هل انتهى ربيعها، أم سيبتدىء أعني هنا تركيا أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم؟ من الصعب الإجابة على السؤال بكلمتين: نعم أو لا وهو أسلوب استنطاقي يسمعه الإنسان في مكانين فقط مراكز الشرطة والأمن أو المحاكم وكلاهما من صميم نظام أردوغان. في مطلع الألفية الثالثة هذه استبشر الشعب التركي، كما بلدان الجوار بوصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في أنقرة. كان الخطاب السياسي كما المشروع الاقتصادي والاجتماعي يتميز بالتفتح والعصرنة والدعوة للمزيد من الحريات وتعزيز الديمقراطية، كان ذلك جزء من الاستراتيجية التي تهدف إلى اقناع الغرب وأساسا الاتحاد الأوروبي بتأهل تركيا إلى الانضمام للاتحاد الهدف الذي تحاول أنقرة منذ أكثر من خمسين سنة بلوغه. بموازاة ذلك، انفتحت تركيا على جوارها العربي وأساسا سوريا والعراق وكان من المفاجىء واللافت للنظر تلك السرعة في التقرب من دمشق حتى وصل الأمر إلى تنظيم مناورات مشتركة بين الجيشين التركي السوري، مقابل تصعيد للخطاب السياسي المعادي لإسرائيل! وكلنا يتذكر قضية سفينة مرمرة وحركة أردوغان تجاه شيمون بيريز في إحدى المؤتمرات الدولية.. الكثير خدع بديماغوجية أردوغان ومنظر سياسته الخارجية داوود أوغلو، وأذكر أن مخربش هذه السطور سقط في الفخ من خلال تصدير ذلك الخطاب السياسي الذي كان يقول شيئا ويضمر عكسه ويبدو أن الرجل تسرع حين لم يستوعب جيدا التناقضات الكبيرة في المنطقة بدء من تعامله العنيف مع الملف الكردي الذي شهد في عهده قمعا قد يتعدى قمع الأنظمة الديكتاتوية السابقة ووصولا إلى القطيعة مع سوريا. أردوغان وأوغلو من خلال نظرية صفر مشاكل مع الجوار انقلبا أكثر من مائة وثمانين درجة بعد مارس 2011 حيث بدأت الأزمة السورية، وكأن حزب العدالة والتنمية كان ينتظر أو كان مطلعا مسبقا على الاستراتيجية المعدة سلفا في دوائر صنع القرار الغربي بتفجير سوريا استمرارا لنشر''الربيع العربي'' الذي أثمر في تونس وكان دمويا ومدمرا في ليبيا وفوضويا في مصر. هنا وجد منظر حزب العدالة والتنمية داوود أوغلو أن الفرصة أتت لتحقيق الإجابة عن سؤاله الذي طرحه قبل ذلك بسنوات حين أنهى رسالته الجامعية في العلاقات الدولية ومكانة تركيا في المنطقة بهذه الجملة: ''وماذا لو لم تكن سوريا''؟ سرعان ما نسج أردوغان شبكة علاقات مع بلدان الخليج ومع مصر حينئذ ضمن التوجه الاسلاموي الذي تقوده حركة الاخوان المسلمين في مصر وتونس وبإشراف قطر تمويلا ودعاية، ومشاركة السعودية التي إن كانت سياستها في الأصل تعادي الاخوان المسلمين إلا أن هوس اسقاط نظام الرئيس السوري جعلها تتجاوز هذا الإشكال ولو مرحليا. خلال سنوات ثلاث، لم يسقط الأسد ولم تنهار الدولة وبالمقابل دمرت سوريا لكن رهان استسلام الإرادات انقلب، ذلك أن أنقرة في المقام الأول خسرت سوريا وخسرت الانتخابات المحلية القادمة نتيجة استدارة الحكومة ضد كل معارضيها وتقليص مساحات الحريات وحقوق الانسان والديمقراطية وهي التوابل التي كان أردوغان يغلف بها سياسته التي تخفي مطامع الزعامة الشخصية، وأتت تسريبات قضايا الفساد والرشوة لتقضي على كل مصداقية أردوغان. حتى على المستوى الاقليمي والأوروبي والأمريكي أصبح أردوغان منعزلا وقد ساءت علاقات أنقرة مع القاهرة لتصل إلى شبه قطيعة.. ومع الرياض تدهورت بشكل كبير، وإذا أضفنا إلى ذلك الخسارة التجارية والاقتصادية والإعفاء الجمركي الذي كانت تركيا تستفيد منه من سوريا كمعبر لسلعها إلى باقي دول المنطقة والخليج، نجد أن الخاسر في مشروعه هو أردوغان على نفس الدرجة مع الخسارة الاقتصادية وفي الهياكل القاعدية لسوريا. في كل المنطقة، حبات العقد تتساقط، فهناك تفكك خليجي وهناك مرارة في تركيا، وهناك أيضا عجز غربي وأمريكي وهي الأطراف التي لم تكن تحسب أن المجموعات المسلحة التي ساهمت في خلقها ومولتها وسلحتها ستتحول إلى إرهاب عابر للحدود سيهدد مصالحها وحتى مجتمعاتها من خلال الشبكات الجهادية التي تصب كلها في تنظيم القاعدة. حسابات الحقل التي بنى عليها أردوغان كل استراتيجيته لإعادة أمجاد العرق الطوراني تبخرت وأتت حسابات البيدر أو الحصاد مخيبة للآمال ذلكم هو وضع أردوغان الذي يبدو أنه الآن يدور في قفص مغلق كفأر المخابر. إن الطموح الذي يتحول إلى طمع كثيرا ما يؤدي بصاحبه إلى المهالك حين لا يفرق المرء بين الحرفين في الكلمتين حرفي ''ح'' وحرف ''ع''! الرجل ضيع إرث وأمجاد أتاتورك، لم يعد أمجاد سليمان القانوني أو محمد الفاتح أي خسران هذا الذي وجد الثنائي أردوغان - أوغلو نفسيهما فيه وأوصلا تركيا إليه؟! هل سيكون هناك ربيع تركي ليزيل زمهرير أردوغان؟