غطى النقاش حول انتشار الفساد، على خلفية الفضيحة الثانية التي هزت سوناطراك، على مجمل القضايا، فهذه الظاهرة تحولت إلى هم مشترك بين النخبة وعامة الناس، وقضية محورية تجاوزت في أهميتها باقي القضايا بما في ذلك السياسية منها على غرار التعديل المرتقب للدستور، ومجريات الحرب الدائرة في شمال مالي.. التصريحات التي أطلقها وزير المالية كريم جودي على هامش تدشين مقر الديوان الوطني لقمع الفساد وقال فيها أنه على المواطنين والمسؤولين المشاركة في مواجهة الفساد، مضيفا بان السلطات العليا لن تدخر أي جهد في محاربة الفساد، لن تقدر على تهدئة النفوس وطمأنة الملايين من الجزائريين الذين دوختهم الأخبار الأخيرة عن الفساد، والأرقام المهولة التي جرى تداولها حول الفضيحة الثانية التي هزت سوناطراك في إطار تعاملات مشبوهة لمسؤولين جزائريين سامين، بينهم وزراء، مع العملاق الايطالي في مجال المحروقات، »إيني«، هذا في ظل الحديث على أن الروائح الكريهة لهذا الفساد تجاوز أوربا لتصل إلى كندا، وهو ما يعتبر ضربة موجعة لصورة البلد في الخارج ولسمعة شركة سوناطراك، مصدر قوت الجزائريين. لقد شكل موضوع مكافحة الفساد محور خطابات كل من رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، ورئيس المجلس الشعبي الوطني محمد العربي ولد خليفة، فإذا كان بن صالح قد دعا إلى ضرورة وضع الثقة في العدالة فإن ولد خليفة قد تحدث بصراحة عن تورط بعض المسؤولين في قضايا الفساد معتبرا بان ذلك يعد وضعا شاذا ولا يمكن تعميمه على كل المسؤولين، مضيفا بان العدالة ستتولى هذه القضية. ويبدو أن كل هذه الخطابات إنما تهدف إلى طمأنة الداخل والخارج معا بان العدالة الجزائرية ستتعامل بالصرامة المطلوبة مع قضايا الفساد التي تم تداولها، لكن السؤال المطروح هو هل يقدر الخطاب الرسمي ولو كان من أعلى هرم الدولة على إقناع الملايين من الجزائريين بان المفسدين سيدفعون ثمن تحويل المال العام وخيانتهم للأمانة، والجواب قد يكون بالنفي وهذا بناءا على قضايا سابقة لم يتم التعامل معها بالحزم المطلوب بل يقال أن سراق المال العام استفادوا من الاعقاب، ولا تزال قضية الخليفة، ذلك العملاق المالي الذي انهار فجأة مكلفا الدولة الملايير من الدولارات، عالقة في أذهان الجزائريين، بل إن القضاء لم يفصل نهائيا في هذا الملف الذي تم تحريكه مجددا في الآونة الأخيرة مباشرة بعد انفجار الفضيحة الثانية التي هزت سوناطراك، وهو ما جعل الكثير من المراقبين يشككون في جدية السلطة، ويعيدون طرح نفس السؤال القديم- الجديد، هل هناك إرادة سياسية حقيقية وصادقة لمكافحة الفساد، ولما لم يتم التعامل بالسرعة المطلوبة مع قضايا الفساد رغم كل ما كتب ونشر، وهل من المعقول أن يظل الجزائري يتحدث عن الملايير التي تنهب في وضح النهار من سوناطراك، ناهيك عن النهب الحاصل في جهات أخرى، من دون أن تجد السلطة الحل لمعضلة النهب التي أصبحت لصيقة بالمسؤولية وكأن المسؤول في الجزائر يؤتى به خصيصا لينهب المال العام ويساهم بنهبه في إثراء دوائر مشبوهة تتعمد التستر على فضائح أخرى على غرار ما حصل في قطاع الأشغال العمومية. الفساد المستشري والذي أصبح يشوه صورة الجزائر كبلد، تحول إلى أحد الأسباب التي تزيد في تفاقم ظاهرة الاحتقان الاجتماعي التي ارتفعت حدتها في الأيام الأخيرة، فالملايين التي تنهب تجعل العمال في كل القطاعات يتساءلون عن سر ما يسمونه بتساهل الدولة مع لصوص المال العم مقابل سياسة التقطير التي تعتمدها فيما يتعلق بالعمال في مختلف القطاعات، ويبدو أن السلطات لم تعد قادرة على مواجهة الموجة الثانية من الإضرابات التي تأخذ منحنيات خطيرة في بعض الأحيان، وتتبنى مطالب قد تبدو تعجيزية بالنسبة لسلطة أبدت ومنذ الوهلة الأولى تساهلا في التعاطي مع المطالب الاجتماعية عبر استعمال المال لشراء السلم الاجتماعي. الحديث عن الاحتجاجات الاجتماعية يثير بدوره موضوع التهديدات التي تتربص بالبلاد عبر ما يسمى بالربيع العربي، فرغم كل ما يقال على أن الجزائر قد تجاوزت مرحلة الخطر وان شعبها اكتسب مناعة ضد العنف بعد أكثر من عقدين من العنف والإرهاب، مع