشروعهم الأهم، وحتى في حال سقوط النظام سيجدون أطرافا جديرة بالقتل تحت عنوان محاربة الكفر والزندقة والضلال. كل المؤشرات تقول أن الفوضى بدأت تعم المنطقة فعلا، لكن المفارقة هنا هي هل توقع أعراب الخليج أن أموال النفط التي أنفقوها بلا حساب لإشعال نار الفتنة في سوريا ستعود عليهم شرا مستطيرا؟، وهل توقعت تركيا أن يخرج المارد الكردي من قمقمه بعد أن ينفرط عقد النظام في دمشق؟، وهل توقعت أمريكا أن أرض سوريا يمكن أن تتحول إلى قاعدة ينطلق منها كل من يريد أن يحارب في المنطقة وقد يكون من ضمن محبي القتال من يوجه سلاحه صوب إسرائيل؟. لقد أثبتت التجربة أن حسابات السياسة ليست دقيقة أما أخطاؤها فقاتلة.