أنشئ حزب الشعب الجزائري عام 1937 في فرنسا من قبل مصالي الحاج، خلفا لنجم شمال إفريقيا المحظور، كنت مقيما هناك كخياط منذ مدة، ذات يوم وأنا أتجول بشارع Galbois دخلت قاعة حلاقة لحلق شعري، فشاهدت طاولة تتوسط المحل وفوقها صينية عليها قطع نقدية وبطاقات انخراط في حزب الشعب الجزائري، والعلم الوطني بالشكل الذي هو عليه اليوم: الأخضر والأبيض بنجمة وهلال أحمرين. ● كان يقال آنذاك إنه صُمِمَ ورُسِمَ من طرف مصالي الحاج الذي سلمه لزوجته كي تخيط أول نموذج، كانت تلك أول مرة أرى فيها شعار حزب الشعب الذي سيصبح فيما بعد علم الجزائر المستقلة، كنت على علم بأن حزب الشعب كان موجودا في سكيكدة منذ شهر مارس,1937 نقرأ على بطاقات الانخراط ''حزب الشعب الجزائري'' اشتراك = 50 سنتيما. ¯ كيفية الإنضمام إلى حزب الشعب ● علمت بعد ذلك أن صاحب المحل، مسعود كابران، كان رئيس قسمة، وحين تبين له من نبرة صوتي أنني من بسكرة، راح يسألني عن أصدقائه هناك والذين كانوا مناضلين في ح ش ج خاصة منهم هيوان لخضر من قدماء نجم شمال إفريقيا، وأحمد غربي عضو في فدرالية قسنطينة، إذ كان للحزب ثلاث فدراليات: قسنطينة، وهرانوالجزائر. كنت أعرف فعلا أصدقاء كابران الذي اقترح علي الانضمام إلى حزب الشعب، بعد نقاش سياسي طويل سلمني كابران قوانين الحزب وبرنامجه الذي نقرأ فيه على الخصوص ''إن الحزب يناضل من أجل: برلمان جزائري منتخب من طرف الشعب، دون تمييز في الأصل أو في العقيدة'' من أجل الدفاع عن اللغة العربية وتعليمها ومن أجل أهداف أخرى سياسية واجتماعية، في فصل آخر جمعت الأناشيد الوطنية للحزب ومنها بالأخص ''فداء الجزائر'' النشيد الذي يؤديه كل المناضلين في جميع المناسبات، إن هذا اللقاء مع كابران قد حدد مصيري بشكل نهائي، وصار منذ اللحظة مرتبطا بمصير الحزب وقضية استقلال الوطن. في هذه الظروف بدأ بالفعل مساري النضالي، لأصبح نائب رئيس قسمة مع الأعضاء الآخرين، خاصة: بشير عشور، عبادة أحمد من القل، وتومي عبد الله، الذي أصبح فيما بعد عضوا في المنظمة الخاصة ويلقى عليه القبض ويعذب سنة 1950 حين عثر على مسدس بحوزته. بعد وقت قصير من انخراطي علمت مع مناضلي سكيكدة أن مناضلين اثنين وصلا من فرنسا كان الأمر يتعلق برزقي كحال من منطقة القبائل ومبارك فيلالي الذي كان يحمل اسما مستعارا '' سي عبد الله''، سعى الرجلان إلى تدعيم الحزب ونشطا بعض الاجتماعات. تمت في إحدى الأمسيات دعوتهما إلى وجبة عشاء بمطعم في شارع قسنطينة يسمى اليوم نهج جيش التحرير الوطني، بعد انتهاء العشاء ألقى كابران خطابا، تلاه النشيد الوطني ''فداء الجزائر''، شارك في تأديته الحاضرون، مما أحدث تجمهرا كبيرا من الناس، طلب صاحب المطعم من الجميع الانسحاب تفاديا للمشاكل مع الشرطة. ¯ فكرة استقلال الجزائر و مناهضة النضام الإستعماري ● في انتخابات المجلس