استطاع حزب جبهة التحرير الوطني خلال سنة 2013 أن يسجل حضورا قويا ويجعل منها سنة مميزة بكل المقاييس. سحب الثقة من عبد العزيز بلخادم الأمين العام السابق للأفلان بداية السنة، كاد يعصف بمستقبل حزب الأغلبية على الساحة السياسية، وبعد مد وجزر ومخاض عسير تواصل طيلة ثمانية أشهر، كان الإعلان عن ميلاد جديد للحزب بعقد دورة اللجنة المركزية في 29 أوت الماضي وتزكية أمين عام جديد. تعود تفاصيل الأزمة التي عرفها الأفلان خلال سنة 2013 إلى تاريخ 31 جانفي من نفس السنة، حيث سحب أعضاء اللجنة المركزية للحزب الثقة من عبد العزيز بلخادم بصفته أمينا عاما للحزب. وقد صوت 160 عضو من اللجنة المركزية لسحب الثقة من بلخادم مقابل 156 صوتا لصالح بقائه فيما تم إلغاء 7 أصوات ضمن الأعضاء الذين شاركوا في الاقتراع. مباشرة بعدها اختلف الأعضاء بين دورة مفتوحة وأخرى مغلقة، وبين مكتب الدورة ومنصب منسق المكتب السياسي، لتسيير فترة الشغور في انتظار انتخاب أمين عام جديد، العملية كانت منتظرة بعد 15 يوم، إلا أن الأزمة تواصلت طيلة 8 أشهر. عمار سعداني أمينا عاما للأفلان في يوم 29 أوت 2013، حدد موعد لعقد دورة اللجنة المركزية بعد الحصول على رخصة من وزارة الداخلية، كانت الجلسة الصباحية كافية لأن تضع حدا لشهور من حالة الشغور في منصب الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني بعدما التأم شمل اللجنة المركزية بفندق الأوراسي التي زكت عمار سعداني أمينا عاما جديدا للحزب. ولم يمنع الجدل القانوني الذي أثير قبيل تاريخ 29 أوت حول انعقاد الدورة الأعضاء وممثلي وسائل الإعلام الوطنية والدولية من التوافد على فندق الأوراسي بالعاصمة، ومن الوهلة الأولى للظروف التي صاحبت انعقاد الدورة يدرك المرء أهمية الحدث الجاري التحضير والترتيب له، كيف لا وهو الموعد الذي طال انتظاره واستعصى على القائمين على تسيير الحزب الذهاب إليه. وفور انتخابه استبعد عمار سعداني الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني اللجوء إلى إجراءات عقابية أو ممارسة الإقصاء وقال إنه سيذهب معهم إلى الحوار والمصالحة إلا من يصرّ على زرع الفتنة فلا مكان له معنا أو بيننا، شددا على لم الشمل، لأن الأفلان في رأيه ليس تركة يتم تقاسمها.. وباشر الأمين العام الجديد للحزب العتيد بمكتبه بالمقرّ المركزي الكائن بحيدرة مهامه، وهي العملية التي جرت في هدوء وفي أجواء عادية ودون تصادم مع معارضيه من أعضاء المكتب السياسي السابق الذين لم يحضروا دورة اللجنة المركزية المنعقدة بفندق الأوراسي، وهذا كما ذهبت إليه وسائل الإعلام، حيث وجد سعداني في استقباله عددا من إطارات ونواب الحزب في البرلمان وأعضاء من اللجنة المركزية. ودعا سعداني في أول كلمة له يلقيها في مقرّ الأفلان وهو يحمل قبعة الأمين العام المنتخبين لحمل انشغالات القاعدة، والمناضلين إلى الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يفرق بينهم على مستوى كل هياكل الحزب، مشددا على ضرورة توحيد الصف خدمة لمصلحة البلاد وحفاظا على الحزب. وأكد المتحدث أن المرحلة الراهنة بمثابة استمرارية لمسيرة الحزب التي ليس فيها انقطاع، مشيرا في تقييمه لحصيلة القيادة السابقة للحزب أن في مسيرة الأفلان كثير من الايجابيات والسلبيات وأنه يتحملها كما هي بسلبياتها وايجابياتها. جدل قانوني حول شرعية اللجنة المركزية أيد مجلس الدولة يوم 22 نوفمبر 2013 حكم المحكمة الإدارية للجزائر العاصمة الصادر في 29 أوت 2013 الخاص بمنح رخصة لعقد دورة اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني في نفس اليوم. وقد فصل مجلس الدولة قراره في موضوع القضية خلال جلسة ترأسها رئيس الغرفة الخامسة المكلفة بالنزاعات داخل الأحزاب وبالاستعجالي الذي قضى بتأييد حكم المحكمة الإدارية الذي كان قد قضى بدوره برفض دعوى بعض القياديين والمناضلين في الحزب