ذلك يبقى الخطر قائما، واحتمال سقوط البلاد في فوضى »الربيع العربي« واردة في أي لحظة، خاصة وأن الكثير من التحاليل تقول بان الجزائر موجودة ضمن أجندة التحريك الخارجي وان استبعادها في هذه المرحلة قد يعود فقط على الإرهاب الذي قد يخلط أوراق الغرب وكل من يحاول تكرار سيناريو »الثورات العربية« في الجزائر. السلطة تدرك جيدا هذه الحقيقة، ولا مجال للتراجع عن الإصلاحات السياسية التي يجري تنفيذها منذ أشهر، فهذا الوزير الأول عبد الملك سلال يصرح بان التعديل الدستوري سيعرض على الاستفتاء الشعبي، ليضيف بان المرور عبر الاستفتاء أمر حتمي إذا كان التعديل يمس أسس النظام الدستوري المعتمد، ويتبنى تعديلات جوهرية، وهذا معناه أن الجزائر مقبلة على دستور جديد يستجيب لضرورات المرحلة ويبقى التساؤل عن التوقيت الذي ستختاره السلطة لعرض مشروع التعديل الدستوري على غرفتي البرلمان، هل سيكون ذلك خلال دورة الربيع التي انطلت مؤخرا أم خلال الدورة الخريفية المقبلة؟ لقد لمح رئيس الجمهورية في رسالته التي وجهها للمرأة الجزائرية بمناسبة عيدها العالمي إلى الاختلالات التي يواجهها الاقتصاد الوطني، وهي إشارة إلى قضايا الفساد التي تهز البلاد منذ فترة، وأشار أيضا إلى الخطر المتنامي للإرهاب العابر للأوطان، وهي إشارة مباشرة إلى الحرب التي تدور رحاها في مالي والتي أصبحت تبعاتها واضحة للعيان على الجزائر التي اعتمدت مؤخرا حزمة من الإجراءات لتعزيزي الأمن في الموانئ والمطارات مخافة من التعرض لعميلات إرهابية انتقامية. لقد أصبحت الحرب التي تقودها فرنسا في شمال مالي على بعد أمتار فقط من الحدود الجزائرية، فجبال »أدرار إيفوغاس« التي تتحصن بها اخطر المجموعات الجهادية وأكثرها شراسة وتسليحا، تعيش مواجهات عنيفة لم تكشف عن كل خباياها بين القوات الفرنسية والتشادية من جهة، وعناصر تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي من جهة أخرى، في ظل تضارب الأنباء عن نتائج هذه المواجهات وحصيلتها من القتلى، وهذا في ظل نقاش حول هوية العناصر المسلحة التي تم القضاء عليها، الأمر الذي فسح المجال واسعا على حرب صور حقيقية، وهذا على خلفية المعلومات التي أعلن عنها الجيش التشادي وحتى السلطات السياسية في تشاد بخصوص مقتل كل من أمير كتيبة طارق بن زياد، عبد الحميد أبو زيد، ومقتل أمير كتيبة الملثمين سابقا، وقائد التنظيم المسمى »الموقعون بالدماء« المسؤول عن الاعتداء على المنشاة الغازية تيقنتورين بإن أميناس منتصف جانفي الفارط، مختار بلمختار، المكنى بخالد أبو العباس والمدعو أيضا بالأعور، علما أن السلطات الفرنسية لا تزال تتحفظ بشان هذه المعلومات وهو ما أشار إليه صراحة وزير الدفاع الفرنسي خلال الزيارة السرية التي قام بها نهاية الأسبوع المنصرم لشمال مالي، والتصريحات لتي أدلى بها وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس وجاء فيها بأن الجيش الفرنسي أرسل عينات من حمض النووي للعناصر المسلحة التي تم القضاء عليها في شمال مالي مؤخرا في إطار التحقيق حول الأنباء التي تتحدث عن مقتل قياديين في القاعدة، وبطبيعة الحال فإن وجهة هذه العينات هي الجزائر التي تتوفر على الإمكانيات لاستخدام هذه لتقنية، فضلا على أن اغلب القيادات الإرهابية هي جزائرية على غرار عبد الحميد أبو زيد وبلمختار.ويعتبر رحيل الزعيم الفنزويلي هوغو شافيز حدث جلل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فشافيز ليس مجرد رئيس دولة دقت ساعة رحيله عن هذه الدنيا، فهو رمز حقيقي لنضال المستضعفين في العالم، وناصر المظلومين، فالرجل ظل متمسكا بمبادئه حتى أخر رمق، فوقف إلى جانب الفلسطينيين وناصر الصحراويين في نضالهم ضد الاستعمار المغربي، وتصدى لأمريكا ولجبروتها وعرى سياساتها في العراق والصومال، وحربها الدولية على الإرهاب واصفا إياها ب»الحرب على الإرهاب بالإرهاب«، ولشافيز مكانة خاصة جدا في قلوب الجزائريين عبر عنها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة بكل صدق في الرسالة التي وجهها إلى الرئيس بالنيابة لجمهورية فينزويلا البوليفارية نيكولاس مادورو..