يرى الدكتور أحمد عظيمي العقيد المتقاعد، وأستاذ العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر، ضرورة إنشاء مراكز بحث متخصصة وفتح مجال السمعي البصري أمام الخواص وإنشاء هيئة مختصة في الخطاب المسجدي للقضاء نهائيا على الإرهاب في الجزائر، فالجزائر التي تجاوزت المراحل الثلاثة للإرهاب بنجاح هي اليوم في المرحلة الرابعة التي تتطلب معالجة أسباب هذه الظاهرة وهو الوضع الأصعب الذي لم توليه السلطة أي اهتمام لحد الآن ويتطلب القيام بدراسة أكاديمية يشرف عليها باحثون مختصون في مراكز بحث خاصة، لاجتثاث الفكر الإرهابي وتفادي تكرار المأساة بعد 20 سنة أو أكثر. توقف الدكتور عظيمي في ندوة ''مركز الشعب للدراسات الإستراتيجية'' حول ڤالاتصال والإعلام في مواجهة الإرهابڤ مطولا عند مخلفات ظاهرة الإرهاب في الجزائر، مسجلا غياب واضح لوسائل الإعلام والاتصال في معالجة أسباب الظاهرة، فليس المشكل في آلاف الجزائريين الذين قتلوا وفقط ولكن المشكل في الأمراض النفسية والفكر المتطرف الذي اعتنقه أطفال لم تتعد عقولهم عملية الحساب البسيط وإتقان الحروف الأبجدية. ويقول الأستاذ المحاضر، إن الإرهاب الذي انحصر واندحر في السنوات الأخيرة وتراجع صيته بعد فقدانه الشرعية استطا أن ينتصر في الجزائر باستغلال وسائل الاتصال، حيث وظف الصحافة المكتوبة لصفه واحتل المساجد لتمرير خطاباته المتطرفة التي استهدفت شبابا وأطفالا حولتهم إلى قنابل موقوتة انفجرت في وجه الشرطة ورجال الأمن ومؤسسات الدولة، في وقت أغلقت فيه وسائل الإعلام الثقيلة السمعية والبصرية أبوابها أمام النقاش الحر لتغيير ذهنية الجزائريين الحاملين للعنف في تفكيرهم، وإيضاح الصورة السوداوية التي تحاول الجماعات الإرهابية رسمها عن الجزائر. ورغم أن عمل الجماعات الإرهابية انحصر في المدة الأخيرة، يضيف الدكتور عظيمي، إلا أنه لا شيء يمنع من عودة نفس الأحداث المأساوية وعمليات العنف إذا لم تعالج الظاهرة بعمق ومن جذورها، فما تزال عناصر من الجماعات الإرهابية تختبئ بالجبال وهي تحاول تجنيد المزيد من الأطفال والشباب لصفوفها بعد أن فقدت الكثير من عناصرها سواء الذين استفادوا من ميثاق السلم والمصالحة الوطنية أو الذين تم القضاء عليهم من طرف مصالح الأمن وأفراد الجيش الشعبي الوطني إبان العشرية الحمراء. وفي هذا السياق، أكد الأستاذ المحاضر ضرورة تدخل السلطات لقطع الطريق بين تلك الجماعات وأفراد المجتمع، والعمل على تجفيف منابع الإرهاب لمنع تجنيد المزيد من الشباب، كما يتعين عليها العمل من أجل اندمال الجرح، مشيرا إلى أن المعالجة تبدأ بدراسة الأسباب دراسة أكاديمية يقوم بها الباحثين في مراكز بحث خاصة، وفي هذا الصدد شدد المحاضر على ضرورة تشجيع الباحثين على إنشاء مراكز بحث تعنى بدراسة ظاهرة الإرهاب دراسة علمية تشخص الأسباب وتجد الحلول. وعن دور وسائل الاتصال في محاربة الإرهاب، قال العقيد المتقاعد أنه بالرغم من وجود تعددية إعلامية في ال 20 سنة الأخيرة، إلا أن الكم الهائل من وسائل الإعلام لم يساهم في القضاء على ظاهرة الإرهاب ولا حتى في تغيير الفكر المتطرف بسبب غياب صحافة الرأي، وانكباب الصحف الموجودة على نقل الأخبار وتخصيص صفحات واسعة للإشهار تاركة المجال مفتوحا أمام الجماعات الضالة لنشر سمومها وأفكارها الهدامة وسط أفراد المجتمع، وبالرغم من تسجيله تطورا ملحوظا على مستوى الإذاعة الوطنية، إلا أنه أكد أن التلفزيون ليس بإمكانه ملء الفراغ، لأنه ينظر إليه على أنه تلفزيون رسمي وأي موقف منه يفهم على أنه رأي سلطة لذا لابد من فتح قطا السمعي البصري أمام الخواص لفتح المجال للنقاش وتقديم النخبة التي بإمكانها التأثير على الشباب وانتشالهم من مستنقع الإرهاب والفكر الهدام. وعن هذه الفئة، أوضح المحاضر أنها مهمشة وتبقى مغيبة في ظل انعدام فضاءات الحوار والنقاش على مستوى التلفزيون وانعدام آلية لخلق هذه الرموز، داعيا إلى التعريف بها وتقديمها لأفراد المجتمع فالجزائر -على حد قوله- تملك العديد من الرموز الايجابية، لابد من فتح المجال أمامها لإبراز أفكارها ودورها التوعوي والتوجيهي في قيادة الرأي العام الوطني والأجنبي. ومن جهة أخرى، أبرز ذات المتحدث ضرورة إيلاء الأهمية لكتابة الخطاب المسجدي، داعيا إلى إنشاء هيئة مختصة تضم مختصين في علم الدين، علم النفس وعلم الاجتما تعنى بكتابة الخطاب المسجدي الذي يوجه لأكثر من 14 مليون مصلي أسبوعيا على مستوى 12 ألف مسجد منتشر بالتراب الوطني بهدف نز فكرة الإرهاب تماما من ذهنية الجزائريين ويدفع بهم نحو الحداثة والتحرر الفكري.