ابتلي هذا البلد، ووالد وما ولد، بدراسات عن المجتمع الجزائر يقوم بها أناس أغراب عن جوهر المجتمع وحقيقة بنيته الذهنية وتركيبة علاقاته الإنسانية.. منذ سنوات عديدة وعلى فترات متقطعة تلجأ السلطات العمومية لرأي العلم وتتوسّل بالخبراء للقيام بأبحاث ودراسات إحصائية مسحية وتحليلية لقطاعات معينة ولظواهر اجتماعية مختلفة تجلّت في المجتمع بعد الاستقلال وبسبب التحولات الكبرى للبلاد ورهانات التحديد وحتى التي لها علاقة بتأثيرات خارجية كالأزمة الاقتصادية العالمية عام 1986 أو عام 2008 و2009. بعض هذه الدراسات التحليلية والاستشرافية توقعت نتائج معينة واتكأت عليها السلطة في قراراتها لكنها أدت بها إلى الكارثة كتلك التي لم تتوقع أبدا فوزا كاسحا للفيس في الانتخابات التشريعية في مطلع التسعينيات، وترتب على عنصر المفاجأة زلزال من القرارات الارتجالية التي أدخلت البلد في نفق الانهيار شبه التام لأكثر من عشرية وفتحت الباب أمام العنف والدم الدموع إلى الآن رغم محاولات من آمنوا بالسلم ويريدون المصالحة اليوم.. هناك دراسات أخرى لا يتسع المجال لذكرها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية كانت مغلوطة وحرمت الدولة من وسائلها ومن وقدتها وفرصها حتى تنهض ويستقيم حالها. ومن هذه الدراسات الأخيرة التي تبدو أنها تصب من وراء الكأس كما يقال، الدراسة التي أنجزها المركز الوطني للإعلام حول حقوق المرأة والطفل حول الحجاب ومدى علاقته بالواقع الاجتماعي وأسباب الإقبال عليه. طبعا يبدو أن الإقبال على الحجاب صار مشكلة وظاهرة جديرة بالدراسة حتى تحشد له الإمكانات ويقوم بها المركز الوطني للإعلام حول حقوق المرأة الطفل، وكأن الحجاب ينقص من حقوق المرأة أو يهدد كيانها..! والأغرب أكثر أن النتيجة كانت مسطّحة جدا، إذ خلص الخبراء إلى أن الإقبال على الحجاب يعود أساسا لأسباب اجتماعية مادية ومعيشية وليس إلى الأسباب الدينية فضلا عن تراجعه لدى المرأة الأكثر تعليما..! أصدقكم القول أنني أكاد أشعر بالغثيان من هذه النتائج التي تعطيني حقيقة الخلفية الثقافية للخبراء وإيديولوجيتهم، فهم مسلوبون بامتياز وكأنهم يعيشون على سطح القمر..؟ من أين جاءت العينات وهل كانت عشوائية أم منتقاة؟ من العيب الوصول إلى نتائج مثل هذه وتسوّق لها أقليات لا تعرف المجتمع تماما بل لا تعرف بعض الأحياء الشعبية في العاصمة والمدن الكبرى وحتى في الأرياف.. أليس غريبا أن الخلفية موحية فعلا عندما لا تفرق الدراسة بين التشادور الباكستاني وما تسميه الحجاب الملتزم؟ إن السلطات تضيع أموالا ووقتا في دراسات يفترض فيها الموضوعية والعلم ويقوم بها أغراب عن المجتمع كما هو حال بعض المسؤولين في الدولة.. إنهم يعيشون حياة أخرى وثقافة أخرى وبستعملون لغة أخرى وهم أغراب بامتياز عن هذا الشعب وميراثه، وبالتالي هم لا يعرفون الحجاب ولا يعترفون به.. أما آن للجزائر أن ترتاح من العبث وإهدار الوقت والمال فيما لا يفيد؟!