لعدم التأسيس. وقد جاء في منطوق قرار مجلس الدولة في قضية رخصة الولاية لدورة اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني، قبول الاستئناف شكلا ورفض طلب إدخال وزير الداخلية في الخصومة، أما من حيث الموضوع فقد تم تأييد الحكم المستأنف فيه الصادر عن المحكمة الإدارية للجزائر العاصمة ولكن لأسباب مغايرة للأسباب التي حددتها الهيئة الإدارية الأولى. وكان أعضاء من اللجنة المركزية بتأييد من منسق المكتب السياسي عبد الرحمن بلعياط قد رفعوا دعوى قضائية طالبوا فيها بإلغاء رخصة ولاية الجزائر لعقد دورة اللجنة المركزية ليوم 29 أوت 2013 التي تم خلالها تزكية عمار سعداني أمينا عاما للحزب خلفا لعبد العزيز بلخادم الذي سحبت منه الثقة نهاية جانفي . وعليه فقد انتهت المعركة القانونية حول شرعية دورة اللجنة المركزية بصدور قرار مجلس الدولة والذي أيد حكم المحكمة الإدارية للجزائر العاصمة الصادر في 29 أوت 2013 الخاص بمنح رخصة لعقد دورة اللجنة المركزية للحزب، وقد عاد الأستاذ حسين خلدون إلى تفاصيل المعركة القانونية والنزاع داخل الأفلان حول شرعية الدورة السادسة المستأنفة بالأوراسي والتي عقدت بتاريخ 29 أوت الفارط، حيث أوضح في هذا الشأن، أنه على إثر حصول مكتب الدورة على ترخيص من الولاية باستئناف الدورة السادسة، يومي 29 و30 أوت 2013 رفع الفريق المدعي دعوى قضائية في الموضوع أمام المحكمة الإدارية بالعاصمة، التمس من خلالها إلغاء الرخصة الخاصة بعقد هذه الدورة، وبالموازاة مع ذلك رفعوا دعوى أخرى في الاستعجالي أمام نفس الهيئة التمسوا فيها تعليق العمل بالرخصة إلى غاية الفصل في الموضوع. وبالنسبة للقرار الاستعجالي الذي صدر يوم 26 أوت 2013 فهو يقضي برفض الدعوى التي قدمها الطرف المدعي لعدم التأسيس، وهنا قاموا بالاستئناف أمام مجلس الدولة، حيث صدر بتاريخ 28 أوت 2013 قرار يقضي بتعليق الرخصة إلى غاية الفصل في الموضوع، ومن المعلوم أن كلمة الفصل تعود إلى قاضي الموضوع، لذلك أصدرت المحكمة الإدارية بالجزائر حكما يرفض الدعوى لعدم التأسيس. أمام هذه التطورات، استأنف الفريق المدعي أمام مجلس الدولة في الحكم الصادر يوم 29 أوت، ليأتي قرار مجلس الدولة مؤيدا القرار الصادر يوم 29 أوت من طرف المحكمة الإدارية والذي عقدت بموجبه الدورة السادسة المستأنفة. وبالتالي فإنه بموجب هذا القرار النهائي تكون المعركة القانونية قد انتهت ولم يبق أمام المناضلين الذين عارضوا قيادة الحزب إلا اللجوء إلى الطرق السياسية لطرح القضايا الخلافية ومعالجتها بين أبناء الحزب الواحد كما تعود المناضلون على ذلك منذ عقود. ترشيح بوتفليقة ودعوة لتعديل الدستور جاءت دورة اللجنة المركزية التي انعقدت يوم 16 نوفمبر 2013 لتؤكد مجددا عزم حزب جبهة التحرير الوطني على تجاوز الأزمة، وقد أوضح سعداني موقف الحزب الداعي إلى التعجيل بتعديل الدستور، كما صادقت اللجنة المركزية بالأغلبية على ترشيح عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية جديدة. وقد اعتبر عمار سعداني الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني في الندوات الجهوية التي جمعت المناضلين بكل من الغرب والشرق والجنوب وكذا الندوات الخاصة بالمنتخبين التي أشرف عليها بكل من باتنة وسيدي بلعباس ، بعد هذه الدورة، بحضور أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب والآلاف من إطارات ومناضلي ومنتخبي الحزب أن الظروف الحالية تؤكد بأن الأفلان سيكون القاطرة التي تكون في مقدمة كل المحبين لعافية الجزائر واستقرارها تحت قيادة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة. وأكد سعداني أن الأفلان حريص كل الحرص على متابعة نشاط منتخبيه ومعرفة أوضاعهم والتواصل الدائم معهم قصد التعرف على المشاكل والتحديات التي تواجههم في مختلف المجالات وحصرها والسعي إلى إيجاد الحلول المناسبة لها، مؤكدا