العام سنة ,1938 قام الحزب بترشيح رابح موساوي ضد محمد حربي من الحروش، ولكون موساوي كان غائبا ولم يكن معروفا بين الناخبين، سجل المناضلون اسمه على قصاصات من الورق ووزعت على المتعاطفين، اتبعت تعليمة التصويت رغم هذا العائق جرى فرز الأصوات بشارع قسنطينة، تحصل مرشح الحزب على ثلاث أو أربع أو خمس أصوات لا أكثر، ولكننا اعتبرنا ذلك بمثابة بداية حسنة بالنسبة للحزب. أثناء الانتخابات الجزئية للمجلس العام التي جرت في نفس السنة,1938 كان موسى بولكروة مناضل معروف بسكيكدة ورفيق مسعود بوقادوم والاثنان من قدماء نجم شمال إفريقيا، هو الذي يقوم بالحملة الانتخابية للمرشحين الوطنيين، يطلب الكلمة أثناء تجمع مرشح اشتراكي مدير مدرسة يحمل اسم سيانفارة، وكان الاجتماع في قاعة الصناعات الحرفية بساحة قسنطينة بدون أن يتردد، حوَل بولكروة الاجتماع لصالحه وعرض على المستمعين برنامج حزب الشعب الجزائري. إن مبادرات جريئة كهذه تعكس بوضوح الروح التي يتمتع بها مناضلو حزب الشعب المتشبعون أولا بفكرة استقلال الجزائر ومناهضة النظام الاستعماري. اندلعت الحرب العالمية الثانية عام 1939 وتم حل حزب الشعب، دخلنا منذ ذلك الحين في السرية لمواصلة النضال، نجتمع في المساكن ومحلات التجارة وأماكن أخرى بعيدا عن أنظار الشرطة ومخبريها، ومع حل الحزب بدأت عمليات التفتيش والتوقيف. عندما دخل رجال الشرطة ورشتي لأول مرة فتشوا في كل مكان، سألت عون الاستعلامات العامة عن الغاية من هذا التفتيش، لم يجب. وراح يواصل التفتيش حتى في المقصورة الخلفية. كانت قوانين الحزب والأناشيد الوطنية المؤلفة من طرف مفدي زكرياء مخبأة في إطار صورة معلق على الجدار منذ لحظة انخراطي يوم تسلمتها من يد كابران، الذي فتش هو أيضا، لم ينتبه أعوان الشرطة للصورة، وغادروا المنزل و توقفوا في زاوية الطريق يترقبون رد فعلي. التزمت مكاني لأتقي شرهم لأني أعلم بأن أي تحرك قد يعرضني لما لا تحمد عقباه. هزيمة فرنسا ونظام فيشي عام ,1940 دفع بالشرطة إلى التعامل بصرامة مفرطة مع مناضلي حزب الشعب. انتابتني الحيرة منذ عدة أيام لغياب شريكي ''ألفريد'' عندما زرته في منزله، أخبرني أن سلطات فيشي علقت سريان مفعول مرسوم كريميو، الذي منح تلقائيا الجنسية الفرنسية لإسرائيلي الجزائر منذ .1870''نحن من الآن أهالي مثلكم''، أسر لي، ناصحا إياي بالعودة إلى بسكرة، استحسنت الفكرة وقمت ببيع كل ما لا أستطيع نقله معي، كما أرسلت ماكنة الخياطة قبل أن أعيد المفاتيح لصاحب المحل إلى الجنوب. في بسكرة سنة 1941 زارني المناضلان عبد الله ميدا والطاهر جواد مبعوثين من طرف أحمد غريب لإعادة الصلة بالحزب، زرت أحمد غريب وشرعت في بعث الحركة الوطنية السرية في بسكرة من جديد. نزلت القوات الأنجلو- أمريكية بالجزائر عام ,1942 و تضاعف النشاط الوطني للحزب وأصبحت الثورة هاجسا