بقلم: عبد اللطيف الحسيني/ سوريا ليست المرآةُ وحدَها تردّدُ ملامحَ المرءِ وصوتَه وكآبةَ داخلهِ وثورةَ ذاتِه الهائِجة، المرآةُ لا تردّدُ ما يقولُهُ المرءُ لنفسِه بالنجوى أو بأصواتِه التي لا تسمعُها إلا مرآةُ ذاتِه الكثيفة – الشفّافة . ما سيحصلُ للمرءِ إنْ وجدَ لوجهِهِ في مرآةِ بيتِه وجوهاً : وجهُ الصّبا يسلّمُه للشباب , ووجهُ الشباب يسلّمُه للكهولة ؟ ما سيحصلُ للمرءِ إنْ وجدَ ذاتَه كهلاً دونَ المرور بوجوهِ الصبا والكهولة ؟ مرآةٌ واحدةٌ – كما حياة واحدة -لا تكفي ليعيشَ المرءُ حياتَه أو ليعرفَ ويتعرّفَ على ذاتِه المغرقة غموضاً وفوضى , باتَ الإنسانُ لا يعرفُ نفسَه لأنّه اكتفى بأقرب صديق أو مرآةٍ على الحائِط مقعّرةٍ لا تمنحُ إلا ثباتاً لرأيٍ واحدٍ , و يبقى ذاك الرأيُ مفهوماً لا يعدّاه . استطراداً لرأيٍ يُناقش يوميّاً : هات فكراً تتفاعلُ معه مرآةُ الواقع لأضعَ أمامَكَ صحّة ذاك الفكر ومرونتَه وحيويّتَه , بالأدقّ “تطبيقه” (هكذا علّمني ماركس). هل جرّيتَ مرّةً واحدةً وناديتَ في مرآتكَ أو في مرآةٍ غريبةٍ عنك ؟, ؟وهل سمعتَ و لمستَ ذاتَكَ تضجُّ في مرآة الآخر الذي يجاريك ؟ كأنّ مرآة ذات الآخر تمسخُ امرأً إنْ ردّدها فوقَ صفيحة وجهه إنْ دنا منها , أو ستقصفُه لو تحدّثَ منها إلى ذاتِه بغرورٍ يتصنّعُه , أو هو أهلٌ له وجار . ماذا لو كشفت المرآةُ حقيقةََ المرءِ المتخفّيةَ ووضعتْ كلَّ مثالبه بينَ يديه وخلفَه وأمامَه , و ظنَّ أنّ الباطلَ لا يأتيه من كلّ نواحي الأرض ؟ ما أكثرَ تلك المرايا التي تُخفي الأقنعةََ وتعطي كشوفات الذات صوتاً و صورةً و صدى ! , خصوصاً تلكَ الكشوفات التي وضعتْ قناعاً تلو أقنعةٍ تسلّقتْ أصحابَها أو أنّ أصحابَها تسلّقوها بغفلةٍ من زمنٍ غدّار بعدَما فاتَهم قلقُ الشارع , أقصدُ حينما كانَ الشارعُ خلّاقاً وصاحبُ الأقنعة متفرّجاً .كأنّي وجدتُ امرأً أمامَ مرآة ذاتِه المكشوفة وقد كوّمَ أمامَه جمعاً من الأقنعة يركّبُ على وجهِه – ترغيباً أو ترهيباً – قناعاً يستفيدُ منه اليومَ , و يخلعُه غداً , ليلبسَ ما يناسبُهُ ليوم غدِه . السؤالُ الذي لا جوابَ له عندي: أَخُلِقَ الإنسانُ ليقضي جلّ يومِه مفكّراً بأيِّ قناعٍ يليقُ به ويتلقّى مديحاً مجّانيّاً لِمَنْ صادفَه خلسةً؟ . وقد قِيلَ عن ذاك الإنسان بأنّه أشرفُ الكائنات . يا إلهي , عذابٌ إنْ كانَ الواقعُ ما أقولُه , و هو لكذلك .