بأن قيادة الحزب تدرك طبيعة الظروف الصعبة التي يعمل فيها المنتخبون على كافة المستويات، وانطلاقا من هذا أكد سعداني بأن الحزب حريص على مؤازرة منتخبيه في مد الدعم المعنوي والسند السياسي بغية تجسيد برنامج رئيس الجمهورية وتعزيز الديمقراطية وتحقيق الإصلاحات والتنمية الشاملة المستدامة. وقال سعداني بأن الانتخابات تشكل الآلية القانونية للممارسة الديمقراطية التعددية والوصول إلى السلطة بتزكية من الشعب صاحب السيادة، موضحا بأن الانتخابات الرئاسية المقبلة أصدق دليل على هذه الممارسة، بحيث تكون الفيصل في حياة الأمة وحياة الحزب.وفي سياق آخر أكد عمار سعداني بأن اللجنة المركزية للحزب في دورتها الأخيرة قد رشحت رئيس الحزب عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية جديدة لإيمانها الراسخ وقناعتها الأكيدة بأن القرار هو قرار كل المناضلين والمحبين لرئيس الجمهورية، مؤكدا بأنه كان لزاما على قيادة الحزب بأن تكون هي المبادرة والسباقة لأن الأفلان هو صاحب الحق ولم يفرط فيه ولن يتنازل عنه لغيره حتى وإن كان قريبا منه. واعتبر سعداني بأن موقف الأفلان الداعم لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة يعتبر موقفا ثابتا يلتزم به الحزب من أجل مصلحة الجزائر، مؤكدا بأن هذا الدعم والتأييد يفرض نفسه بالنظر إلى حصيلة الرئيس منذ توليه رئاسة البلاد في سنة 1999 بأنها إيجابية في جميع الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية. من جهة أخرى أكد الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني بأن الأفلان لديه رغبة جامحة نحو بناء دولة حديثة وديمقراطية معززة بالفصل بين السلطات، ومن هذا المنطلق يؤكد سعداني بأن تعديل الدستور في الوقت الحالي حتمية سياسية، مؤكدا في هذا الإطار بأن الأفلان يدعو إلى الإسراع بتعديل الدستور قبل الرئاسيات المقبلة قصد وضع الأسس القوية لدولة الحق و القانون.وفي سياق آخر تحدث سعداني بإسهاب عن المرجعية الفكرية لحزب جبهة التحرير الوطني وللجيش الوطني الشعبي، حيث أكد بأنهما يمتلكان مرجعية واحدة لأنها من أصل واحد ومهام مشتركة من أجل بناء الدولة الجزائرية الحديثة. ومن جهة أخرى لم يفوت سعداني الفرصة ليذكر إطارات الحزب ومنتخبيه بخطة الطريق التي تتضمن عشر نقاط محورية تشكل أساسيات الانطلاقة الجديدة للحزب، داعيا المناضلين إلى وضعها لبرنامج عمل. وفي هذا الإطار أكد الأمين العام للأفلان ضرورة إعطاء المصالحة بين أبناء الحزب، الأهمية البالغة والابتعاد عن التفرقة وكل مظاهر الانقسام ليدعو كل المناضلين والمناضلات إلى ضرورة مجابهة التحديات التي تواجه الحزب. سنة 2013 كانت حاسمة بالنسبة للأفلان يرى عضو المكتب السياسي المكلف بالإعلام، السعيد بوحجة، أن سنة 2013 كانت حاسمة في حياة الأفلان، على مستويات عديدة، كما أن أنشطة الحزب كانت مختلفة وتدور في معظمها حول القضايا التنظيمية للأفلان، هذا الحزب الذي لم يعرف حسبه استقرارا نظاميا يؤهله لأن يقود الحياة السياسية بالرغم من أنه حصل على الغالبية في الانتخابات التشريعية والمحلية سنة 2012، وبالتالي، فإن عدم اعتماد الأطر النظامية لمعالجة القضايا الحزبية كان من نتائجه عدم تحقيق وحدة الرؤى والتوجه وبالتالي وحدة العمل، مما جعله ينشغل في قضايا داخلية وعدم التأثير في الساحة السياسية خاصة اتجاه المحيط الذي ينشط فيه. لكن في النهاية وصل المناضلون إلى إجماع مكن الحزب من انتخاب أمين عام وبالتالي إعطاء الشرعية من جديد للقيادة الحزبية، ومن ثم أعد سعداني إستراتيجية من 10 نقاط وحدد المعالم التنظيمية والسياسية الواجب اعتمادها في المستقبل وهي كلها تضم موضوع تعزيز الصفوف داخل الأفلان بالطرق النضالية المعروفة وهي الحوار والمصالحة. إن الأزمة انتهت بعد 8 شهور من شغور منصب الأمين العام والأفلان بخير، على حد تعبير السعيد بوحجة.