يشغل أذهان المناضلين الأكثر تبصرا. جمع لمبارك فيلالي برأس القرية في حي ببسكرة القديمة أربعين مناضلا ومتعاطفا، استعادت المنظمة ديناميكيتها، وكان الحماس جليا لدى جميع المشاركين، تجلى ذلك من كثرة ترديد الآيات الداعية للجهاد. عاد أمل التحرر من جديد سنة 1943 عقب اللقاء الثلاثي الذي جمع روزفيلت، تشرشل وستالين في يالتا. في أحد فصول الوثيقة التي انبثقت لتصبح فيما بعد ميثاق الأممالمتحدة، الاعتراف بحق الشعوب في تقرير المصير. تولى الدكتور دباغين تسيير الحزب في غياب مصالي الحاج، الذي وضع في إقامة جبرية قصر البخاري، الشلالة، ثم برازافيل. التقى دباغين فرحات عباس في سطيف واتفقا على ضرورة فعل شيء ما، فحررا بيان الشعب الجزائري، المطالب على الخصوص بتقرير المصير. كان الأمر يتعلق ببرنامج ستدخل عليه إضافات وبعض التعديلات ليقدم للحكومة العامة لتلك الفترة، هكذا ظهر إلى الوجود ''أصحاب البيان و الحرية''. أول مؤتمر ينظمه ''أصحاب البيان و الحرية'' كان سنة ,1944 كانت مشاركة حزب الشعب من أجل دفع الإصلاحيين نحو المواقف الثورية، أي التخلي نهائيا عن أوهام الاندماج فالعلماء المسلمون ومؤيدو الدكتور بن جلون لا يؤمنون بالاستقلال، و يبعدون تماما كل احتمال فرضه على السلطة الاستعمارية بالقوة أو بوسيلة أخرى. كان أول لقاء بالجزائر العاصمة شارع لالير (rue de la lyre) بالقرب من جامع كيتشاوة بالتحديد في الطابق الأول ''لالنادي البلدي للشباب''، الدائرة البلدية للشبيبة، في شهر فيفري حضر الاجتماع على الخصوص محمد عصامي، أحمد غريب، عبد الرحمان مليكي، بودونة العربي، مبارك صالح، الشاذلي المكي وحسين أصلاح، وترأس الاجتماع الدكتور سعدان. دعانا الشاذلي المكي على حدة نحن الثلاثة: عصامي، مبارك صالح وحسين أصلاح ليعلمنا بالأفكار التي يجب الدفاع عنها: '' أكدوا على الاستقلال و الإفراج عن مصالي حاج'' قال لنا، فهناك بالمناسبة مقعد شاغر، حجز لمصالي الحاج خصوصا، عندما طلب الأمين العمودي التدخل الذي كان ملحقا بخدمة الحكومة العامة، تدخل الدكتور سعدان لمنعه قائلا: ''ليس لك الحق في الكلام''، كان هذا بحضور الشيخ البشير الإبراهيمي، من شدة غضبه حطم الدكتور سعدان شيئا ما قبل مغادرته المكان وتفرق الحضور. بعودته الى بسكرة، واصل الشاذلي المكي اهتمامه بحماس المناضلين، فألقى خطابا مشهودا في نادي أحباب البيان، وعلق عليه الدكتور سعدان بقوله ''لم يكن ذلك خطابا، بل كان نارا''، ¯ مظاهرات 8 ماي والمطالبة باستقلال الجزائر حافظ الحزب بعناية على سرية هيكلته وتنظيمه، فكانت تصل الإطارات أوامر خاصة للنشاط في الإطار القانوني لأحباب البيان، المعترف بهم من طرف المصالح الحكومية في الجزائر، كان فرحات عباس إذن الأمين العام لأحباب البيان والحرية، وتم تأسيس أحباب البيان والحرية ببسكرة، في الكازينو، قاعة