● يقيني أن الربّ لم يخلق أغرب كائن من الإنسان، فقد خلقه وتعجب منه، ثم كان أكثر شيء جدلا، وبدا بأنه ذلك المجهول فعلا ولم يبالغ حينها العالم ألكسيس كاريل، ولم تحدث كتب السماء عن غموض مثير للانبهار من غموض وجدان هذا الإنسان، ولا عن تقلب كينونة مثل القلب فلا يدرك كنهها ربُّها بتعبير نار قباني في حواره الشيق للناقد رجاء النقاش ذات يوم. هذا الإنسان غامض في سره، متناقض في تفكيره، حتى إن التناقض من طبيعة بنيتهالعقلية بإجماع الفلاسفة، والعجيب أنه كائن متعدد الأبعاد، فهو كائن عقلي واجتماعي وبيولوجي، ويمكنه أن يصير كائنا روحيا حسب أهل التصوف، وكائنا جنسيا حسب فرويد.. هو كل هذا وذاك، هو غير هذا وأكثر من ذاك، دوّخ العلم وأوقف عقارب الساعة عند الخير والجمال وحوّل مجرى التاريخ باتجاه الدمار والشرور والعنف. يملك الإرادة ليتجبر ويتبربر ويرحم ويتراحم، بقدر جلال سطوته قد لا يقدر على همّ أصاب تفكيره أو علّة دبّت في جسده.. يقوم بأدوار البطولة بأشكالها الرائعة والخسيسة، يمزج بين اللصوصية والقتل والريادة الرياضية تماما كما يمزج بين فتح البلدان والانتصار على الجيوش وإسقاط العواصم. يملك ما يملك من ذلك وأكثر، لكنه لا يملك بالمطلق أن يعيش في عزلة، أو بدون صاحبة أو خليلة. يتحول إلى وحش في التاريخ أو إلى بطل له كل المعيارية والامتياز والتأييد، غير أنه لا يستغني عن موئل في نهاية النهار أو نهاية اليوم أو نهاية العمر: من السلطان في هذه الدنيا، هل هو الرجل أم المرأة؟ من بيدها المرجع والمآل؟ كل القادة العسكريين والفاتحين وأرباب السيف تحولوا بعد عناء الحروب والثورات إلى أطفال كبار تخرج من صدورهم زفرات التعب وآهات العياء حينما يضمون إليهم نساءهم أو ما ملكت أيمانهم..! كل أرباب القلم وصنّاع المعنى في التاريخ، نزلوا من عليائهم توددا لامرأة ليست ككل النساء أو لوردة تتعطر بعبق الحنان وشذى الجمال، بل توددوا ونزل كبرياؤهم المصطنع إلى الأرض رغبة و عشقا وهياما. كان الحب يقتل عند العرب ويرضّ العظام ويهدّ الأوصال، لم يسلم منه الساسة والوزراء والمعلمون والجند ولا الأئمة والرهبان ولفتية والغلمان. وظلت المرأة سلطانة خاصة حينما يعود إليها الرجل ولهانا وعاشقا بعد طول غياب أو عناء أو افتقاد، وليس صحيحا هذا الادعاء الذي يدعيه الرجل جهرا، وربما كان ذلك بداية تصحيح العلاقة بين الرجل والمرأة ضمن أفق التقدير والاعتبار لا أفق التقصير والاحتقار..! ¯ أما بعد: ''أضحى التنائي بديلا عن تانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينا لا تحسبوانأيكم عنا يغيرنا أن طالما غيّر النأيُ المحبينا'' ¯ ابن زيدون