الأطلس حاليا. إذا كانت مسألة المطالبة باستقلال الجزائر قد قُبِلت في جو مضطرب سياسيا، بسبب أحداث الحرب المشرفة على نهايتها فالاجتماع لم يجر في الصفاء، واقتراح الدكتور سعدان تعيين بلآغا العقبي على رأس أحباب البيان ببسكرة يفترض أن يقبل، وهنا قدم إطارات حزب الشعب اسم العربي بن مهيدي لتكليفه بعمليات الانخراط والتسجيل، وهو منصب حساس اعتبارا لأهداف حزب الشعب. كانت النية ظاهرية فقط بين الإصلاحيين والاستقلاليين وسيحتفظ بن مهيدي بمداومة أحباب البيان. لم يتم الاتفاق أثناء المناقشة في مسألة المطالب خلال المظاهرات، هل هي بين المطالبة بالاستقلال أو الإفراج عن مصالي الحاج، و اكتفى الدكتور سعدان بطرح السؤال قبل مغادرته نادي أحباب البيان، أما مناضلو حزب الشعب فيتواصل نقاشهم دون نتيجة تذكر. لكن يجب استغلال فرصة الاحتفال بالتحرير للمطالبة بالاستقلال. كان إطارات الحزب مستعدين لإبراز العلم الوطني، وتظل هذه المسألة وحدها محاطة بسرية تامة. أحضر أحمد غريب، المناضل ومسؤول فدرالية الحزب بقسنطينة، العلم مرسوما على ورقة، تكونت مجموعتان، شرعت كمسؤول عن المجموعة الأولى في تفصيل العلم بورشتي الخاصة، كان برفقتي مناضلان: لمبارك صالح وبشير عاشوري، وكلاهما خياط مثلي. يتولى مسؤولية المجموعة الثانية العربي بن مهيدي. التي كانت مكلفة بإعداد اللافتات، كانت الشعارات مكتوب عليها أفرجوا عن مصالي، ''يحيا الحلفاء''، ''الجزائر مستقلة''. في الوقت الذي كنا نحضر فيه مظاهرة 08 مايو 1945 ببسكرة، كان محمد بلوزداد المسؤول الوطني في المنظمة الخاصة (OS) بعد إنشائها مطلوبا لدى الشرطة بتهمة التآمر بعد مظاهرات 01 مايو بالعاصمة، فلجأ إلى الشرق الجزائري، وعين على رأس فديرالية قسنطينة، أين يواصل النضال في سرية تامة، لم ألتق به إلا بعد أسابيع من الاعتقالات التي أعقبت الثامن مايو,1945 في ذلك اليوم أي (08 مايو) انطلقت المظاهرة من نادي أحباب البيان المتواجد بنهج الأمير عبد القادر حاليا، تم تكليف مناضل بارتداء قندورة وبرنوسا وإخفاء اللافتات والعلم، كان على هذا المناضل أحمد زيد أن يشهر ما أخفاه بعد انطلاق المسيرة، اتخذ هذا القرار بعد تفكير وترو، لأننا كنا أمام اختيار صعب: التمرد عن التعليمات أو رفع العلم واللافتات مع احتمال إثارة خشية الجمهور وانسحابه، كان الفرنسيون المشاركون في المظاهرة أمام البلدية وثارت ثائرتهم عندما رأوا العلم، فقد أشهر في وجه السنغاليين. نمر بصمت، بينما نضع إكليلا من الزهور أمام النصب التذكاري. أمر رئيس الوفد الخاص بعدم التدخل، كان المحافظ سان تيكسيي يحثنا على المرور بسرعة قائلا: مروا مروا!، ثم يتمتم: هذا استفزاز. هكذا جرت المظاهرة في بسكرة دون أي حادث، لكن مناضلين من أحزاب أخرى، شيوعيين، منتخبين وأعضاء من جمعية العلماء المسلمين اتهموا من طرف الإدارة الاستعمارية. المناضل سعداني، الإنتماء من بريكة، يحمل اسم سفير، عرف بنشره نصا تحت عنوان''ضربة الخيزران''coup de bambou ، عام ,1935 يرفع لافتة مكتوب عليها: لست أحمق أبيض يوم المظاهرات، نحن المحرضون كنا نتجول مساء في هدوء. لكن المخبرين لم يتأخروا في التحقق من هوية منظمي المظاهرة وإخبار المحافظ تيكسيي، فتم إيقاف محمد عصامي، العربي بن مهيدي وعبد المجيد باني. تم حشرنا في قبو، وكنا نسمع تساقط المطر المتواصل. تفجرت إحدى قنوات صرف المياه القذرة، وبقينا طوال الليل في الوحل، تلقيت أول ضربة من الجلاد، ولما رأى أحد أفراد الشرطة حالتي السيئة وجسمي الضعيف، قال لصاحبه ''حذار! إنه مصاب بالسل!''، فتركت لحالي إلى أن أطلق سراحي بعد15 يوما، أكمل العربي بن مهيدي واحدا وعشرين يوما. إلى غاية 18 مايو، لم يفرج على أي واحد من المعتقلين وهم متهمون باطلا ما دامت الشرطة لم تعترف بخطئها. ألقي القبض في باتنة على أحمد غريب، المسؤول الجهوي لحزب الشعب. كما أوقف مسؤولون آخرون في الجزائر العاصمة، فر محمد الأمين دباغين مثل بلوزداد إلى شرق الوطن، حيث يناضلان سرا. ¯ كيف تعرفت على محمد بلوزداد ● إلى غاية جويلية,1945 كنت لم أمكن من ربط اتصال بالحزب، إلى أن تمكنت من لقاء عبد الرحمان قراس الذي سلمني رزمة منشورات وأخبرني بأني سوف ألتقي شخصا باسم سي مسعود يلبس نظارة شمسية، يخطو أمامك عشرون خطوة، تناديه باسمه المستعار فيلتفت. بعدها بالفعل تعرفت في محطة بسكرة الساعة 11 ليلا على سي مسعود الذي ما هو سوى محمد بلوزداد، رئيس المنظمة الخاصة لاحقا (OS). أمرني محمد بلوزداد وكان أقام متخفيا عندي بجمع إطارات حزب الشعب القدامى في اجتماع عند الشيخ سماتي محمد العابد، مرشد الكشافة الإسلامية الجزائرية، المفصول عن جمعية العلماء المسلمين لانتمائه إلى ح.ش.ج، أثناء اجتماع القسمة عين عمر محبوب رئيسا بشير عاشوري أمين مال، بشير كروشي مسؤول الدعاية والإعلام، بينما يتولى محمد عصامي الإشراف على الولاية. وتم اختياري بحكم تفرغي، لأن مهنتي كخياط محترف تؤمن لي الذاتية والحرية. صرح محمد بلوزداد أثناء الاجتماع ما يلي: كلكم على علم بأحداث 08 مايو,1945 وقد عايشتموها جميعا، و عليه فأنتم مدركون ما يجب فعله. إن فرنسا لن تخرج من الجزائر بالمحادثات السياسية المملة، فيجب على كل منكم أن يحصل على سلاح حربي وابتداء من اليوم هذه لغتنا الوحيدة. بعد إعادة تنظيم الهياكل المحلية لحزب الشعب، شرح نظام الهيكلة: تتكون الخلية السرية من ثلاثة مناضلين ومسؤول، ليصبح المجموع أربعة. ثلاث خلايا تكوِن فصيلة من اثني عشر مناضلا ومسؤول. ثلاث فصائل تكون قسمة من تسعة وثلاثين مناضلا ومسؤول، مما يرفع العدد إلى أربعين مناضلا. يجب أن يتبع هذا النظام بصرامة خاصة في ناحية بسكرة- الأوراس المعول عليها للعب دور ريادي في الكفاح المسلح. اتجه بلوزداد مباشرة إلى قسنطينة، بعد أن طلب مني اللحاق به. حدد مكان اللقاء بشارع اللقالق، في مطعم متواضع يملكه مناضل اسمه سي محمد بن علي. بعد ذكر كلمة السر انتظرت قليلا، وإذا بلوزداد يصل، دعاني لتناول الغداء وقال لي:''تأخذ مدخلا وطبقا أساسيا، أما أنا فسأكتفي بشربة، لأن ميزانية الحزب هزيلة''. التقينا من جديد على انفراد في ورشة حرفي بسوق العصر، فانشغلنا بتحديد ولاية بسكرة- الأوراس التي تشمل غرب السلسلة الجبلية والصحراء بالإضافة إلى عين ياقوت، باتنة، مروانة بريكة: قسمة أسندت إلى خندرة محمد الذي يقضي خمس سنوات سجنا منذ إيقافه في الفاتح من نوفمبر.1954 تقرت، وورقلة: محمد سعيد خياط. وادي سوف: ميلودي أحمد. سيدي عقبة: محمد بن خلف الله. خنقة سيدي ناجي، التي كانت ملحقة لخنشلة، وعين توتة: للنصري محمد سليمان خروشة ويحياوي محمد، عندما يقوم بلوزداد بدوراته حريصا دائما على ألا يكتشف أمره. بقيت على اتصال دائم ببلوزداد، وكمسؤول على ولاية بسكرة- الأوراس، كنت همزة وصل بين القاعدة وسي مسعود، رئيس المنظمة بالشرق. بينما كان بلوزداد في جولة عمل بعنابة، أخبر بوجود شخص في تلك المدينة يسمى سمايحي زراري، خباز بآريس. لم أتأخر في الذهاب إلى آريس، يرافقني أحمد غريب الذي أفرج عنه حينها. اجتمعنا في مخبزة زراري مع سليمان قتالة، الذي أصبح رئيس بلدية باتنة في الاستقلال، نكون قسمة آريس برئاسة مختاري صالح ''كاتب عمومي'' مصطفى بن بولعيد مكلف بالتنظيم، صالح بوسعد، مكلف بالدعاية والإعلام، وسمايحي زراري أمين المال. وقد أخبرني هذا الأخير أن حزب الشعب موجود بآريس منذ عام ,1942 بفضل محي الدين من عنابة في إقامة محروسة. يتواجد بوادي عبدي ووادي لبيوض في منطقة بسكرة الأوراس من بين قدماء مناضلي هذه المنطقة يمكن ذكر: سي مسعود بلعقون، سليمان قتالة، محمد شريف قاسمي من تفلفل، ويعرف الآخرون أكثر من طرف مصطفى بن بولعيد نظرا للتقسيم المعمول به. حين كان مصالي منفيا في برازافيل، سلمني بلوزداد 200 صورة لمصالي لبيعها في آريس، باتنة، بريكة، تقرت ووادي سوف، قمت ببيعها في وقت وجيز، لم يتبق إلا 20 صورة أعدتها لبولوزداد فمزقها بحضوري، ليس ذلك من قلة ثقة، ولكن يجب حسن التصرف في كل الظروف، كان شعاره دائما:''القليل من الثقة و الكثير من الأمن''. ويقول'' إن مسؤولا لا يشجع مرؤوسه الأكفأ منه مخرِّب''. أعلن العفو العام في شهر مارس,1946 كان إطلاق سراح الدكتور سعدان في ديسمبر1945 لأسباب صحية.دخل الأمين دباغين آنذاك في السرية و انتقل إلى قسنطينة حين استدعاني بلوزداد إليها، حسبت أولا أن الأمر يتعلق باستلام منشورات وتعليمات.قبل وصول إلى المطعم، مكان الموعد، رأيت الأمين و بلوزداد يمشون جنبا إلى جنب.بادر بلوزداد قائلا ''سهذا سي عبد القادر، وهو هنا لتفقد بعض القسماتز'' . ¯ يتبع